مشكلة طفح المجاري في عدن.. أسبابها وانعكاساتها على الوضع البيئي (4-3) مدير المديرية: قِدَم الشبكة وإهمال المواطنين زاد من مشكلة طفح المجاري

> قسم التحقيقات: مسعود المسعودي، وئام نجيب، فردوس العلمي

> تشكل مشكلة طفح مياه الصرف الصحي خطورة كبيرة على الوضع البيئي العام، نتيجة ما تنشره هذه البرك الطافحة من أمراض فتاكة لاحتوائها على أنواع مختلفة وقاتلة من البكتيريا والطفيليات والفيروسات، إلى جانب ما تنفثه من غازات ومواد سامة تهدد سلامة الحياة العامة، وتنذر بكوارث بيئية خطيرة ضحيتها في المقام الأول الإنسان.
«الأيام» تتطرق إلى خطورة الأوضاع التي تتسبب بها مشكلة طفح مياه المجاري في العديد من الأحياء والمناطق الشعبية في عدن.
يُعاني سكان مدينة المنصورة ـ أكبر مديريات العاصمة عدن ـ من استمرار طفح مياه الصرف الصحي في شوارعها، ويشكو المواطنون فيها من عدم معالجة هذه المشكلة المستمرة، وما سببته من انتشار للأوبئة والأمراض وتشويه المنظر، وتملأ مياه المجاري الشوارع والطرقات وبجانب المحلات والمستشفيات والمطاعم، بل وإلى داخل المنازل.
ويطالب المواطنون بسرعة حل هذه المشكلة ويحملون كافة الجهات بالمديرية ومؤسسة المياه والصرف الصحي تبعات تصريف المجاري ووضع الحلول العاجلة ووقف المماطلة في تنفيذ المعالجات، واستكمال المشاريع المتوقفة.
عدد من الشوارع الرئيسية كشارع (وديع حداد) بات يشتهر بمستنقع المجاري الذي قد تغير لونه إلى اللون الأخضر بعد أن ظلت راكدة لفترات طويلة، فكما يقول أهالي الحي إن هذه المجاري التي تملأ شارعهم منذ أكثر من عام ورغم جهود عمال الصرف الصحي إلا أنهم لم يتمكنوا وإلى اليوم من وقف تصريفها للشارع.
وعبر أهالي الحي عن يأسهم من أن يقدم أحد حلا لهذه المشكلة التي طال عمرها ورغم نزول عشرات الفرق لصيانة أنابيب المجاري إلا أن المشكلة مازالت قائمة ويعانون منها ومن تبعاتها بانتقال الأمراض وصعوبة العبور إلى منازلهم.
*لا حياة في من تنادي
المواطن وسام محمد أبو حربه، من ساكني بلوك 3، يقول: “طرقنا كافة الأبواب وتعبنا من كثرة الاتصالات والذهاب إلى إدارة المياه والصرف الصحي ولكن لا حياة في من تنادي”.
يستمر وسام بعرض معاناته مطالبا الجهات المختصة بـ “إنقاذ منطقة (حاشد) في المنصورة من الغرق في مياه المجاري التي طفحت بشكل واسع حتى أنها حاصرت البيوت والمساجد”، ويضيف: “اتصلت شخصيا بمدير الصرف الصحي في المنصورة أحمد خالد ولم يستجب لي أبدا وتجاهلنا، ثم اتصلت بزكي حداد نائب المدير السابق لشؤون المجاري، الذي قال لي إنه خارج عن العمل، واتصلت أخيرا بمدير المؤسسة سالمين علوي ولكن هاتفه كان مغلقا”. كما يقول وسام إنه سئم من تجاهل الجهات المختصة وتهربها والضحية المواطن.
*المجاري تلج إلى المنازل
أما في بلوك (4) وعند نزولنا للحي فوجئنا بتدافع أهالي الحي نحونا وطلبوا منا نشر مشكلتهم مع أحد المشاريع المتوقفة والتي لم تستكمل إدارة مجاري المنصورة من إنهائه، حسب قولهم، وتمثلت المشكلة بعودة مياه المجاري إلى داخل البيوت، وهذا ما شاهدناه وقمنا بتصويره. وطلب منا المواطن حسن عمر حسين الدخول إلى منزله وتلمس مشكلته، فوجدنا أن مياه المجاري فاضت وتسربت إلى داخل المنزل وأتلفت مخزونهم الغذائي وأثاث المنزل.

كما يشير حسن إلى معاناتهم فيقول إن البيت يحوي ثلاث أسر، تحاصرهم مياه المجاري، والوضع سيِّئ للغاية.. وقال: “طالبنا واستدعينا عمال الصرف الصحي لأكثر من مرة وخسرنا الآلاف لحل المشكلة ولكنها سرعان ما تعود مجددا، فعمال الصرف لا يستكملون عملهم، وهذه المشكلة ليست في هذا المنزل فحسب، بل الكثير من الجيران يعانون من نفس المشكلة، فقد كان من المقرر منذ ثلاثة أشهر مضت أن ينهي ويستكمل أحمد خالد مدير مجاري المنصورة المشروع الذي يربط أنبوب من الحي إلى الأنبوب الرئيسي، إلا أن العمل ترك بعدها على ما هو عليه، فبقيت المناهل مكشوفة والأرض محفورة دون أن يعملوا على دفنها”.
*لا توجد أي مشاريع
ذهبنا إلى مكتب إدارة الصرف الصحي بالمنصورة، فوجدنا المكان خاويا لا توجد فيه أي أدوات أو معدات أو عربات صيانة ولا حتى مكتب مناسب للإدارة، والسؤال هنا: إذا كانت إدارة الصرف الصحي بالمديرية هي أصلا بحاجة إلى ترميم فكيف سيصلحون المديرية بالكامل؟!! وهذا ما رد به مدير الصرف الصحي للمنصورة.
قمنا بالتواصل مع أحمد خالد مدير الصرف الصحي بمديرية المنصورة، ولم نتمكن من اللقاء به في الوقت المحدد، وذلك لانشغاله بالعمل الميداني في أحد المواقع، كما قال في رسالة الاعتذار أول مرة، فعاودنا الاتصال به مرة أخرى فطلب منا النزول معه والمشاهدة عن قرب لعملهم.
*حلول ومعالجات مؤقتة
ركبنا بسيارة أحمد خالد مدير الصرف الصحي بمديرية المنصورة الخاصة والتي يستخدمها في عمله، فهم - حسب قوله - لا يمتلكون أي سيارات للنقل، ومكثنا خمس ساعات لنرى كيفية عملهم.
يشرح لنا أحمد خالد بشكل مفصل وضع الصرف الصحي وما هي جاهزيته والإمكانات التي يمتلكونها فقال:
“إن المديرية لا تمتلك أي أدوات من سيارات الشفط، ولا حتى عربات فتح الانسداد في أنابيب المجاري، فالمنصورة تعتبر الأكبر في شبكة الصرف الصحي بين المديريات، وهي الأقدم كذلك، وكثرة الأكسار في إمدادات الشبكة ناتجة عن رداءتها وقدمها، ولم يُقم أي مشروع لصيانة شبكة الصرف الصحي لمديرية المنصورة بشكل كامل منذ سنوات، وجميع أعمال الصيانة والمعالجات إنما هي وقتية، لاحتواء المشكلة وليست لحلها جذريا”.
مدير المجاري
مدير المجاري

وقال: “نقوم بإصلاح أكثر من كسر ونربط من منهل إلى منهل رئيسي، وتصل عدد الأكسار إلى 60 كسرا في الشبكة، تم إصلاحها على مدى ثلاثة أشهر. كما نعمل - إلى جانب دوام عملنا المحدد - بساعات عمل إضافية”.
ويكشف مدير إدارة الصرف الصحي بالمنصورة أحمد خالد عن هشاشة شبكة الصرف الصحي بالمديرية فقال: “بمجرد أن تتوقف مضخة المجاري التي تتوسط المديرية لمدة خمس ساعات فقط فإن المجاري ستفيض بشكل كبير جدا ليس في المنصورة فقط، بل في كل من دارسعد والشيخ عثمان والممدارة وشوارع ريمي والتسعين وكل الخطوط الرئيسية المحيطة بالمنصورة، لأنها المضخة الرئيسية، وهذا ما يفسر انتشار طفح المجاري في بعض الأوقات بشكل كبير في أكثر من منطقة”.
*الرواتب قليلة
ويوضح أحمد جانبا من معاناة إدارة الصرف بالمديرية فيقول: “ما يقارب من 30 موظفا في فرع المنصورة يتحصلون على رواتب قليلة جدا، وهي 30 ألف ريال لكل موظف، والذين يقومون بأعمال مضنية في شبكة الصرف الصحي في كافة أحياء وبلوكات المدينة، وأغلبهم من الطبقة الفقيرة جدا والمهمشة، وتبلغ علاواتهم 850 ريالا يمنيا”.
كما يوضح أن “إدارته تعاني من غياب الأمن لعماله.. وهذا ما شاهدناه عند نزولنا ومرافقتنا له، فقد كان هناك عدد من المنزعجين من انتشار المجاري في شارع أنيس، والذي كان أحمد يحاول إصلاح الوضع هناك، إلا أن عددا من سكان ذلك الحي كانوا يتوعدون عمال الصرف قبل أن تتم تهدئتهم”.
كما يكشف أحمد عن أعمال تخريبية تستهدف أنابيب المجاري، فقد أخرجوا كمية من الحجارة والأتربة ومخلفات صلبة كثيرة في أنابيب الصرف.
وتطرق إلى جزئية مهمة وهي كثرة الورش ومغاسل السيارات (السرويس) في المديرية لا تمتلك أي ترخيص مزاولة عمل بجانب الأنابيب الرئيسية للمجاري، مشكلين جزءا كبيرا من مشكلة طفح المجاري في المدينة، مثل طفحها في جولة كالتكس، وتبيّن أن زيوت الورش ومياهها ومخلفاتها قد كانت سببا رئيسيا في تلك المشكلة.
ويقيّم أحمد جاهزيتهم في حين وقوع طفح المجاري، والذي من المفترض أن يقوموا بمعالجة المشكلة بشكل طارئ، ولكن كما يقول أحمد: “ننتظر حتى تأتي الشفاطات من مديرية أخرى، بل وإذا كان هناك خلل في تلك المدينة ننتظر الشفاط حتى يكمل عمله ومن ثم نستدعيه، فقط اضطررنا في إحدى المرات إلى جلب شفاط من محافظة لحج، وبالتالي يستمر فيضان مياه المجاري في المدينة والشوارع حتى نجلب عربة الشفط”.
*بنية تحتية مدمرة
يحمل سكان مديرية المنصورة العبء الأكبر مدير عام المديرية محمد البري، فكما يقول سكان بلوك 4 وغيرهم من الذين التقيناهم إنه “يقف عاجزا عن وضع الحلول لمشكلة تردي المجاري بالمنصورة”. التقينا “البري” وكان هذا حديثه: “نحن صلاحياتنا المتعلقة في جانب المياه والصرف الصحي هي فقط جهة إشرافية لا أقل من ذلك ولا اكثر، لأن جميع العمال يتبعون المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي ومديرها “سالمين”، وهو الذي يتكفل بصرف علاواتهم وإمكاناتهم وصرفياتهم وآلياتهم، ونحن كجهة إشرافية نسهم في تسيير عملهم”.

كما يشير البري إلى جملة من أهم الاحتياجات التي يطالبون بها فيقول: “تحتاج المديرية الكثير من أدوات ومعدات الصرف الصحي، فنحتاج شفاط وعربة فتح الانسداد، وهذه حلول وقتية طبعا، فالبنية التحتية للشبكة قديمة ومدمرة بالكامل ومتهالكة جدا وبحاجة إلى تبديل بشكل كامل، كما أن المعدات قديمة فعربة فتح الانسداد عمرها 15 سنة، وهي الآن في الورشة منذ فترة طويلة خارجة عن العمل والتي نحتاجها بصورة عاجلة”.
*توسع عمراني وسكاني
يشير البري إلى عمر شبكة الصرف الصحي بالمدينة قائلا: “أنشئت شبكة الصرف الصحي في المدينة منتصف خمسينات القرن الماضي، حسب الطاقة الاستيعابية للسكان والمباني آنذاك، وأما الآن فقد زادت وتضاعفت الطاقة الاستيعابية بشكل كبير جدا، وإلى ثلاثة أضعاف مما كانت عليه منذ تلك السنين، وبالتالي تضاعفت قدرة الشبكة الاستيعابية، فهي بحاجة إلى تبديل لتتماشى مع احتياجات السكان، كما أن حجم الأنبوب صغير جدا فقطره (12 إنش)، وهذا ليس حجم أنبوب رئيسي بل هو حجم أنبوب عمارة سكنية”.
ويضيف: “المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي هي من تتحمل المسؤولية الكاملة عن وضع المجاري بالمديرية وليس مكتب المديرية”. وتابع: “بدورنا قمنا بالتدخل في وضع المجاري بالمنصورة وذلك مراعاة لما تمر به المؤسسة، فأقررنا المساهمة المجتمعية وتتمثل بمساهمة 50% من المواطنين و50% من المديرية، والأنابيب تتحملها المؤسسة، كما نساهم في مؤسسة المياه بمبلغ مليون وأربعمائة ألف ريال شهريا، منها 900 ألف للصرف الصحي و(500) ألف للمياه. وتلقينا وعودا بتزويدنا بعربات شفط وسدادات، ولكنها تبقى حلولا آنية، ونحن بحاجة لتغيير شبكة الصرف الصحي بالمدينة بشكل كامل، فإدارة مؤسسة المياه الحالية ورثت آليات ومعدات مدمرة وشبكة متهالكة”.
وقال: “المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي مفلسة بسبب عدم سداد الفواتير، وهناك إهمال متبادل فيما يخص تسديد الفواتير فالحي الذي أسكن فيه لتسعة أشهر لم تسلم لهم الفواتير، وقد أشعرت إدارة المياه”.
*إهمال مؤسسة المياه
يقول محمد عمر البري مدير عام المنصورة: “إن مؤسسة المياه والصرف الصحي لم تكن بالمستوى الجيد في الإشراف على عدد من مشاريع الصرف الصحي الجديدة في مدينة التقنية وفي إنماء وارتكبت نفس الأخطاء السابقة، والذي كان يجب عليها أن تقوم به هو مراعاة التضاعف السكاني ولكنها لم تهتم بهذا الأمر”.
وعن مشكلة شارع وديع حداد والذي تطفح فيه مياه المجاري لأكثر من عام فيقول: “مشكلة وديع حداد كبيرة ومازلنا نكافحها وتحتاج إلى مشاريع كبيرة وميزانية بالملايين لنقل خط وديع حداد إلى التسعين”.
*الربط العشوائي
تنتشر في مدينة المنصورة الكثير من حالات الربط العشوائي في شبكة الصرف الصحي، والبعض يذهب ليعمل حفرا مرشحة. كما يفصل البري عن حلولهم لهذه المشكلة قائلا : “نقوم بإرسال إشعار إلى الرابطين عشوائيا عن طريق نزول فريق لمعاينة المشكلة وربطهم بشكل سليم ودفع الرسوم”.
ويختتم البري حديثه بتوجيه رسالة للجهات المسؤولة، ويقول: “أرسلنا لها جميعا مذكرات وهم عندهم علم كامل بالمشكلة ورسالتنا للجهات المسؤولة والتي تمتلك جميعها مذكرات، ونطالبهم بمساعدتنا على الحل الآني، والحل المستقبلي والبحث عن المنظمات والمؤسسات والداعمين لتمويل المشاريع، كما ندعو المواطنين إلى التبليغ عن أي شخص يقوم بتخريب المجاري، وقد رصدنا الكثير من هذه الحالات، وأيضا نطالبهم بسداد فواتير المياه التي ستساعد على استمرار عمل المؤسسة وتوفير المشاريع، وأذكر هنا أن الإهمال متعمد من قبل المواطنين، ومن قبل المؤسسة المحلية للمياه الصرف الصحي بخصوص فواتير المياه”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى