صفحات من نضال المقاومة الجنوبية ضد المستعمر البريطاني(3) المناضل/ أبوبكر شفيق.. بدأ نضاله ضد المستعمر أواخر الأربعينيات وأسس مع رفاقه الجبهة الناصرية

> كتب/ علي راوح

> توطئة
عبر كل السنوات التي مرت منذ غزو المستعمر البريطاني للجنوب في 19 يناير 1839م، واصل شعبنا الجنوبي نضاله وكفاحه ضد الغزاة المستعمرين، وهو كفاح ونضال شاق وطويل تكلل بنيل الحرية وتحقيق الاستقلال، وقيام الدولة الوطنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م لكن ما تزال هناك صفحات منسية لملاحم بطولية قدمها الكثير من المناضلين، بدءاً من يوم الـ 19 من يناير 1839م وحتى تحقيق الاستقلال والحرية لشعب الجنوب، هناك أبطال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن، ولم يكن هدفهم الكسب المادي أو الوصول إلى السلطة، بل ناضلوا وكافحوا من أجل هدف واحد، وهو تحرير الوطن ونيل الحرية لشعب الجنوب.. ذلكم الهدف السامي والغالي لكل الشرفاء.. أبطال يجب علينا ذكر مآثرهم وتوثيقها بأحرف من ذهب.
منذ أن وطأت أقدام المستعمر البريطاني عدن في الـ 19 من يناير 1839م فإن المقاومة الشعبية لم تستكين ولم تتوقف ضد الاحتلال البريطاني بدءاً من ذلك اليوم المشهود الذي خاض فيه المقاومون ملحمة بطولية نادرة، بأسلحتهم البدائية، معركة اشترك فيها الأهالي والمشائخ والصيادون والعلماء، فسقط فيها الشهداء والجرحى، وفي مقدمتهم شيخ العزيبة (راجح بن عزب) وشيخ آل سلام (علي السلامي) ومن يومها لم تتوقف المقاومة في المدينة والريف مقاومة رافضة للهيمنة الاستعمارية.
وشهدت فترة الخمسينيات مخاضات وارهاصات وطنية بصورها السياسية والنقابية والطلابية، وتأسيس التنظيمات السياسية والنوادي والتكتلات، ومن ذلك تأسيس رابطة أبناء الجنوب عام 1950م، والتي تكونت على إثره تيارات ناصرية ورياح تحررية في الساحة، وشهد العام 1956م مسيرات جماهيرية حاشدة مؤيدة للثورة المصرية، وفي نفس العام عقد مؤتمر عدن للنقابات الذي تغير اسمه الى المؤتمر العمالي عام 1958م، وسبق ذلك تأسيس نادي الشباب الثقافي الواجهة الأمامية لحركة القوميين العرب، كما أن الحركة الطلابية بدأت في تنظيم نفسها منذ العام 1954م.
ويمكن القول إن فترة الخمسينيات من الأهمية التاريخية التي تستحق أن يفرد تاريخ فعالياتها بشكل متأن ومركز، وكانت السمة الناصرية هي الطابع الذي اصطبغت به سياسياً وتحررياً معظم التكتلات بمختلف أسمائها، إذ لم يعد للشعب اليمني الجنوبي إلا خيار الكفاح المسلح، وجاءت ثورة سبتمبر 1962 فمثلت لثورة 14 أكتوبر عمقاً إستراتيجياً، وكانت ثورة 23 يوليو ومصر عبدالناصر قد بادرت بدعم ثورة الجنوب عسكرياً ومادياً، وثم تجميع وتوحيد التشكيلات والتنظيمات السرية التي هيأت نفسها للقيام بالكفاح المسلح، ومن ضمنها الجبهة الناصرية التي بادرت إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأهداف البريطانية في عدن قبل قيام ثورة 14 أكتوبر وقبل حادثة قنبلة المطار التي نفذها المناضل خليفة عبدالله حسن خليفة.

*دور المناضل أبوبكر شفيق
في هذه الحلقة نتناول سيرة أحد المناضلين المؤسسين لما يسمى الجبهة الناصرية، حيث كان شفيق من أبرز مؤسسي هذه الجبهة ومعه المناضلون: سعيد عكبري، أحمد هبة الله، علي محمد حيدرة، محمد أحمد شماخ، الشهيد خالد هندي، وعبدالرحمن فارع، وهناك من كانوا رديفاً مناصراً في بعض المهمات أمثال: علي الشيخ سعيد العراقي، علي صالح البيضاني، محمد عبدالله الطيطي، عبدالله الحمزي، صلاح الدين عبدالرحمن الدبعي، أسعد بن أسعد طاهر، حسين شيخ العزيبي، عبدالله بن عبدالله حسين، حسين عبده شعبي، خالد محمد سعيد المفلحي، وكان أعضاء الجبهة على علاقة وتفاهم مع قيادات وطنية أمثال: عبدالله علي عبيد، عبده خليل سليمان، محمد سالم باوزير، علي أحمد السلامي، سيف الضالعي، محمد سالم باسندوة، كما تعاون معهم كل من: عبدالقادر فروي، سالم عبدالخالق السعدي، د.خالد القصاب، عبده خليدي، وتضامن معهم محمد قائد سيف القباطي.
وكان القائد العسكري لمنطقة الشيخ سعيد بباب المندب المقدم محمد وابل قد أبدى استعداداه لتموين الجبهة الناصرية بالسلاح، وكان التنسيق جارياً بين كل من أبوبكر شفيق، محمد الدلالي، عبدالملك بن محمد، كما تولى الأخوة: سعيد عكبري ومحمد علي حيدرة بالاتصال والتنسيق مع الأخوة أحمد الكبسي، قائد لواء إب ونائبه المقدم محمد الشعيبي للحصول على أسلحة وقنابل، كما امتددت دائرة الاتصال إلى صنعاء بواسطة المقدم محمد قائد سيف ومعرفة الأخ الكاتب محمد فارع الشيباني وتم استدعاء المناضل أبوبكر شفيق لمقابلة الرئيس السلال.
*الفلفل على الجرح
كانت أول عملية يقوم بها المناضل أبوبكر شفيق والتي أطلق عليها اسم (فلفل على الجرح) حيث قام شفيق ومعه أحمد هبة الله وعبدالرحمن فارع الشيباني ومحمد علي حيدرة وعلي العراقي قاموا بمهاجمة مجموعة من الهندوس المسيحيين كانوا مجتمعين برئاسة وزير الأشغال الهندوكي (جوشي) في منزله على شاطئ صيرة فألقى أبوبكر قنبلة يدوية وأتبعها بإطلاق النار من مسدسه، فحال جذع الشجرة التي في حديقة المنزل فلم تصل القنبلة إلى المجتمعين وعادت الشضايا لتصيب أبوبكر بعدة إصابات.
*نسف قارب بحري للبريطانيين
أما العملية الثانية التي أعد لها وشارك فيها أبوبكر فكانت زرع عبوة ناسفة تحت قارب عسكري تابع للقوات البريطانية أمام بوابة جبل حديد وكانت العملية من نصيب الشهيد خالد هندي، الذي أصر على تنفيذها وكان في رفقته أبوبكر شفيق وأحمد هبة وعبدالرحمن فارع الشيباني ومحمد علي حيدرة الذين قاموا بإنزال خالد هندي إلى البحر مع العبوة ووضعها تحت القارب، ثم أخذوه وتوجهوا إلى قرن أبو عين قرب محكمة صيرة، وعند اقتراب عقرب الساعة من 12.00 منتصف الليل دوى إنفجار القارب فوثبوا بفرحة يعانق بعضهم بعضاً.

*إعطاب المدافع البريطانية
وكانت العملية الثالثة التي خطط لها أبوبكر ورفاقه ونفذوها للهجوم على معسكر العزاب الذي يضم قسماً لصيانة المدافع، نفذ العملية المرحوم محمد علي حيدرة بقنبلة محلية، فأتلفت مجموعة المعدات والتجهيزات وأحدثت حالة من الرعب وكان الشهيد خالد هندي يعمل مع القوات البريطانية في صيانة المعدات العسكرية، فكان هو وبعض زملائه يقومون بإتلاف الأجزاء الدقيقة للمدافع.
*قصف المطار العسكري
ومن أهم العمليات التي تولى أبوبكر الإعداد لها وقيادتها عملية قصف المطار الحربي في خورمكسر بصاروخين (بلاندسيت) حيث تم توجيه الصاروخين إلى عنابر الطائرات وإلى الطائرات الرابضة بجانبها فاشتعلت النيران في العنابر والطائرات، وكانت عملية مثيرة وتواصلت عمليات قصف المطار العسكري، وكان أضخمها تلك التي تم فيها إطلاق قذائف الهون عبر مواسير صناعية وتفجير زمني موحد.
*قصف نادي الضباط والمجلس التشريعي
كان نادي ضباط الطيران قرب معسكر أبوعبيدة في خورمكسر يزخر بالرواد والموسيقى صاخبة، وكان أبوبكر قد خطط لعملية جريئة وأشرف على تنفيذها برمي قنبلتين نفذهما الإخوة أحمد هبة الله وعبدالله الخامري ومحمد باشماخ، أما قصف المجلس التشريعي فقد تم بصاروخ (بلاندسيت) من موقع البنوك ونفذ العملية كل من عبدالرب علي مصطفى وعبدالرحمن فارع الشيباني، وشارك في تحضير السيارة فاروق مكاوي، كما خطط ونفذ أبوبكر شفيق وعدد من رفاقه لعدد من العمليات الفدائية المتفرقة في شارع المعلا الرئيسي وطريق كالتكس والحسوة والبريقة وأماكن أخرى لا يتسع المجال لذكرها بالتفصيل.
*تلقى تدريبا خاصا بالقادة في تعز
في العام 1964م تلقى أبوبكر تدريبا خاصا بالقادة في معسكر صالة الخاص بالمظلين المصريين وكان يحضر محاضرات للضباط المصريين ومعه الفقيد محمد علي هيثم وسالم ثومة، وطلب من أبوبكر شفيق تقديم برنامج لطبيعة العمل الفدائي العسكري لجبهة عدن التي أوكلت إليه فوضع برنامجاً مطولاً سلم لأعضاء القيادة العربية بواسطة الإخوة: قحطان الشعبي ومحمد علي الصماتي وطه مقبل وعلى السلامي.
*تم سجنه وتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي
داهمت القوات البريطانية منزل أبوبكر بقيادة الضابط البريطاني (هاري بيري) وكان المنزل إلى ما قبل يومين من المداهمة مليئا بصواريخ البازوكا والمواسير والرشاشات والمتفجرات، وكان أبوبكر قد أحس بالرقابة على المنزل فطلب من رفاقه سرعة نقل تلك الأسلحة إلى أماكن أخرى، وعند دخول القوة البريطانية لم يجدوا شيئاً غير كومة من الرماد فعرفوا أن تلك وثائق مهمة تم إحراقها، وكان في المنزل مع أبوبكر الأخوان الشهيد عوض سعيد الذي فر من الباب الخلفي وأحمد عبده العريقي الذي تم اعتقاله مع أبوبكر، ولما شاهده مدير سجن عدن المركزي (الشوذري) أبدى حقده و غضبه وقال لأبوبكر، كان من المفروض أن تذهب على غرفة المشنقة، وبعد فترة من التعذيب ذهبوا به للتحقيق معه في جهاز الأمن السري ووجهوا له جملة من التهم بالعمليات التي نفذها فأنكر ثم نقلوه إلى رأس مربط ثم أعادوه إلى سجن عدن.. وبعد عام كامل نقلوه إلى معتقل المنصورة فمكث حتى الأيام الأخيرة لرحيل المستعمر وجاء الاستقلال فخرج وتم تعيينه أول محافظ لمحافظة عدن.
كتب/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى