حال الفن العربي

> عبد اللطيف سالمين

>
عبد اللطيف سالمين
عبد اللطيف سالمين
لقد تجرعنا من هذه المعاناة ما يكفي، لكي نصحو من هذه الغيبوبة المقيتة، ولنرفض كل هذا السائد و المنتشر، ولتبدأ سباباتنا في نقده و تشريحه بكل بسالة، وإظهار عفونته و أوبئته.
إن الناظر إلى حال الفنون العربية في هذه السنوات يجدها تشرع في الاقتراض لتأمين أكفانها، فالعبثية والهمجية التي تزدحم بها طرقاتنا وأزقتنا لم تتوانَ عن أصطحاب الذرات المتبقية عندنا من الأصالة الفنية، فلم يبق في المسلسل الهزلي الذي يحدث في منصة الفن إلا شرذمة القوم يصولون و يجولون، ويخطبون على المنابر الفنية الكبرى باسم الفن، ويسبحون في فراغ دائري لا يفضي إلا إلى الصرير المزعج لآلات موسيقية حمقاء، وصور فنية مكتوبة على صفحات لا تصلح أن تكون خرقاً بالية، وأفلام لا تشبع إلا الغرائز في طرائق الهمز واللمز والاعتداءات الجنسية اللفظية، وربما الجسدية، والأساليب الاحترافية للتجسس والقتل والتفجير، فهل هذا المسلسل يعترف لنا صراحة بالكارثة؟ أم إننا نستمتع في هيجان غرائزنا ولا نريد أن نترك لعقولنا مجالاً للصراحة؟
يكفينا أن نقارن بين فنوننا والفنون الغربية، وبين فنانينا وفناني الغرب، فهل تُُقارن سيمفونيات بيتهوفن وحدها بكامل الإنتاج العربي من الموسيقى الشرقية؟ على فرض أننا أنتجنا موسيقى شرقية حقيقية منذ قرون؟ وهل كان عبقري الموسيقى التاريخي موتزارت يطلع على المسارح ويقول لشعبه (أنا الملك)؟ أم أنه كان ينحني لهم محبة واحتراماً وتواضعاً؟ وهل تخرج ذائقة الإنسان الفنية بعدما يسمع موسيقاه، كما تخرج بعدما يسمع موسيقانا؟ ومغنو الأوبرا التاريخيون هل كانوا قياصرة؟ وبيكاسو ماذا عنه، هل كان إمبراطوراً؟ وهل كان مايكل آنجلو ينجز إبداعاته ليتباهى أمام حكام عصره؟ وهل غرق دافنشي في مستنقع الشهرة وعانى كثيراً في المساومات على (بدلات رسمية) ستوضع في المتاحف؟
لقد تجرعنا من هذه المعاناة ما يكفي، لأن نصحو من هذه الغيبوبة المقيتة، ولنرفض كل هذا السائد و المنتشر و لتبدأ سباباتنا في نقده و تشريحه بكل بسالة وإظهار عفونته وأوبئته، فلن تتسنى لنا فرصة أخرى إذا ما أهدرنا هذه السنوات، في الهرب إلى الإنتاج الفني العالمي، ولن يتسنى لنا التكيف مع بيئة ترحب بهذا الانزلاق الفني إلى أسفل سافلين، و تبارك له وتساعده، فالأجيال السوية ستختنق في هذه البيئات منذ ولادتها، ولن تلبث الناجية منها إلا لتنشر وباءنا في كل مكان، فهل سنجازف بتاريخنا؟ أم إننا سنتسلم لهذا الطوفان الهادر ليطوي صفحتنا إلى الأبد؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى