عنترة والملك زهير

> محمد حسين الدباء

> أكثر عنترة من التغزل بابنة عمه عبلة بأشعاره حتى تناشدت بها العرب وقيل بعضها بين يدي شاس بن الملك زهير والربيع بن زياد، وكان في مجلس شراب، وكان عندهما عمرو أخو عبلة، فقال شاس لقد أعجب هذا العبد بنفسه وترفع عن العبيد فقال الربيع: (والله ما أطمعه في ذلك إلا أبوك وأخوك مالك، فثارت نفس عمرو وقال: (والله لئن سمعته يذكر أختي في شعره لأسفكن دمه فلما كان الصباح ركب عنترة جواده وأخواه بين يديه يسوقان الجمال في المرعى، وكان أخوه شيبوب من أفرس الشباب إذا عدا لحق بالغزلان وكان أولاد الملك زهير قد ذهبوا إلى وليمة عند عمهم أسيد حيث طلبوا منه ألا يبعدهم عن الحي ويسقيهم على بعض روابي الأعيان فأرسل عبيده بالأغنام والطعام والمدام إلى ربوة خضراء مشرفة على الصحراء، حولها عيون جارية ولحق بهم أولاد الملك زهير العشرة وهم (شاس، وقيس، ودرقة، ومالك، وخداش، والحارس، وكثير، وجندل، وجندب، ونهشل)، ولما جلس القوم أكلوا وشربوا، ثم مد مالك عينيه فرأى عنترة عند سفح الجبل ومعه أخواه فقال لإخوته: (هذا عنترة بن شداد الذي افتخر على العرب وساد، ثم أمر أحد العبيد بأن يذهب ليدعوه إليهم ليشاركهم مجلسهم هذا، فقال شاس لأخيه: (إني أراك تحسب هذا العبد شيئاً كبيراً وتنسب إليه قدراً خطيراً ووالله لولا خوفي أن أنغص على أبي وليمة الأمس لضربت رأس هذا العبد النحس، ولئن حضر الآن على هذا المدام لأضربن عنقه بهذا الحسام، وبينما شاس وأخوه مالك في هذا الحوار، إذ سار في الجو الغبار وانجلى عن ثلاث مائة فارس، كأنهم الليوث والعوابس، فلما خرجوا من تحت الغبار وقربوا من المرعى ورماحهم تتلوى كالأفاعي انفصل منهم عشرة فرسان أبطال شجعان.
وكان أولئك القوم من بني قحطان، خرجوا من أرضهم حتى أتوا أرض بني عدنان، وصادف مرورهم على مراعي بني عبس فرأوا الجماعة يشربون المدام، فقال بعضهم لبعض: (احملوا بنا على هذه العصابة لنأخذهم أسارى ثم إنهم حملوا عليهم، وبادروهم بضرب السيف فلما رأى ذلك بنو عبس تواثبوا إلى الخيول واختطفوا الرماح وطبقت عليهم فرسان اليمن فسمع عنترة بن شداد صياحهم وقد مدوا إلى بني عبس رماحهم، فخاف عليهم أن تنصبهم الأعداد، لا سيما لأجل مالك بن زهير الذي أحبه، فصاح في أخيه شيبوب وأسرع حتى أدرك مقدم القوم (فاتك بن محبوب) فانقض عليه، وطعنه بين ثدييه، فانطرح قتيلاً بدمائه وحمل بعده على الرجال، ففرقهم ذات اليمين وذات الشمال، ونثرهم بالحسام فوق الرمال.
فلما شاهدوا ذلك الهول. لم يبق منهم إلا من طلب الهرب ونظر عنترة إلى ذلك وتفقد أولاد الملك زهير لخوفه على مالك، ورآهم سالمين وكان العبيد الذي في المراعي قد نقلوا الخبر إلى بني عبس، فخاف الملك زهير على أولاده وركب في فرسانه ومضت من خلفه الفرسان، ولما وصلوا إلى مكان القتال إذا بعنترة قد فرق القوم، فعاد بنو عبس إلى الخيام وعنترة بين أيديهم كأنه الأسد الضرغام.
ففرح الملك زهير على سلامة أولاده، وشكر عنترة على حسن جهاده وسألهم عن الحادثة فحدثوه بجلية الخبر وما فيهم إلا من أثنى على عنترة وشكره، ولما وصل الملك زهير إلى مضاربه جدد لأولاده الوليمة وأجلس عنترة إلى جانبه وسقاه من شرابه، وخلع عليه من ملابسه خلعة موشاة بالذهب، وأركبه فرساً من أجود خيل العرب وقلده بسيف محلى بالذهب وقال لأبيه شداد: (لا تخفض بعد اليوم منزلة عنترة برعي الجمال بعد ما بدا منه، ولا تمنعه من غزو الأبطال، حتى يقال إن لبني عبس شابا يذل الفرسان، وسماه زهير من ذلك اليوم "حامي بني عبس وفارس كل من طلعت عليه الشمس".
ولما مات الملك زهير حزن عليه عنترة رثاه بمرثية معددا فيها فضائله ومواقفه:
خُسِف البدْرُ حين كان تماماً
وخفى نُورُهُ فعاد ظلاَما
ودراري النجوم غارتْ وغابَتْ
وضياءُ الآفاق صار قَتاما
حين قالوا زهيرُ ولى قتيلاً
خيَّم الحُزنُ عِنْدنا وأقاما
قد سقَاهُ الزَّمانُ كاسَ حِمام
وكَذاكَ الزمانُ يسْقي الحِماما
كانَ عوْني وعُدَّتي في الرَّزايا
كانَ درعي وذابلي والحساما
يا جفوني إنْ لم تجودي بدمعٍ
لجَعلْتُ الكَرى عليكِ حرَاما
قَسماً بالذي أماتَ وأحْيا
وتَوَلى الأَرواحَ والأَجساما
لا رفعتُ الحسام في الحربِ حتى
أتركَ القومَ في الفيافي عظاما
يا بني عامرٍ ستلقون برقاً
من حسامي يجري الدّماءَ سجاما
وتَضجّ النساءُ من خيفَة ِ السَّبـ
ـي وتَبكي على الصّغار اليتامَى

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى