في ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة.. شرارة ردفان التي غيّبت شمس الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس

> تقرير / علاء عادل حنش

> إن عظمة النضال وتوالي التضحيات لأي أمة أو شعب من شعوب العالم ما ذلك إلا تجسيد حي لحيوية هذه الأمة أو الشعب، ورفع اقدس قضاياه وحشد طاقاته بإرادة وعزيمة فولاذية.
وثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة التي اندلعت من جبال ردفان الشماء في عام 1963م ضد الاحتلال البريطاني بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة كانت نقطة تحول هامة في العالم، وولدت من رحم هذه الثورة (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)، التي تغير اسمها فيما بعد على يد الرئيس سالم رُبَيّع علي (سالمين) إلى (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في 1 ديسمبر 1970م.
لم يكن انطلاق ثورة اكتوبر عبثيًا، ولا محض صدفة، ولكن شرفاء الجنوب لم يرضوا بأن تظل ارضهم محتلة بأي شكل من الاشكال، ورغم أن بريطانيا قدمت لعدن -والحق يقال - من بناء وإعمار جعلتها من أهم المدن في العالم آنذاك إلا ان كل هذا لم يكن ذا قيمة تذكر لدى الجنوبيين طالما وان ارضهم ووطنهم محتل، ويُرفع فيه علم غير العلم الجنوبي، فظل الجنوبيون في غليان ضخم إزاء التواجد البريطاني في عدن والجنوب ككلّ وحتى اليوم الذي اندلعت فيه الشرارة الاكتوبرية من جبال ردفان الشماء في 14 اكتوبر 1963م، الذي تحل علينا الذكرى الـ 54 لها اليوم السبت، ومرورًا بيوم الاستقلال الاعظم في 30 نوفمبر 1967م، وخروج آخر جندي بريطاني من عدن.

*انطلاق الثورة الاكتوبرية من جبال ردفان
قبل ان تنطلق ثورة الرابع عشر من اكتوبر من جبال ردفان كانت الجمعية العمومية العامة للأمم المُتحدة قد اصدرت قرارًا في 11 سبتمبر يقضي بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل، وان لهُ الحق في تقرير مصيره، والتحررّ من الاحتلال البريطاني، وكان بعض الجنوبيين قد ذهبوا لصنعاء استجابة لنداء إخوانهم في شمال اليمن لمساندتهم بالتحرر من حكم الإمامة وهو الذي تجلى بالانتصار، وقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، والإطاحة بحكم الإمامة آنذاك، وإعلان النظام الجمهوري، وقيام الجمهورية العربيَّة اليمنية، وتسليم الزعيم "عبد الله السلال" الرئاسة كأول رئيس للنظام الجمهوري حينذاك، بعد أن ساهم الثوار الجنوبيون مساهمة فعالة في الدفاع عن ثورة سبتمبر، حيث خاضوا خلالها معارك شرسة ضد الملكيين في مختلف المناطق، وقدموا الشهداء والجرحى في المعارك.

وفور عودة الثوار الجنوبيين من صنعاء (شمال اليمن)، بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة - الذي استشهد مع انجلاء شمس يوم 14 أكتوبر - اندلعت الثورة الأكتوبرية ضد الاحتلال البريطاني، من جبال ردفان الشماء، في 14 أكتوبر لعام 1963م، والتي استمرت زهاء أربع سنوات، شنت سلطات الاحتلال البريطاني حملات عسكرية غاشمة، استمرت ما يربو على ستة أشهر، ضربت خلالها القُرى والسكان والمدنيون الأمنون بمساكنهم بمختلف أنواع الأسلحة، وهو ما تسبب بتشرد آلاف المدنيين العُزل، لكن المقاومة ظلت صامدةً بكلّ عنفوان وكبرياء.

وفور عودة الثوارالجنوبيين من صنعاء بقيادة "لبوزة" إلى ردفان أرسل الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين رسالة يدعوهم إلى سرعة تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات البريطانية في الحبيلين، فاجتمع "لبوزة" بالمناضلين الذين معه، وأبلغهم بالرسالة التي وصلت له من السلطات البريطانية بتسليم أسلحتهم، وطلب منهم طرح رأيهم إزاء فحوى الرسالة، وحينها أجمع الثوار على عدم القبول بالطلب، وتعاهدوا على الدفاع عن أرضهم بمقاتلة قوات الاحتلال البريطاني، وما كان من "لبوزة" إلا أن قام بالرد من خلال إرسال رسالة تتضمن الرفض، وقام بوضع طلقة رصاص بجانب الرسالة، تلميحًا وتعبيرًا عن رفض الاستسلام، واستعدادهم لمقاتلة القوات البريطانية.
بعدها شرع القائد "لبوزة" بوضع خطة عسكرية للمواجهة المرتقبة، واستعد الثوار لها، وتوزعوا إلى مجاميع صغيرة، يراقبون تحركات العدو بكلّ حذر وجدية، وأياديهم على زناد أسلحتهم، وهم مترقبون تواقون للقاء العدو، وخوض معركة العزة والشرف والكرامة.
وبعد أن انطلقت المعارك اتبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان الأبية - آنذاك - سياسة (الأرض المحروقة)، وهو ما أدى لكارثة إنسانية فظيعة، أرغمت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني على أن يدين ويستنكر تلك الأعمال اللا إنسانية التى مارستها القوات البريطانية في ردفان.
ومع لجّة أحداث ثورة 14 أكتوبر - أي قبل الاستقلال - وتحديدًا في عام 1965م، اعترفت الأمم المُتحدة بشرعية وحق كفاح الشعب الجنوبي طبقًا لميثاق الأمم المُتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وخلال تلكم الأحداث والصراعات في ردفان، خاض خلالها المناضلون الأشاوس مواجهات عسكرية شرسة مع القوات البريطانية في جميع جبهات القتال، زلزلت المقاومة بردفان مواقع وتجمعات المحتل البريطاني، حتى نال الجنوب استقلاله من الاحتلال البريطاني في 30 نوفمبر 1967م، بعد احتلال بريطاني للجنوب دام 129 عامًا، ليعلوا صوت الجنوبيين عاليًا بترديدهم لأغنيتهم الشهيرة "برع يا استعمار برع.. من أرض الأحرار.. برع".

*ذكرى أكتوبر بالنكهة الفلوكلورية الجنوبية
تحل ذكرى 14 أكتوبر المجيدة والجنوب يشهد أحداثًا متوالية، فبعد الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، التي دمرت الأخضر واليابس، ولم تبق على جذور الأخوة، وطغى عليها حُب النهب والاستيلاء، وحرب صيف 1994 خير شاهد.
لم يعتد الجنوبيون على الخضوع والانكسار، فكان لازمًا التحرر من الوحدة التي كانت حلمًا يراود كل جنوبي، لكنها تحولت إلى كابوس مفزع، فكانت ثورة الحراك الجنوبي التي انطلقت في 2007/7/7 هي بداية أستعادة ما تبقى من الجنوب، والانتفاضة التي واجهت كل أساليب البطش والقمع.
وظل الحراك الجنوبي يقاوم بكل بسالة وعنفوان همجية القوات التابعة للنظام السابق، من بطش واعتداءت وقمع، وهو الذي توجّ بالانتصار في يوليو من عام 2015، بعد الحرب التي شنها الحوثيون وأنصار الرئيس السابق صالح في منتصف مارس من نفس العام، حيث لم يلبث الحوثيون وصالح في الجنوب مثلما لبث البريطانيون، الذين ظلوا في الجنوب زهاء 129 عامًا، فلكل زمان واقعه.
وبعد الانتصار شهد الجنوب تحولات عديدة، منها إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في 4 مايو 2017 (إعلان عدن التاريخي)، وتفويض اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي رئيسًا للمجلس، ولكن الجنوب ما يزال يتخبط بين حُب الذات، وحُب الشخصنة، ولم يستغل الجنوبيون الفرصة الذهبية لاستعادة دولتهم التي ينشدونها منذ مدة على حدود ما قبل 21 مايو 1990م، فيجب وضع رؤية متكاملة لمستقبل الجنوب، تشترك فيها جميع الفئات والمكونات الجنوبية بما فيها أهم مكون (الشباب)، وأن يُعطى للشباب الفرصة التي تمكنه من إخراج إبداعاته وإمكانياته، فبالشباب تنهض الأمم.
تقرير / علاء عادل حنش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى