الطريق إلى الحوبان في تعز.. معاناة تثقل كاهل المسافرين وتؤرق حياتهم.. يضطر المواطنون والأطفال لسلك طرق وعرة وتحمل مشقة مضاعفة تجنباً لمضايقات نقاط الحوثيين

> تقرير/ صلاح الجندي

> إن أردت الدخول لمدينة تعز أو الخروج منها، فإن عليك أولا التفكير عدة مرات، ويجب أن يكون لرحلتك سبب يستحق كل ذلك العناء.
فتلك الطرقات الوعرة التي لم تعرف خطى المسافرين يوما قبل الحرب أصبحت الآن تعرفها جيدا، فمسافة العشرة كيلومترات أصبحت في ظل الحصار والحرب أضعاف المسافة المفروضة قبل الحرب في الوصول إلى منطقة الحوبان، شمال شرق المدينة.
فزمن النصف ساعة بين وسط المدينة والحوبان، أصبح زمنا طويلا قد يصل إلى خمس ساعات.. فعندما نتحدث هنا عن المسافة والزمن خلال السفر والترحال دخولا وخروجا، من وإلى تعز. فهناك عشرات الحكايات عن معاناة إنسانية حقيقية تحدث كل يوم في ظل الحصار المطبق الذي تفرضه المليشيات الانقلابية على المدينة.
فقد مزقت الحرب المدينة وأهلها، وصنعت حكاية طويلة ومليئة بالمشقة والمخاطر لرحلة الانتقال من منطقة يسيطر عليها الجيش الوطني وسط المدينة إلى منطقة أخرى تسيطر عليها المليشيات الانقلابية شمال شرق المدينة.
في مدينة تعز أصبح المواطن يركب من شارع جمال عبدالناصر (داخل المدينة) إلى منطقة الحوبان (خارج المدينة) بسعر مواصلات يصل إلى ثلاثة آلاف ريال، ويظل السفر ما يقارب الست ساعات مشقة، بالإضافة إلى مخاطر الطريق والقلق الذي يصاحب كل راكب جراء التنقل من نقطة لأخرى.
*سجن كبير
يصف المواطن عبدالعزيز الشرعبي مدينة تعز بأنها "سجن كبير"، بعد أن قطّعت المليشيا الانقلابية الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية من منتصف المدينة نحو المناطق المسيطرة عليها.
يضطر المسافرون لسلك طرق مختلفة وفيها مخاطر كثيرة وجمة، حيث يجب عليهم أن يتوجهوا أولا نحو الغرب من المدينة، أي باتجاه منطقة الضباب، ثم إلى منطقة "نجد قسيم" الكائن في "مديرية المسراخ" وصولا نحو منطقة الأقروض التابعة لمديرية "صبر الموادم" وصولاً إلى "الدمنة" ثم "الراهدة" مرورا "بنقيل الإبل" ثم "الحوبان".
عبدالعزيز في حديثه لـ«الأيام» يعتبر الطريق نحو الحوبان "جهاد يصحبه القلق النفسي والإرهاق الجسدي"، فحين يقرر السفر لزيارة أهله في مفرق شرعب يستعد لخوض معركته مع السفر بعد أن يقفل جوالاته وإخفائها بين ثيابه خوفا من تفتيشها من نقاط المليشيات، حد قوله.
*سائلة الموت
يجبر المسافرين أثناء سفرهم على العبور من سائلة ترابية شديدة الوعورة، تعتبر مجرى للسيول، وتصبح أكثر خطورة مع موسم الأمطار، وتحدث فيها حوادث خطيرة بحق المسافرين، وقد يضطر سائقو المركبات إلى الانتظار لساعات أثناء توافد الأمطار، وقد يلتهمهم السيل فجأة، كما حدث مع مجموعة من المسافرين الذين جرفتهم السيول وهم في طريق عبورهم في سائلة الأقروض، وتسببت بمصرع أكثر من 18 شخصا من المواطنين.
ليست سائلة الأقروض وحدها من التهمت أرواح المواطنين، فهناك سايلة المقاطرة التي تعتبر الشريان الوحيد الذي يربط محافظة عدن بمدينة تعز، فقد راح ضحية سيولها المتدفقة التي انهالت فجأة على المسافرين ثلاث أسر قبل أقل من شهر.
*معاناة الطريق
تروي لـ«الأيام» مواطنة من تعز حكايتها مع السفر والمعاناة التي تجدها أثنائه بأنها عانت كثيرا مع طفلتها البالغة من العمر سبع سنوات خلال رحلة سفرها من الحوبان (مكان نزوحها) إلى المدينة حيث سكنها، وقررت العودة إلى منزلها بعد نزوح في الحوبان دام أكثر من سنة ونصف.
وتتحدث بمرارة عن معاناتها خلال السفر ووعورة الطريق التي جعلتها في حالة خوف هي وابنتها ولساعات من السفر ثم التوقف عند نقاط التفتيش، قائلة: "أثارت الرعب في نفسي تلك النقاط المنتشرة وتعامل المليشيات مع المسافرين واستجوابهم، وكانت طفلتي "مرام" تتقيأ من شدة الإرهاق ووعورة الطريق".
وتضيف: "كنت أذهب لزيارة والدتي، وسط المدينة، قبل الحرب في فترة لا تتعدى النصف ساعة، والآن وبعد تفكير طويل في العودة من الحوبان إلى المدينة أسلك كل تلك المسافة في سفر يستمر عدة ساعات، وفي طريق مرعبة بحد ذاتها".
*رعب وقلق
المواطن منير الصبري لا يقرر السفر إلا إذا كان الأمر بالغ الأهمية، ويستدعي المخاطرة، ذلك أن "رحلة الهجرة" إلى الحوبان صارت أكثر عناء ومشقة.. وتبدأ أولى خطوات الرحلة - بالنسبة لمنير - بمسح بيانات ذاكرة هاتفه من الأرقام والصور والمقاطع المصورة تجنباً لأي شبهة قد ترميه في سجن المليشيات الانقلابية التي تنتشر في نقاط التفتيش التابعة لها على خط السير الذي يسلكه، كما يحرص غالباً على أن ترافقه امرأة من أقاربه لتقليل المخاطر الأمنية.
ويذكر منير في حديثه لـ«الأيام» كيف تغيرت الأوضاع مقارنة بفترة ما قبل الحرب، قائلا: "كنت أذهب إلى منطقة الحوبان بحافلة متوسطة، وكان الأمر يكلف 100 ريال وأقل من ربع ساعة من الزمن عبر منفذ جولة القصر، شرق المدينة، لكن مع اندلاع الحرب وتحرير الجيش لوسط المدينة وبقاء منطقة الحوبان تحت سيطرة المليشيات فقد تحول الذهاب للمنطقة إلى رحلة سفر حقيقية تحتاج لسيارة (صالون) قادرة على المرور في الطرق الترابية والوعرة".
*معاناة السائقين
الوضع الأمني أثناء الطريق والذي يعرض حياة المسافرين لخطر الاختطاف يؤثر على حركة السير باتجاه الحوبان بشكل كبير، ما يجعل عدد المسافرين يتناقص بشكل ملفت، وينعكس الأمر أيضاً على السائقين الذين وجدوا أنفسهم أمام تحدٍ جديدٍ في ظل تزايد أسعار الوقود، وقلة المسافرين، ومخاطر الطريق وطولها ووعورتها.
يقول السائق عبدالخالق سعيد لـ«الأيام» إنه بالكاد ينجز رحلة خلال يومين أو ثلاثة أيام، نتيجة تناقص المسافرين إلى الحوبان.. ويلفت إلى أن "المضايقات التي تمارسها النقاط الأمنية التابعة للمليشيات الانقلابية ضد المسافرين واختطاف بعضهم قد جعلت عدد المسافرين يتناقص بشكل كبير، ولا يلجأ البعض إلى هذه الرحلة إلا للضرورة القصوى.
ويفيد أحد المسافرين «الأيام» أن المسافرين يتعرضون للتفتيش الدقيق وللعبث بأغراضهم الشخصية وتفتيش هواتفهم واستعراض ما بداخلها من قبل نقاط المليشيات الانقلابية.. ويضيف: "كما يتعمدون تأخير الركاب أحياناً من باب الابتزاز، فضلاً عن التهجم عليهم بألفاظ قبيحة كاتهامهم بأنهم دواعش".
*اختطاف وابتزاز مالي
خلال رحلة السفر إلى الحوبان يتعرض بعض المسافرين للاختطاف من قبل المليشيات الانقلابية بمبررات متنوعة، ويتم إيداعهم معتقل مدينة الصالح السكنية، ومن ثم ابتزاز أقاربهم لدفع مبالغ مالية باهظة مقابل إخراجهم.
حيث تتعمد المليشيات إلى تفتيش هواتف المسافرين وأغراضهم الشخصية وبطاقات هوياتهم للبحث عن أي مبرر مصطنع لتنفيذ عملية الاختطاف، ومن ثم إيداعهم السجن دون معرفة أهلهم بمكان اعتقالهم، وغالبا ما يوضع المختطفون في أماكن عسكرية تكون عرضة للطيران، وتستخدمهم المليشيات كدروع بشرية لها.
يقول أحد المسافرين الذي تم اعتقالهم: "كنت متجها نحو الحوبان للعمل هناك مع عمي، واستوقفتنا إحدى النقاط الحوثية، وأنزلوني من على السيارة، ثم قاموا بتفتيش حقيبتي واطلعوا على بطاقتي الشخصية، وأخذوا هاتفي، وبعد دقائق قاموا بجري نحو مدرسة كانوا قد اتخذوها سجنا لهم".
ويستطرد: "وهناك قاموا باستجوابي بشكل همجي ومهين وحبسي لأيام، وبعدها تم الإفراج عني مقابل نصف مليون ريال بعد تدخل أحد شيوخ ماوية كوسيط، ولم يكن الاستجواب وحده يشكل رعبا لي، بل خوفي من أن تقصف طائرات التحالف مكان احتجازي، وهذا الرعب بذاته".
*معاناة التجار
لم تغلق المنافذ بوجوه المسافرين فقط، بل شملت منع دخول البضائع التجارية والمواد الغذائية والقوافل الإغاثية، مما يجعل الشواحن والمركبات الكبيرة المحملة بالبضائع تعبر طرقا وعرة وتتسبب في عرقلة سير سيارات المسافرين لعدة ساعات بسبب ازدحام الطريق التي في بعض المناطق لا تتسع إلا ليسارة واحدة .
يقول الحاج سعيد الدبعي إن معاناتهم جراء الحصار والحرب تتفاقم يوما بعد يوم مع صعوبة وصول موادهم وبضائعهم إلى المدينة بسهولة كما كان في السابق.
ويضيف سعيد لـ«الأيام»: "الشاحنة التي كنا نعطيها أجرة عشرة آلاف ريال من الحوبان إلى شارع جمال أصبحت اليوم الأجرة أضعاف ذلك المبلغ بسبب الطريق التي تمر من خلالها الشاحنة، وارتفاع سعر الوقود، ومشقة السفر ما يجعل وضعنا التجاري متدهورا ونضطر إلى رفع سعر المواد عوضا عن خسارة أجور النقل.
*تأخير الحسم العسكري
تتعمد المليشيات الانقلابية زيادة معاناة أبناء مدينة تعز القابعين تحت الحصار منذ 20 شهراً، مستغلة سيطرتها على جميع منافذ المدينة باستثناء المنفذ الجنوبي الذي يصلها بمدينة عدن، ولم تتردد المليشيات أخيراً في تشديد الحصار ونقل معظم المكاتب التنفيذية والبريد وبعض البنوك إلى منطقة الحوبان.
ومع تأخير حسم معركة تعز تزداد معاناة سكان المدينة المنكوبة والقابعة تحت الحصار، إذ تعمد مليشيات الانقلاب إلى التضييق عليهم في الدخول والخروج من المدينة. ويضاف إلى ذلك منع المواد الغذائية والمشتقات النفطية والأدوية وقوافل الإغاثة من الدخول للمدينة التي أمست منكوبة بفعل الحصار.
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى