مشكلة طفح المجاري في عدن.. أسبابها وانعكاساتها على الوضع البيئي (4-2) إدارة الصرف الصحي: هناك مشاريع توقفت نتيجة للمشكلات المالية والتي تعتمد بدرجة رئيسية على الدعم الخارجي

> قسم التحقيقات: وئام نجيب، فردوس العلمي, مسعود المسعودي

> تشكل مشكلة طفح مياه الصرف الصحي خطورة كبيرة على الوضع البيئي العام، نتيجة ما تنشره هذه البرك الطافحة من أمراض فتاكة لاحتوائها على أنواع مختلفة وقاتلة من البكتيريا والطفيليات والفيروسات، إلى جانب ما تنفثه من غازات ومواد سامة تهدد سلامة الحياة العامة، وتنذر بكوارث بيئية خطيرة ضحيتها في المقام الأول الإنسان.
«الأيام» تتطرق إلى خطورة الأوضاع التي تتسبب بها مشكلة طفح مياه المجاري في العديد من الأحياء والمناطق الشعبية في عدن.
اجتاحت مدينة عدن في الآونة الأخيرة أوبئة وأمراض لم تكن تعرفها المدينة من سابق، كحمى الضنك، والكوليرا، والتيفود، وغيرها من الأمراض الخطيرة المعدية، نتيجة للطفح المستمر لمياه الصرف الصحي (المجاري)، والمياه الآسنة السامة، وتكدس القمامات في الكثير من الأحياء والمناطق الشعبية في عدن، بما في ذلك تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي التي تحتوي على ميكروبات هوائية وغير هوائية كبكتيريا السالمونيلا المسببة للأمراض والنزلات المعوية الحادة، إلى جانب الطفيليات التي تتكاثر وتنمو بشكل واسع في مياه الصرف الصحي، وبرك المياه الراكدة، وما تسببه من أخطار مباشرة على حياة المواطنين.
اكوام من التراب تم اخراجها من غرفة الصرف الصحي
اكوام من التراب تم اخراجها من غرفة الصرف الصحي

«الأيام» تتطرق إلى خطورة الأوضاع التي تتسبب بها مشكلة طفح مياه المجاري في العديد من الأحياء والمناطق الشعبية في عدن.
المعلا والتواهي.. مديريتان مهمتان من ضمن ثمان مديريات رئيسية في العاصمة عدن، حالهما لا يقل سوءا عن بقية مديريات المدينة، فهما تشهدان بين فينة وأخرى طفحا لمياه الصرف الصحي التي تغطي شوارع رئيسية وحارات برمتها، في ظل أوضاع مزرية ومشاهد مقززة تبعث على الكثير من التساؤلات الملحة عن أسباب تردي خدمات الصرف الصحي في العاصمة عدن، وعن دور الجهات المختصة في معالجة مثل هكذا مشكلات تهدد منظومة الأمن البيئي، وتعرض حياة المواطن لخطر كبير.
ومما لا شك فيه أنه مهما كانت المبررات والذرائع المتعلقة بأسباب انحدار وتدهور خدمات الصرف الصحي في عدن فإن ذلك لا يعفي القائمين على هذا المجال من المسؤولية، لاسيما وأن أوضاعا مثل هذه من شأنها أن تتسبب في كوارث بيئية كبيرة، وأوبئة فتاكة قد تهدد سلامة المجتمع بأسره.
وللوقوف أمام هذه المشكلة التي لوحظ ازديادها وانتشارها في عدن خلال المراحل السابقة، أردنا الحصول على جانب من الإجابات التي توضح الأسباب الرئيسية وراء تكرر مشكلة طفح المجاري في إطار مديريتي المعلا والتواهي، وتعرض قنوات التصريف لانسدادات مستمرة، بعضها بفعل متعمد، وأخرى ناتجة عن قلة وعي المواطن.
*المشكلات والأسباب
يلخص في هذا السياق مسؤول الصرف الصحي في مديريتي المعلا والتواهي، حمدان سعيد، جانبا من الأسباب المتعلقة بهذه الأوضاع المزرية، والذي قال: “إن ذلك يرجع إلى قدم الشبكة العامة، وصغر حجم أنابيب مياه الصرف الصحي، وحركة التوسع العمراني والبناء العشوائي على المرتفعات الجبلية في مناطق ردفان، كاسترو، والشيخ إسحاق، وكذا بناء الأحواش الإسمنتية على نقاط خطوط المجاري، وفي حدود (المنهل) الذي هو عبارة عن غرفة تفتيش لفتح الانسدادات من الترسبات الحاصلة، والتي تشكل جميعها جانبا مهما من المشكلة، وهي مشكلة يتحمل المواطن جزءا كبيرا منها”.
إخراج ملابس من غرفة الصرف الصحي
إخراج ملابس من غرفة الصرف الصحي

ويضيف: “مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر تعتبر أحد أسباب مشكلة طفح المجاري، فعند انقطاع التيار الكهربائي يتوقف عمل المضخة، وهذا بدوره يؤدي إلى خروج وطفح مياه الصرف الصحي وإغمارها الشوارع العامة”.
ويلفت حمدان إلى “وجود مشكلات تواجهها المؤسسة نفسها، منها ما يتعلق بنقص الإمكانات والأنابيب والمعدات والآليات الخاصة بفتح الانسدادات، حيث تعمل المؤسسة على مواجهة مشكلة المجاري عبر سيارة واحدة تقدم خدماتها لأربع مديريات، إلى جانب ما تعانيه المؤسسة من نقص في آليات الشفط”.
وأردف حمدان بقوله: “كل ما هو متوفر لدى المؤسسة شفاط واحد قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يعمل أيضاً لخدمة أربع مديريات”.
ويكمل: “ومن المعاناة التي نواجهها في الوقت الحالي نقص العمالة وتمويلها، كما أن تخلف المواطنين عن سداد فواتير المياه ورسوم الصرف الصحي يضعف من قدرات المؤسسة وعامليها.. كذلك من الأسباب الإضافية التي تكمن وراء مشكلة الانسدادات المتكررة للمجاري هو ترك المواطنين أغطية المناهل مفتوحة”.
وقال أيضا في السياق نفسه: “متى ما توفرت لدينا الآليات والإمكانات فإنني أجزم بأنه لن تكون هناك مشكلة،لأن العمل على فتح الانسدادات من خلال معدات تقليدية بواسطة (الجرايد) لا تفي بالغرض، ولا توصلنا إلى حلول نهائية”.
*الصيانة والمشاريع
وبشأن ما يتعلق بعملية الصيانة الدورية لعمل الأنابيب، قال: “يتطلب هذا الأمر وجود آليات وصرفيات”، متابعا: “ونتيجة لتوقف شبكة الصرف أثناء فترة الحرب زاد ذلك من تعرضها للترسبات، فهذه الشبكة بحاجة إلى متابعة وصيانة دائمة، ونسعى حاليا إلى القيام بخطة لتوفير الآليات اللازمة لضمان استمرارية الخدمة”.
وما يخص المشاريع التي تم إنجازها في هذا الصدد، يوضح حمدان بالقول: “هناك مشاريع عملنا على تنفيذها في مديرية التواهي منها حل المشاكل المستعصية عبر استبدال واستحداث شبكات جديدة في مديرية التواهي كالأحواش التي بنيت في مناطق الأبكاري، والبنجسار، والكنيسة، وجبل القوارير، ورأس مربط ، بالإضافة إلى مديرية المعلا والتي نفذنا فيها مشاريع خلف السنترال، وشارع الخير، وحي حافون”.
ويقر حمدان في ختام توضيحه لـ«الأيام» بأن “هناك مشاريع توقفت نتيجة للمشكلات المالية والتي تعتمد بدرجة رئيسية على الدعم الخارجي، فيما تقتصر الإمكانات التي تقدمها المؤسسة على توفير بعض المواد، ولكن الجزء الأكبر يعتمد على الدعم”.
*تخريب متعمد للشبكة
من جهته يسلط مدير عام مديرية التواهي، عبدالحميد ناصر، الضوء على جانب من معاناة السلطة المحلية في مواجهة هذه المشكلة، قائلا: “هناك مشكلات عدة نواجهها في مجال الصرف الصحي في المديرية، أهمها: انعدام الصيانة المستمرة، وعدم وجود خطة لدى الجهات المعنية بأعمال الصيانة”، مضيفاً: “كما أن المواطن يتحمل جزءا من هذه المشكلة نتيجة بعض التصرفات الخاطئة التي يقوم بها مثل رمي المخلفات في المجاري والتي قد تعمل على انسداد في المجاري”.
وقال أيضا: “كما أن هناك أيادٍ خفية تقوم بعمليات تخريب متعمدة للشبكة من وقت لآخر، وقد تم ضبط أشخاص يعملون على سد المجاري”.
ويواصل: “المشاكل التي تمر بها مديرية التواهي كثيرة، واستطعنا تجاوزها والقضاء على المستنقع الذي كان يحيط بمبنى الشرطة العسكرية، كما عملنا على تبديل قنوات جديدة في منطقة القلوعة، وإضافة بعض الأنابيب في مناطق كانت تشكو باستمرار من طفح المجاري، وأضفنا لها بعض المناهل الجديدة”.
واستطرد:“حالياً نعمل جاهدين على الحد من هذه المشاكل وتقليصها بشكل كبير، ونتواصل باستمرار مع الإخوة في إدارة الصرف الصحي بالمديرية، وهناك جهود كبيرة يبذلونها في هذا المجال، ولكن تنقصهم الإمكانات. كما إننا نعمل في السلطة المحلية على تقديم ما نستطيع تقديمه للإخوة في مؤسسة المياه والصرف الصحي من تقديم حافز شهري باعتبارهم يعملون خارج إطار عملهم الأساسي”.
وتابع: “وعلى الرغم من كل ما تم ذكره إلا أن مديرية التواهي تُعد هي الأفضل مقارنة ببقية مديريات عدن في مستوى النظافة، وهذا يعود إلى الجهود التي بُذلت، حيث كانت لدينا خطة في عام 2016م لإعادة الصيانة ونجحنا في تنفيذها على أكمل وجه، وقد تم تأهيل قنوات تصريف مياه الأمطار من جديد، وهناك جهود كبيرة تبذل من قبل العاملين في الصرف الصحي، ومع هذا فإنه لابد من توفر خطة شاملة بعيدة المدى من قبل الحكومة للقضاء على هذه المشكلة التي لاشك بأنها تشكل خطرا على البيئة العامة، وعلى حياة المواطنين في عدن”.
*دعم إماراتي سخي
يوضح ناصر في سياق حديثه لـ«الأيام» بأن الإخوة في دولة الإمارات العربية المتحدة “قدموا في الفترة الأخيرة دعما سخيا لدعم مجال الصرف الصحي على شكل معدات، ونأمل أن يتم الاستفادة من هذه المنحة، وتسخيرها في إطارها السليم، والتي حتماً ستعمل بشكل جذري لحل هذه المشكلة”.
مختتما حديثه بالقول: “تم التنسيق مع الهلال الأحمر الإماراتي على عدد من المطالب التي تقدمنا بها، وبالفعل تمت الاستجابة لها وتم تزويدنا بعدة شفاطات وُزِعت على المناطق الأكثر ضرراً وهما مديريتا الشيخ عثمان والمنصورة.. أما مديريات: المعلا، والتواهي وصيرة فمازالت تعمل بآلية واحدة مشتركة، والواجب أن يتم توفير الآليات اللازمة لها والخاصة بها”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى