شــــــاي بحليب

> محمد عبد الله الموس

> يمكننا القول، وبالفم المليان، وبثقة مطلقة، إننا نعيش في عهد أسوأ حكومة عرفتها الإنسانية على مر التاريخ، فلم نقرأ في كتب التاريخ عن حكومة مهاجرة بكل قوامها وعفشها البشري من الأبناء والأنساب وأزواج وزوجات الأبناء والأحفاد وغيرهم من المقربين بمسميات وظيفية صادر بها قرارات. وكل المؤهل الذي يحتاجه أي من هؤلاء للحصول على وظيفة (دولارية) أن يكون مهاجرا وأن يكون قريبا لأي من أعضاء الحكومة أو غيرهم من التنابلة الآخرين.. وهكذا انقسم الناس بين أناس يعيشون واقعا مريرا وبين جيش جرار من التنابلة يعيشون في عالم آخر لا يمت بصلة لحالة الضنك التي تعصف بالناس.. هي حالة تذكرنا بالفيلم الأمريكي الشهير (كوكب القرود).
وكل الذي يجيده أعضاء هذه الحكومة - ومن لف لفهم - هو صناعة الشقاق بين الناس وتغذية الاستقطاب، وهو سلوك ينتمي إلى الثقافة العفاشية بامتياز.
والشبه الأكثر قربا للحالة في فيلم الخيال العلمي (كوكب القرود) هي حالة نزلاء مستعمرة (معاشق) التي ينتمي نزلاؤها إلى عالم آخر، نحن على يقين أنه عالم أفضل بكثير مما نعيشه، لكننا نجهل تفاصيله وربما نجهل مفردات اللغة التي يتحدثون بها.
لكي لا يتهمنا أحد بالتجني دعونا نلقي نظرة على من نعرفه من هذه الحكومة.. ذلك أننا نجهل بعض الوزارات بسبب عدم سماع شيء عنها على مدى سنوات الحرب ونجهل حتى أسماء وزرائها.
ما نعرفه عن الوزارات التي تتواجد على الأرض وتدير أعمالا هي وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ووزارة النقل ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع، وأكثر الوزراء تواضعاً وأداءً هو وزير التعليم العالي، وهناك نشاط ملموس لمكاتب وزارات الخدمة المدنية والمالية والأسماك، أما باقي الوزارات فلا نعلم عنها شيئا، بل إن بعض الوزارات وجودها يدخل في حكم الكوميديا السوداء، المضحك المبكي، يسري عليه قول المتنبي:
(وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكاء).
فلدينا وزارة ووزير للكهرباء والناس تستخدم المواطير، إلا في بعض المدن وتدار بإدارة محلية، ولدينا وزارة للمغتربين وزيرها مغترب ووزارة للسياحة وزيرها سائح، أما باقي الوزارات، البالغ عددها (33) كما أظن، فلم نسمع عنها شيئا منذ وقت طويل.
قد يقول قائل: ولكن هذه الوزارات ضرورية لتمثيلنا في المحافل الدولية.. وبدورنا نقول إن الأمر يكفي أن يكون هناك وزير وحقيبة سفر وما يلزم ذلك من نفقات ضرورية بوصفه وزيرا في حكومة تدير حرباً وليس وزيرا للعائلة والمقربين لدى كل منهم جهاز ضخم لا يعمل شيئا بقدر كونه يشكل عبئاً على الدول المضيفة، ويشغل الوزراء عن مهامهم الوطنية بمشاغل العفش المرافق، هذا إن كان لديهم شعور بالمسؤولية والواجب تجاه الوطن والناس.
ألا يخجل هؤلاء وهم يرون أبناء قادة الدول الشقيقة، التي تستضيفهم، وهم يبذلون دماءهم في جبهات الحرب في حين يرفل أبناؤهم والمقربون في نعيم هذه الدول؟! ألا يخجل رئيس الحكومة حين يعتمد رواتب دولارية شهرية للحواشي يصل راتب الواحد فيهم لما يوازي الراتب الشهري لعشرين فردا من الجنود الذين يقدمون أرواحهم في الجبهات، ومع ذلك لا يحصلون عليها بانتظام؟!، ألا يخجل أولئك الذين يقيمون الأعراس الباذخة بالموائد المتخمة، والناس في الوطن يصارعون الجوع؟!.. علما أن تكلفة أحد هذه الأعراس يمكن أن يوفر وجبات الطعام الضروري لمدينة كاملة لعدة أيام، والذي مش مصدق يحسب قيمة وجبة طعام مكونة من “قرص خبز وقلص شاي” وهو الطعام الشائع هذه الأيام في المناطق (المفحررة) كما يتندر أهلها.
أي دماء تجري في عروق هؤلاء؟! وأي أخلاق تحكم تفكيرهم؟!، هل ينتمون لبني الإنسان ويحملون الحس الإنساني الطبيعي؟!!.
كان الناس في الجنوب، الذي يسمونه المناطق المحررة، وفي عدن على وجه الخصوص، يأملون أن تلتفت حكومة (التنابلة) إلى معاناتهم تعويضا عن شهور الحصار والدمار الذي أصابهم بدلا من مطالبتهم بدفع فواتير الكهرباء والماء الذي كان يصلهم كالحلم الجميل في كابوس طويل ممتد لأكثر من عامين، ويكفي أن يقتطعوا قليلا من الرواتب الدولارية للعائلات لسد حاجات الكهرباء والمياه إلى أن يصلحوا رواتب وأجور الناس التي تراجعت قوتها الشرائية بمقدار يفوق الـ50%، بفعل التضخم الذي صنعته هذه الحكومة، فأصبح راتب الموظف لا يلبي حتى ضروريات الحياة من خبز وشاي بلا حليب لا أكثر، وحين يتفاخر أحد الأصدقاء بأن غداءه كان رز أبيض يأتي من يتفاخر بأن غداءه كان خبرا وشايا بحليب.
حالة الانفصال عن الواقع هي أقل وصف يمكن أن نطلقه على هذه الحكومة، فربما أن هذه الحكومة لا تعلم بضرر التضخم الذي صنعته وأصاب الناس في مقتل، فهي حكومة لا تهمها معاناة الناس بقدر اهتمامها بصناعة الاستقطاب الذي يهدد السلم الأهلي، وبكلام الثناء الانتهازي والابتسامات السمجة على شاشتهم اليتيمة المهاجرة هي الأخرى.. إنها حكومة تستحق - بجدارة - لقب أسوأ حكومة في التاريخ الإنساني على مر العصور.. إنها الحكومة التي جعلت أفخر موائد طعامنا مجرد قرص خبر وفنجان شاي بحليب!!.
محمد عبد الله الموس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى