أكتوبر 1963.. مرحلة تاريخية فاصلة بين حقبتين هامتين في عدن والجنوب

> صالح عكبور

>
صالح عكبور
صالح عكبور
لانحاول النبش في الماضي وجروحه وإثارة الفتن والضغائن وتعميق الانقسام.. بل نحاول بقدر ما نستطيع قراءة بعض الأحداث في مسار التاريخ لقضايا تركت آثاراً مؤلمة عاشتها مدينة عدن بشكل خاص والجنوب بشكل عام، حيث جرت محاولات لطمس تاريخ، وتزوير واحتكار حقائق ومواقف، لتهميش أدوار مهمة لمكونات سياسية واجتماعية وفنية وثقافية، وإيجاد تصنيفات وفرض قناعات أملتها متغيرات دولية أسهمت فيها قوى عربية ذات انتماءات أيديولوجية وفكرية وسياسية أفرزتها نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 وصعود قوتين عظميين هيمنتا على العالم ورسمتا مستقبله، وتم الاستقطاب الدولي في نظامين (اشتراكي وراسمالي)، واختلاق صراع عالمي وهمي سمي بالحرب الباردة.
وفي هذا الإطار كانت عدن والجنوب من حصة النظام الاشتراكي الدولي، وجرى تشكيل قواعد اللعبة في عدن والجنوب، وتتالت الأحداث وتصاعدت وتيرتها بين التنظيمين (التحرير والجبهة القومية).
وفي هذا السياق برزت بعض الأسئلة ومحاولات للإجابة عنها، مثل:
لماذا تم إخراج جبهة التحرير من المعادلة السياسية في الجنوب كمنظمة كان لها الدور الحاسم في مقارعة الوجود الأجنبي البريطاني؟.
كانت جبهة التحرير مدعومة من مصر عبدالناصر الذي كان يحمل المشروع القومي العربي الذي بدأ يتبلور مع بروز الثورات العربية، وفي مقدمتها ثورة مصر في 23 يوليو 1952، وكان النظام الدولي، بقيادة أمريكا والاتحاد السوفيتي، غير راض عن قيام المشروع القومي خوفاً من تشكل نظام عربي قوي يسيطر على كافة البلدان العربية ويقيم مشروع الوحدة العربية ويهدد مصالحهم في مساحة جغرافية قوية مليئة بالخيرات والموقع الاستراتيجي والمنافذ البحرية الهامة.
وبما أن جبهة التحرير هي الأقدر على تحقيق هذا الحلم في الجنوب، عمدت الدوائر الأجنبية إلى تعزيز الجبهة القومية كمنافس والدخول في صراع ضد جبهة التحرير، انتهى باعتراف بريطانيا بالجبهة القومية، بعد تدخل الجيش آنذاك لصالح التوجهات الدولية ونكاية بعبدالناصر، ولإفشال المشروع القومي بالجنوب.
لماذا تم إقصاء قحطان الشعبي وإلزامه الإقامة الجبرية، وسجن فيصل عبداللطيف الشعبي؟
في الوقت الذي كان أغلب عناصر الجبهة القومية منظمين لحركة القوميين العرب، وهذا الذي جعل الزعيم عبدالناصر يذهب إلى التعامل والاعتراف بالجبهة القومية، وتشكيلها (أي الجبهة القومية) الحكومة، ورفض قحطان وفيصل عبداللطيف (باعتباره رئيس الوزراء)، الانخراط في أية صراعات، لتجنيب دولة الجنوب الصراعات الدولية جراء احتجازهما وتجريدهما من مناصبهما بأوامر استخباراتية، وكانت هذه بداية للتخلص من العناصر ذات التوجهات القومية.
لماذا جرى خلق صراع مع سالمين وإقصائه من الحكم؟
كان الشهيد سالمين من القيادات الوطنية من الطراز الرفيع، ويحظى بكثير من الاحترام والسمات الأخلاقية وصاحب توجهات وطنية، حاول إيجاد نظام قوي بالاعتماد على المقومات والقدرات الزراعية والسمكية، بالتعاون مع الصين، وقد حقق إنجازات مهمة على هذا الصعيد، ولكن التوجهات الدولية لا تقبل أن يكون في الجنوب نظام سياسي مستقر قابل للتطور، بحيث يشكل خطرا على بلدان البترول في الجوار ويهدد مصالح الدول الكبرى، فتم التخلص من الرجل على خلفية إجراءات الجبهة القومية (الإصلاح الزراعي والتأميم وغيرها).
لماذا ظهر الخلاف داخل الحزب الاشتراكي وغادر عبدالفتاح إسماعيل مؤسس الحزب إلى موسكو؟
حاول عبدالفتاح إسماعيل، كرجل قوي، السيطرة على الحزب والتحكم بسياسته وأهدافه وتوجهاته الأيديولوجية والفكرية، والتخلص من بعض العناصر الجنوبية، والتوسع باتجاه الشمال، الأمر الذي شكل قلقا أيضا، وأثار مخاوف القوى الدولية، أكثر من الدول المجاورة، من سيطرة الحزب على مقاليد الحكم بالشمال وتأسيس نظام قوي يهدد أمن واستقرار دول الجوار، باعتبار أن عبدالفتاح من مناطق الشمال، ولا يجد صعوبة في ضم الكثير من مناطق الشمال إلى الحزب وتشكيل دولة قوية بعد إسقاط النظام في الشمال الذي يعاني كثيرا من الوهن والضعف والفساد.. فكان قرار القوى الدولية حاسماً بالتخلص من فتاح، وكانت عملية الطائرة وعدم تمكنها من النزول أثناء مشاركته في اجتماع بطرابلس، وإجباره بعد ذلك على توقيع الاستقالة والمغادرة إلى موسكو.
لماذا عاد عبدالفتاح من موسكو؟
وخوفاً من الاستيلاء على السلطة من قبل عناصر في الحزب هي أكثر تطرفاً في القضايا الوطنية وللتخلص منها، جرى إشعال فتيل أزمة، وعاد فتاح إلى عدن، الأمر الذي استفز خصومه، فانفجرت الأوضاع في عدن، وانتهت بانتصار جناح البيض ومغادرة علي ناصر إلى صنعاء.
لماذا إعلان الوحدة؟
بدأ جناح آخر يتمرد ويحاول جر البلاد إلى صراع جديد في الجنوب للاستيلاء على السلطة، الأمر الذي دفع البيض إلى محاولة إخماد ذلك التمرد بالتوقيع على الوحدة 1990، تلك الوحدة الغريبة وغير المدروسة والبعيدة عن الواقعية، فكانت مشروعا تآمريا غير وطني ألحق بالجنوب الظلم والدمار والضياع.
أين نسير الآن؟
إن المشاريع التي تنفذ على صعيد الجنوب وعدن خاصة، في ظل ما نشهده اليوم، تتحكم بها قوى دولية تتضارب مصالحها، من خلال حروب طاحنة يشهدها الوطن العربي تنفذها القوى الداخلية بالقدرات البشرية والعسكرية المحلية، بالوكالة، والأقوى هو الذي سوف يفرض سلطته على الآخرين، أما الحرب الدولية فسوف تسحق الأخضر واليابس على الأرض، ولن يبقى على وجهها إلا الجبال!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى