هل تعتذر بلقيس أحمد فتحي؟ (دق القاع) لحنها الأمير محسن أحمد مهدي لرجاء باسودان

> مختار مقطري

> أعجبتني مقالة الفنان أحمد فضل ناصر، المنشورة في هذه الصفحة، عدد الإثنين الماضي، عن الفنان الكبير الراحل الأمير محسن أحمد مهدي، فقد ضمنها معلومات كثيرة ومفيدة عن حياته وفنه، وذكر عددا غير قليل من ألحانه الرائعة الخالدة، بما يخدم جانب التوثيق لسيرة هذا الأمير الفنان، ويمنع أعماله الفنية من السطو عليها بغرض الاتجار بها، دون ذكر أسماء الشعراء واسمه هو كملحن، ودون ذكر أسماء المطربين الذين غنوها لأول مرة، وحجب ذكر أسماء هؤلاء الذين أبدعوا في تقديم هذه الأغاني الرائعة، يعني حرمانهم أو ذويهم وورثتهم، من حقوقهم المادية، وحقوقهم - أي المبدعين - من حقوقهم الأدبية.
وهذه دعوة كررتها عشرات المرات، لكل الجهات المسؤولة عن حقوق مبدعينا، وعن الحفاظ على أغانينا، أن يوثقوا لكل شاعر وملحن ومطرب كل أغانيه، ودعوة كذلك لكل مهتم بنشر ما لديه من معلومات موثقة عبر الصحف، و «الأيام» تفتح نافذتها للجميع، بعد سنوات طويلة من تعرض أغانينا، وأقصد هنا أغاني فنانينا في الجنوب، للسطو والتشويه، في ظل غياب تام للأجهزة المعنية بحمايتهم والدفاع عنهم، ممثلة بوزارتي الثقافة والإعلام ونقابة الفنانين والمنتديات الأدبية والفنية الأهلية.
وأغنية(دق القاع)، واحدة من أجمل أغانينا التجديدية في فترة العصر الذهبي للموسيقى والغناء في الجنوب، ممثلا بعاصمته عدن، رائدة الفكر والثقافة والفن في المنطقة.
و(دق القاع) أغنية دمها خفيف، فتدخل القلب بسرعة، ولكن مع أصالة وتجديد في الإيقاع السريع والجمل اللحنية الرشيقة، مزج فيها ملحنها الكبير الفنان الراحل الأمير محسن أحمد مهدي، بين خفة دم لحج وخفة دم عدن، فجاء اللحن في غاية الجمال، وقادر على البقاء عشرات السنين، تليها عشرات، خصوصا وأن كاتب كلماتها هو الشاعر الغنائي القدير أحمد على النصري، وهو شاعر يكتب بالموسيقى لا بالكلمات، وقد جمع في كلمات أغنية(دق القاع) الجرأة الواعية للبنت الجديدة في عدن ولحج وأبين كذلك، في مرحلة التنوير في الجنوب، وقد أسهمت الأغنية بدور كبير في صناعتها، بحكم تشابه اللهجة، والأهم ارتفاع مستوي الوعي الاجتماعي، في ستينيات القرن الماضي، وتطلعاتها المباحة، وفهمها المدرك لمعنى الحب الجميل، كعلاقة إنسانية رائعة بين الجنسين.
وأغنية(دق القاع) أغنية خاصة بالمطربة العدنية الكبيرة رجاء باسودان، وفي فيديو خاص بهذه الأغنية، للمخرج القدير أحمد محمود سلامي، جاء فيه (أن رجاء باسودان غنت أغنية (دق القاع) لأول مرة عام 1965، على مسرح (البادري) بكريتر، ثم سجلتها لإذاعة عدن، ثم غناها الموسيقار الكبير أحمد بن أحمد قاسم، بمصاحبة الفرقة الموسيقية، وسجلها لإذاعة عدن، ثم سجلتها أيضا لإذاعة عدن الفنانة الكبير فتحية الصغيرة).
وكل هؤلاء أثبتوا الحق الأدبي للملحن والشاعر، فوثقوا اسميهما على الأغنية بإذاعة عدن، احتراما منهم للفن والفنان، واعترافا بحقوقهما الأدبية.
وبقيت الأغنية معروفة بأنها أغنية خاصة بالفنانة الكبيرة الراحلة رجاء باسودان.
وجاء في فيديو المخرج القدير أحمد محمود سلامي، أن (المطربة) بلقيس أحمد فتحي، (غنت مؤخرا، أغنية(دق القاع) ولم تسجل أنها من كلمات الشاعر أحمد علي النصري وتلحين الأمير محسن أحمد مهدي، معبرا عن أسفه لذلك).
لماذا فعلت ذلك المطربة (اليمنية) بلقيس؟ وكان حريا بها أن تساعد في توثيق أغانينا، بل وتوثيق أغاني غيرنا، وتسجيل حق كل شاعر وكل ملحن وكل مطرب تستعير منهم أغنية لتحقق بها مزيدا من شهرة، ومزيدا من مال، لا أن تفعل ما يفعله بعض مطربي الخليج وبعض البلاد العربية من ضعاف النفوس، هربا من الالتزام بالحقوق الأدبية والمادية لشعرائنا وفنانينا.
آلمني كثيرا أن يأتي هذا الانكار من بلقيس، لأنها مطربة يمنية. وأصولها من (الحديدة)، وبين الحديدة وعدن نقاط تشابه مشتركة.
وقد سعيت لأسمع الأغنية كاملة بصوت بلقيس، وليتها ما غنتها، فهي لم تضف شيئا جديدا للأغنية، بل (شوهتها) وأفرغتها من خفة الدم التي أضافت إليها رجاء باسودان من خفة دمها وهي تؤديها، وكذلك فعلت فتحية الصغيرة فيما بعد، لأن بلقيس لا تعرف بستان (الحسيني) بلحج، ولا بستان(الكمسري) بعدن، بينما زارتاهما رجاء باسودان وفتحية الصغيرة أكثر من مرة، واستظلتا تحت أشجارهما الوارفة، وقطفتا من ورودهما، وأكلتا من فاكهتهما، ولا تعرف بلقيس مزارع الموز بأبين التي غنت فيها رجاء باسودان وفتحية الصغيرة أكثر من مرة، ولكن.. ولكن هذه في غاية الأهمية، لو أن بلقيس أجادت غناء أغنية(دق القاع)، فسوف تبقى هذه الأغنية أغنية خاصة برجاء باسودان، (فكأنك يا بو زيد ما غزيت).
وفشل بلقيس في أداء أغنية(دق القاع) سببه أن الأغنية لم تْصنع لها، فقد لحنها الأمير محسن أحمد مهدي لتغنيها مطربة عدنية اسمها رجاء باسودان، كانت تأكل من حلاوة (الصوري) بكريتر، ورأيتها ذات يوم، أيام تألقها الفني في ستينيات القرن الماضي، تشتري (خمير موفى شيخي)، من امرأة عجوز كانت تبيعه بجانب مطعم(دي لوكس) في الشارع الخلفي في الشيخ عثمان، وكانت برفقتها دافئة الصوت مطربة عدن الكبيرة، صباح منصر، لتضيف إليها رجاء باسودان، خفة دم البنت العدنية، والدليل أن لا واحدة من بنات عدن أو لحج أو أبين غنت الأغنية، وقد حدث ذلك في مناسبات فقط، لأنهن يحترمن ويحببن مطربتهن القدوة والنموذج والمثل الأعلى رجاء باسودان، ويعرفن تمام المعرفة حقوق كل مبدع، وغيرهن لم تعرف.
وقد غنت بلقيس أحمد فتحي أكثر من أغنية من أغاني فنانينا في الجنوب، فهل وثقت أسماء الشعراء والملحنين والمطربين، كحق أدبي ومنحتهم حقوقهم المادية؟ أو فعلت كما فعلت مع(دق القاع)؟؟
وأنا لا يعجبني أداء أحمد قاسم لأغنية (دق القاع)، لأنه غناها باقتدار الموسيقار الكبير ووقار المطرب الرصين، تماما كما لو غنى محمد عبدالوهاب أغنية(جايه لك) لفائزة أحمد، أو أغنية(مكسوفة) لشادية، ولربما غناها أحمد قاسم من شدة حبه لها، أو تحية للملحن أو الشاعر أو الاثنين معا، وتعبيرا عن حبه لفنهما الجميل.
أتمنى الالتزام الفني من الجميع، ومن مؤسساتنا الإعلامية والثقافية القيام بواجباتها. منتظرا اعتذارا جميلا من المطربة بلقيس أحمد فتحي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى