من القصص المجهولة للحرب في تعز.. أسرة محمد عبده الحُمري.. أفرادها بين شهيد ومعاق وأسير

> استطلاع/ صلاح الجندي

> “الأسرة تُكابد قساوة الحياة ومرارتها في ظل تجاهل وصمت مطبق من الجهات المعنية.. لا يعرف مرارة الحرب والنزوح إلا من ذاقها”.. بمرارة قالها خالد المثقل بهمّ أسرته وواقعه المؤلم، بعد أن خطفت الحرب سعادته مع استشهاد أخيه بإحدى قذائف الكاتوشا الحوثية، وإصابة والدته برصاصة قناص في ساقها الأيمن، وبين هم أخيه الآخر الذي بات بحاجة إلى عملية جراحية في شرايين القلب إثر إصابته برصاصة بينما كان مرابطا في إحدى جبهات مدينة تعز.
عشرات الأسر شُردت من منازلها، وقتل وجرح الكثيرون بسبب القذائف التي تُطلقها المليشيات الانقلابية على المدينة باستمرار، والتي دائما ما تحيل سماء ليل المدينة إلى نهار بنارها، وتنطفئ معها أرواح الكثير من الناس.. يركض الرجال جرائها مذعورين، ويملأ الخوف نفوس الأطفال وهم يرون الأمان يتساقط كأوراق الخريف من حياتهم.
في الأحياء القريبة من مناطق الاشتباكات، لا شيء يُرى هناك غير جثامين الإنسانية وأصوات القذائف المتفجرة التي توزعت كالبلور على معظم المنازل والأحياء، موزعة معها الموت أينما حلت.
بداية المعاناة
خالد محمد عبده الحُمري، من مواليد الشرمان 1984م، مديرية ماوية شرق تعز، خريج كلية التجارة قسم المحاسبة، يعول أسره كاملة مكونة من ثمانية ذكورا وإناث ووالديه العاجزين عن العمل منذ طفولته.. جعلته الحرب مثقلا بهموم العيش الكريم، وعدم المقدرة على توفير قيمة المستلزمات الطبية لمن أصيبوا من أسرته بسبب قنص جماعة الحوثي وقذائفه.
يُعد خالد من أبرز الشباب الناشطين ضد الفساد، وأول من خرج بمعية إخوانه لمناهضة الانقلابيين، وعمل في الجانب الإنساني والخدمي منذ بداية الحرب حتى اليوم.
بعد دخول المليشيات الانقلابية إلى محافظة تعز وتحديدًا إلى منطقة الجحملية نفذت العديد من الاعتقالات، كان أول ضحاياها أخاه الأصغر هيثم الحُمري (22 سنة) أحد حفاظ كتاب الله، وظل في سجونها لفترة طويلة، قبل أن يتم فك سراحه نتيجة لتدخل محافظ المحافظة في حكومة الانقلابيين عبده الجندي.
خالد هو الآخر اعتدى عليه أفراد من الحرس الجمهوري التابع للمخلوع صالح، وحول الحادثة يقول: “تم اعتقالي بجولة الجحملية بعد أن اطلقوا عليّ الرصاص أمام الحاضرين، ثم تم اقتيادي معهم إلى قائد اللواء 22 ميكا التابع لجماعة حمود دهمش، قبل أن يتم حجزي بمخزن لبيع التمباك لصاحبه شرف الحُريبي بجولة الجحملية، وكانت التهمة الموجهة لي هي أني على تواصل مع أفراد المقاومة.
حاليًا أنا بحاجة إلى فحوصات وعلاج طبيعي وقابض للكتف الأيسر، ولم أتمكن من ذلك لقلة الإمكانات المادية، كما لم يتم استيعابي ضمن الجرحى ولا استيعاب أخي الشهيد ضمن شهداء الحرب حتى اللحظة”.
النزوح مرغمين
عندما تقدمت المقاومة الشعبية إلى منطقة الجحملية طُلب من خالد وأسرته مغادرة منزلهم، غير أنهم امتنعوا عن النزوح لعدم مقدرتهم على التكاليف الناتجة عنه، ولخوفهم على منزلهم من أي ضرر أو سطو قد يحدث له، لكن قناصة المليشيات أجبرتهم على ذلك مرغمين.
يقول خالد: “لم تمهلنا قناصة المليشيات على البقاء بمنزلنا فقد قامت بقنص أمي (فاطمة محمد حسن الرامسي) في ساقها الأيمن، الأمر الذي جعلنا نتكبد معاناة النزوح، وتحمّل معاناة علاج أمي بعد أن أصبحت معاقة بسبب تلك الإصابة في ساقها، مقاسية الآلام حتى اليوم”.
ويواصل: “تحتاج أمي الآن إلى تدخل جراحي في الخارج، كما أنها بحاجة إلى عدة عمليات لبطنها ورقبتها، وفحوصات للدماغ الذي تعرض للكثير من الصدمات، دون أي رعاية من أي جهة حكومية أو غير حكومية، على الرغم من مرور عامين على إصابتها، وقد نتج عن هذا الإهمال ضمور في الدماغ، وهو ما جعلها بحاجة ماسة لتناول علاجات يومية مهدئة للمفاصل والأعصاب والعنق”.
أما والد خالد فحالته الصحية صعبة جدًا، ويُعاني من حالة نفسية بسبب ويلات الحرب، ويحتاج هو الآخر إلى فحوصات وعلاجات ورعاية كاملة، وزادت حالته النفسية سوءاً لاسيما بعد فقده لابنه الأصغر في منطقة الجحملية بسبب قذيفة أطلقتها المليشيات حصدت أرواح أربعة شهداء أحدهم ابنه عيسى.
مرابط بجبهات المدينة
فارس الحُمري، شقيق خالد، شارك في حربين من حروب صعدة (الخامسة والسادسة)، وهو أحد أبطال الإنزال المظلي في الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية.
تعرض فارس للإصابة هو الآخر بالقرب من منطقة القلب بطلق قناص أثناء مشاركته مع قوات الجيش في التقدم الأخير إلى جبهة التشريفات والقصر الجمهوري بتعز.. ورغم هذه التضحيات إلا أنه تُرك من غير علاج أو رعاية، ولم يحصل على أبسط المقومات الصحية من قِبل قيادة الجيش الوطني بتعز.
يحتاج فارس إلى كشف من جديد على كتفه الأيسر، وإلى تدخّل جراحي لإخراج الطلقة، وكذا في رجله بسبب القفز في الشريط الحدودي.. ولم يتمكن فارس من الحصول على أي مساعدة من قبل لجنة الجرحى بالمدينة حتى اليوم.
وطالب فارس قيادة الجيش الوطني بالنظر إليه والاهتمام به في الجانب الصحي فقط.
تنهد خالد وملامحه المليئة بالوجع تحكي قصة أخيه الذي استشهد قبل أيام بقذيفة أطلقتها مليشيات الموت على الحي الذي يسكنون فيه، وبمرارة قال: “نبأ استشهاد أخي الغالي عيسى (15 عاما)، وهو آخر العنقود، نزل كالصاعقة على قلبي، فقد كان نبأً صادماً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”.
واستشهد عيسى بقذيفة استهدفته بمعية ثلاثة من رفاقه بمجزرة الجحملية الأخيرة التي كانت في 18/9/2017م، أطلقتها المليشيات المتمركزة في تبة السلال شرق المدينة.
ويضيف خالد في سياق حديثه لــ«الأيام»: “تدهورت صحة أمي جدًا بعد استشهاد أخي، وأصبح وضعنا النفسي والصحي متدهورا للغاية، فلم نستوعب صدمة استشهاده حتى اليوم”.
ظروف صحية صعبة
لم يطرق خالد وأسرته أي باب أو جهة لطلب المساعدة منذ بداية الحرب، فهو ينتمي إلى أسر عفيفة لا تسأل الناس إلحافًا، أسرة تُعاني ظروفًا صحية ومادية صعبة. أسرة خالد تحتاج إلى تدخل سريع من قِبل الجهات الرسمية لعلاج والدته على الأقل.. كما أن لديه ثلاثة أخوة يدرسون بجامعتي تعز وعدن، ولا يوجد لديهم أي مصدر دخل أو راتب.
وحسب خالد، فإنهم محرومون من أي معونات خاصة بالجرحى، ومن أي حوالات مادية ممنوحة لأسر الشهداء أو الجرحى.يسكن خالد وأسرته حاليًا مضطرين بمنطقة تتساقط فيها القذائف باستمرار، نتيجة لعدم مقدرتهم على الذهاب إلى مكان آمن وتحمل أعباء الإيجار وغيرها لفقره المدقع.
بسبب خذلان الشرعية والمنظمات الإنسانية لم تحصل أسرة خالد على أي مقابل مادي أو صحي أو إغاثي من أي جهة حكومية أو منظمة أو مؤسسة خيرية، سوى مبلغ عشرة آلاف ريال أثناء زيارة مؤسسة الدكتورة خديجة الحدابي، وسلتين غذائيتين من بيت هائل سعيد أنعم. يقول خالد : “قدمت لنا مؤسسة رعاية جرحى تعز سلة غذائية قبل استشهاد أخي، بعد أن قام الشباب بمهاجمة الإغاثة المكدسة بمدارس وسجون الإصلاح”. وأشار خالد الحُمري في ختام حديثه لــ«الأيام» إلى أن تجاهل مجزرة أطفال الجحملية من قِبل الشرعية سيكون لها ردود وخيمة مستقبلاً، في الوقت الذي سرعان ما اعترفت جماعة الحوثي وحليفهم صالح بارتكابها عبر قناتهم “المسيرة”.. وستسجل عليهم مواقف وردود أفعال قاسية من قبل المنظمات الدولية في المستقبل.. موضحاً أن “أسر الشهداء على موعد مع أربعينيات ستقام عبر الجالية بألمانيا بجهود شبابية، وسيكون النقل مباشرا لأجل أطفال جحملية تعز الذين سقطوا في 18/9/2017”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى