عدن تفتتح أول مكتب للبريد عام 1839م.. وتنضم للاتحاد البريدي العالمي عام 1930م

> كتب / علي راوح

> أول طابع بريدي في عدن رسم عليه صورة الملك (جورج السادس) .. والد الملكة (إليزابيث الثانية)
الطوابع البريدية تمثل تراثاً ثقافياً هاماً لكل شعب من الشعوب.

الأستاذ/ توفيق عبده حسين:
عشقت جمع الطوابع من الصغر ولديّ (1000) طابع، من الأربعينيات والخمسينيات والستينيات.
تمثل طوابع البريد مرجعاً تاريخياً هاماً للباحثين في نشوء البلدان وتطورها وحضاراتها عبر التاريخ. وكان أول من اخترع طوابع البريد في العالم ووضعها في الرسائل هي المملكة المتحدة (بريطانيا)، التي أطلق عليها (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) ومن الراجح أن هذه الطوابع البريطانية أنها تريد أن تثبت للآخرين مدى اتساع رقعة إمبراطوريتها في إنجلترا، وتريد أن تؤكد ارتباط مستعمراتها بها، ولهذا فبريطانيا هي الدولة الوحيدة التي لا تكتب اسم بلادها على الطوابع.. ولما كانت عدن هي إحدى مستعمرات الامبراطورية البريطانية فلا غرابة أن تقوم بفتح أول مكتب للبريد في عدن في نفس العام الذي احتلت فيه بريطانيا لعدن في العام 1839م. وفي عام 1930 انضمت عدن للاتحاد البريدي العالمي، وفي هذا العام 1930م تم إصدار أول طابع بريدي في عدن بالمعايير الدولية، وكانت عدن إحدى الدول الخمس المؤسسة للاتحاد البريدي العالمي.. وكان لبريد عدن دور هام ومتميز في تقديم الخدمات البريدية السريعة والارتباط بالعديد من دول العالم والدول المجاورة.. وقد تغنى العديد من الشعراء والفنانين بدور البريد وأهمية خدماته ومنهم الشاعر والفنان الفقيد محمد سعد عبدالله الذي قال في إحدى أغنياته (كلمة ولو جبر خاطر والا سلام من بعيد.. والا رسالة ياهاجر بيد ساعي البريد)
وغيرها كثير من الأغاني التي تغنى بها الفنانون وجعلوا من البريد همزة وصل بين المحبين والمشتاقين.
*طوابع بريد عدن القديمة
طوابع البريد القديمة في عدن كان يكتب عليها اسم العملة في عدن مثل (آنه أو عانه)، ثم بعدها (السنت) وهي كسور الشلن، واللافت للنظر أن أقدم طابع بريدي في عدن رسم عليه صورة الملك (جورج السادس) والد الملكة (إليزابيث الثانية)، ورسم عليه كذلك عدد من السفن فوق سطح البحر، وفي الجانبين الأيمن والأيسر من الطابع رسم عليه خنجران وفي أسفله كتبت كلمة (آنه) بالحروف العربية، وجاء بعده طابع رسم عليه وجه الملكة (اليزابيث الثانية) وقد توّج رأسها بالتاج البريطاني الشهير، وفي وسط الطابع تظهر منارة كريتر الشهيرة، وخلف المنارة قلعة صيرة التاريخية، وفي أعلى الطابع كلمة (عدن) بالحروف العربية وبجانبها الرقم (5) وأسفلها كلمة (سنت) بالحروف العربية، وتحتها كتبت كلمة (ِAden) وهذان الطابعان يعدان من أقدم الطوابع في تاريخ عدن.
*طوابع حضرموت
أما حضرموت الساحل فطابع بريدها كان يكتب عليه باللغتين العربية والإنجليزية ما يلي: الدولة القعيطية الحضرمية (بريد القعيطية الحضرمية)، وفي أعلى الصورة كلمة عدن بالإنجليزية بالحروف الكبيرة (ADEN) وتظهر أعلى اليمين صورة السلطان القعيطي، وهو مرتد للزي الهندي أو زي المهرج الهندي.. ومن المعروف أن سلاطين الدولة القعيطية نشأوا في أحضان الهند منذ الصغر.
أما بالنسبة لحضرموت الداخل فكان لها طابع بريدي خاص بها كتبت عليه باللغة العربية (حكومة سيئون وحضرموت)، وصورة لأحد سلاطين الدولة الكثيرية وهو مرتد عقالاً، وتوجد أيضاً طوابع بريد خاصة بالمهرة.
* في إحدى مكاتب البريد في عدن استوقفني فضول عندما شاهدت أحد الأشخاص كبيراً في السن وهو يحتضن ألبوماً كبيراً فتقدمت إليه وسألته عن هذا الألبوم وبعد أن عرفني فتح الألبوم وإذا به يحوي عدداً كبيراً من الطوابع البريدية القديمة وبحكم حبي لكل المتعلقات القديمة الخاصة بعدن طلبت منه ليسمح لي بالتعرف على فحوى ذلك الألبوم وما يحوية من طوابع أيام زمان، فوافق وعرفت أنه من هواة جمع الطوابع البريدية منذ سن مبكرة من عمره الذي تجاوز (75 عاماً) وهنا بادرته بعدد من الأسئلة حول هذه الهواية والهدف منها وعن الدافع الذي دفعه لممارسة هذا النوع من الهوايات النادرة فأجابني محدثي التربوي القديم/ توفيق عبده حسين قائلاً: منذ سن مبكرة حوالي التاسعة من عمري وأنا أحلم بالسفر إلى بلدان العالم خارج مسقط رأسي عدن، وربما هذا الشغف نظراً لأن عدن تعايشت فيها مختلف الجنسيات القادمة من شتى بقاع الأرض، فكان فيها الأوروبيون وخصوصاً الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون وكانت توجد جاليات كبيرة من الهندوس ومن شرق أفريقيا، ويبدو أن ماشاهدته في صغري لهذه الجنسيات المتنوعة قد غرس في نفسي حب السفر والتجوال في شتى بلدان العالم، والحقيقة إن طبيعة نفسي منذ سن مبكرة كانت قلقة تمل البقاء في مكان واحد، ودائما تتطلع للجديد وتركض إلى حياة جديدة، ولكن الظروف أجبرتني أن أبقى في عدن ولا أغادرها.
*مرجع تاريخي للباحثين
ويضيف الأستاذ/ توفيق عبده حسين فيقول: قبل أن أسترسل في الحديث عن كيفية بداية هوايتي ومشواري الطويل مع طوابع البريد لابد وأن أعطيكم فكرة موجزة عن نشوء وانتشار الطوابع في أنحاء العالم، فطوابع البريد تمثل للباحثين مرجعاً تاريخياً هاماً، وأتحدث عن ذلك بالتفصيل وكيف كان الأمر، فإن أول من اخترع الطوابع البريدية هي بريطانيا التي وصفت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت بذلك تريد أن تثبت مدى اتساع رقعتها ومدى ارتباطها بمستعمراتها.
الطوابع البريدية تمثل تراثاً ثقافياً بعدن
الطوابع البريدية تمثل تراثاً ثقافياً بعدن

وأما بخصوص حبي وعشقي في جمع طوابع البريد فإن عشقي للسفر والانطلاق إلى العالم وهو حلم لم يتحقق فاندفعت إلى البحث عن وسيلة تعوض عدم مقدرتي على السفر إلى آفاق العالم، وذات يوم وقع بصري مصادفة على أحد المحلات في مدينة التواهي التي كانت مركزاً تجارياً عالمياً وتموج بالحركة التجارية، فرأيت في ذلك المحل مجموعة من الطوابع البريدية، ولفت نظري أن هذه الطوابع كانت جديدة وتكاد تلمع وتبرق، والظاهر إن أوراقها كانت من النوع المصقول، وقد رسمت عليها بعض الحيوانات والسفن وصورة ملك بريطانيا وصورة الملكة إليزابيث الثانية، وهي في روعة شبابها، فمن لحظتها وقع عشقي وحبي لجمع الطوابع وشجعني عدد من أساتذة المدرسة الابتدائية، ونصحني أحدهم، والظاهر أنه كان لديه فكرة واسعة عن طوابع البريد فقال لي: إذا أردت أن تحتفظ بقيمة الطوابع فعليك أن تكون رقيقاً في لمسها، وأن تتجنب خدش أطراف الطابع، فمن يومها واصلت ممارسة هوايتي بفضل حبي لهذه الهواية وتشجيع أساتذتي، فبدأت بجمع طوابع البلدان من خلال المراسلة إلى الأصدقاء، وخاصة من هم في مصر والعراق وسوريا، بالإضافة إلى جمع العملات والبطاقات المصور عليها بعض الآثار والمعالم المشهورة في مختلف بلدان العالم، فأقول إن الطابع البريدي مثله مثل كتاب التاريخ، إلى جانب أن الطوابع تمثل تراثاً ثقافياً هاماً لشعب من الشعوب فنحن إذا نظرنا إلى طابع من طوابع شرق آسيا (الهند ، ماليزيا، بورما) ستلفت نظرنا العادات والتقاليد المتنوعة التي رسمت على الطوابع أو بعبارة أخرى التراث الثقافي أو الحضاري، أما من ناحية التراث السياسي - إذا صح التعبير - فإننا نلاحظ في الطوابع القديمة التي تنتمي إلى فترة الأربعينيات من بينها طوابع دولة فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م، ومملكة شرق الأردن وطوابع الدول قبل استقلالها من مختلف القارات في العالم، وبعضها يضم دولة واحدة إلى أربع دول في طابع واحد عندما كان الاحتلال، وخاصة من بريطانيا مثل طوابع تضم أوغندا، كينيا، زنجبار وتنزانيا، هذه في قارة أفريقيا، أما في شرق آسيا تحتوي سنغافورة والملايا (ماليزيا)، وأيضاً طوابع عليها الاسم القديم مثل سيلان صارت الآن سيرلانكا، وفي أوروبا الغربية كانت تسمى سويسرا وقديما اسم هلفيتيا، ودولة الإمارات العربية المتحدة كانت كل إمارة لها طابعها البريدي الخاص.
*آفاق واسعة من المعلومات
إذا فهواية جمع الطوابع تفتح آفاقاً واسعة من المعلومات المتنوعة والمعارف عن تلك البلدان التي لا تعرف أسماؤها من قبل، ومن خلال الطوابع نتعرف على العملات لكل بلد وأنواع الطيور والحيوانات والأسماك التي تعيش في بحار تلك البلدان، كما ونتعرف على أهم الصناعات وأبرز المعالم الأثرية والتاريخية وعلى ثقافتها الإنسانية وأبرز مفكريها وعلمائها ومثقفيها، وفضلاً عن ذلك تفرد الكثير من الطوابع أنواعاً من الألعاب الرياضية. فطوابع البريد هي عبارة عن مفاتيح يستطيع الباحث الناشئ من خلاله التعرف على تاريخ البلد الذي يدرسه من عدة جوانب، فمعارض طوابع البريد التي تقام في عدد من الدول الأوروبية المتقدمة مثل فرنسا التي أقامت مؤخراً معرضاً عالمياً للطوابع البريدية، والتي شارك فيها عدد غير قليل من دول العالم، على سبيل المثال: هولندا، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا وغيرها، إن دلت تلك المعارض على شيء فإنما تدل على أهمية الطوابع البريدية في دراسة وجوه جديدة وعديدة من حياة الشعوب من حيث عاداتها وتقاليدها وثقافتها الإنسانية.
*جمعت أكثر من (1000) طابع
ويختتم محدثنا الأستاذ توفيق عبده حسين فيقول: لدي أكثر من ألف طابع من الطوابع المتنوعة، وأغلبها تعود إلى فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، ولا أبالغ إن قلت إن الطوابع البريدية صارت عالمي الخاص، فهي تشعرني بالسعادة البالغة، تهز مشاعري وتحلق بي في أجواء مثيرة عندما أقلب صفحات سجل الطوابع التي أحتفظ بها، وخصوصا القديمة التي كانت ومازالت سجلاً هاماً تدون فيه اسم البلدان وملوكها ورؤسائها وأمرائها وحكامها.
كتب / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى