قرية دار النصر بجبل صبر في تعز.. من معاناة النزوح الى معاناة الحرمان بتهمة التحوّث

> تقرير/ صلاح الجندي

>
إن يكون النزوح هو الحل لبقائك على قيد الحياة أهون عليك من فقدان أقرب الناس إليك، أو أن تكون فقيدا لأبنائك.. هكذا وجد خالد حمود الغيلي - أحد أبناء قرية دار النصر في صبر بمحافظة تعز - نفسه بعد أن فقد ثلاثة من أبنائه وأمه وزوجته وثلاثة من أبناء أخواته، فزاد ذلك من عناء الحياة على عاتقه.

الشعور بالعجز أمام أعين الصغار الخائفين وصراخ النساء يشدك للرحيل إلى المجهول، أو أن تبقى بين جدران منزلك تشاهد على حيطانه لحظة اجتثاث أطفال جارك من بين ركام الدمار في حين غفلة، أو يتغير أمامك المشهد وأيادٍ مرتعشة تحاول إبعاد التراب من جسدك وتصرخ “اخرجوا بقية أطفاله من تلك الزاوية”.
يعاني أبناء قرية دار النصر في صبر بمحافظة تعز من حرمان وتهميش غير مبرر من قبل الشرعية وبعض قيادات المقاومة المتحزبين في المحافظة، ما جعل «الأيام» تزور هذه القرية وتروي مأساتها.
مواجهة الانقلاب
ثلاث سنوات من عمر الحرب المخيمة على تعز، حضرها وريفها، ولكل شبر فيها مأساة، ومن بين هذه المآسي أبناء منطقة دار النصر القابعون وسط معاناة متواصلة سببتها الحرب وضاعفتها سلطة الأمر الواقع في المدينة وجبل صبر.
قرية “دار النصر” التي يقع فيها منتزه الشيخ زايد بن سلطان (رحمه الله)، والتي يقطنها ما يقارب (110) أسر، كانت أولى القرى المواجهة لضرب المليشيات الحوثية منذ دخولها مدينة تعز، نظرا لموقعها المشرف على قلعة القاهرة الاستراتيجي التي كانت تسيطر عليها المليشيات آنذاك.

فمنذ البداية كانت قرية دار النصر مكاناً لتمترس أفراد المقاومة من أبناء صبر لمواجهة المليشيات التي كانت تتحصن في قلعة القاهرة لأكثر من 8 أشهر، بعدها تحولت قريتهم إلى ثكنة عسكرية تابعة للمقاومة، وتمركزوا في منتزه زايد بن سلطان، معلنين مواجهتهم ووقوفهم في وجه المليشيات والتصدي لها وإطلاق التحذيرات من الزحف نحو صبر.
الاتهام بـ(التحوّث)
يقول الاعلامي طاهر بشير أحد أبناء هذه المنطقة لـ«الأيام»: “بعد أن تحولت قرية دار النصر بصبر إلى ثكنة عسكرية للمقاومة زحفت المليشيات الانقلابية إلى القرية والمناطق المجاورة لها، بغطاء ناري كثيف وشديد بالقذائف وصواريخ الكاتيوشا، ما جعل قوات المقاومة تنسحب، فقامت المليشيات الانقلابية بالعبث بالمنطقة دون أي مؤازرة أو تدخل من قبل قوات المقاومة”.

ويضيف طاهر: “بل كان هناك نبذاً لأبناء دار النصر ووصفهم بالمتحوثين من قبل بعض القادة في المقاومة المحسوبين على حزب الإصلاح، لأسباب تافهة ومناكفات سياسية سابقة بينهم وبين بعض المواطنين الذين لا ينتمون لهم، تحولت إلى وصفهم بهذا الوصف والإبلاغ عنهم وعن منازلهم بأنها مقرات حوثية ومخازن للأسلحة تابعة للحوثيين”.

وأضاف: “بعد تمركز المليشيات عدة أيام صعدت قواتها إلى أعلى جبل صبر وتركوا بعض أفرادهم في المنطقة كحراسة أمنية.. فقام بعض قيادات الإصلاح في المقاومة برفع إحداثيات “شيطانية” وغير صحيحة لغرفة عمليات التحالف العربي، بأسماء بعض المنازل ومواقعها بحجة أنها مخازن للأسلحة”.
ضحايا الأخطاء
يروي طاهر تفاصيل الكارثة قائلا: “بعد رفع الإحداثيات الخاطئة أتت مقاتلات التحالف بعد صلاة الفجر وقصفت منازل مأهولة بالسكان، استشهد على إثرها ستة أطفال أصغرهم “محمد” لا يتجاوز عمره العام، وأخته “سارة” (3 سنوات) و“خلود” بنت(8 سنوات)، وثلاثتهم أولاد خالد حمود الغيلي، أحد أبناء تلك القرية، وكذلك استشهدت زوجته وأمه الكبيرة في السن، كما استشهد جميل ومحسن ورغد أبناء أخت خالد.

وتدمرت سبعة من المنازل وأصيب من فيها إصابات بالغة، منهم من سببت له الإصابة إعاقة في يده مثل الدكتور عمر بشير، ومنهم من سببت له إعاقة - لعامين - في رجله وكتفه مثل الأستاذ عبدالحكيم، إلى جانب الكثير ممن اصيبوا بإصابات متفرقة.

يقول خالد حمود الغيلي: (والد الأطفال الثلاثة الذين قضوا في تلك الحادثة) لـ«الأيام»: “إلى الآن لم أستوعب ما حدث، مضت ثلاث سنوات على ذلك، في ذلك اليوم وخلال بضع ثوان خرجت من المنزل من شدة الانفجار ولم أرَ غير الدخان المتصاعد، وبعده بدقائق وقع الصاروخ الثاني فلم أدرِ مكانه بسبب الدخان الأسود والتراب وأخبروني بأنه في منزلي، لم أستوعب ما يقولونه ذهبت إلى مكان منزلي لعلي أسمع صراخ أبنائي وبكائهم”.
يواصل خالد والعبرة تخنق حديثه: “لم اسمع صراخا ولا بكاء، أتحسس الطريق، أضرب الجو لأبعد الدخان والتراب بدأ الجو بالصفاء، سمعت صوت أختي تقول خالد شوف أمي بالغرفة، أدخل مكانا ممتلئا بالأحجار والتراب، كان قبل دقائق غرفة ينام فيها أطفالي وأمي، أصابني الصرع والشلل الكلي عدا صوتي بالبكاء.. أعذرني عن مواصلة الحديث” .

بعد وقت من الصمت وتغيير السؤال إليه قال خالد الغيلي: “خرجنا من القرية إلى منطقة السياني في إب بعد أن قمنا بقبر الأطفال ولم يبق منهم سوى أربعة من أبنائي، البنت مصابة بالعمود منعت من السير لعام وأكثر”.
وعن معاناته مع النزوح يقول خالد: “تمسكت بما بقي من أولادي بعد أن كانوا بين الركام ورحمة الله أبقتهم لي وذهبت بالبقية، وأوكلت أمري إلى الله وغادرت لعلاج من بقي منهم، وبقيت في “السياني” لأشهر ثم سافرت صنعاء لمتابعة علاج ابنتي الكبيرة خوفا من إصابتها بالشلل وتابعت العلاج لها، وحالتنا الان لا يحسد عليها” .
شاهد عيان
يروي طاهر بشير (شاهد عيان) الحدث قائلا: “بعد أن سمعنا صوت الصاروخ الاول الذي كان بالفندق، خرجت أصور الفندق وقت الفجر، وكلنا مرعوبون من تلك الشظايا التي توزعت في كل مكان، وكان أخي يدعونا للاختباء في المنازل، ظنا منا أن صاروخ اخر قد يأتي بنفس مكان الضربة الاولى، ثم كانت المصيبة”.

ويواصل حديثه: “قصف منزل خالد بعد دقائق من الصاروخ الأول، ثم نزل من سقف منزله، ووقتها كانت الغارة الثانية التي كتمت أصوات أبنائه، وأمه وزوجته وأولاد أخته وابن صهره”.

يقول طاهر لـ«الأيام» : “كنا نحن كالمغشي عليهم، دخان الصاروخ تركنا كالمخدرين تماما لم نستطع فعل شيء حتى الهرب، صراخ الجميع بكل مكان، أخي هدمت الغرفة عليه، ما تسبب في إعاقة يده، نظرت إليه دون معرفة شيء ولم أستطع فعل شيء له، تركته وذهبت لمنزل خالد” .

ويختم كلامه: “كان منظرا مرعبا لم نتحمل ذلك حين كان خالد يشير إلى الغرف وأماكن نوم أبنائه ونحن نخرجهم واحدا بعد الآخر، وكل هذا بسبب الأحداثيات الخاطئة”.
مناكفات سياسية
المناكفات السياسية لا تخلو في منطقة من مناطق اليمن وتتفاوت من منطقة لأخرى، ولكنها تحولت إلى حقد يصاحبه لؤم وأضرار على ابناء هذه القرية، وصل الى البلاغات الكاذبة تسببت بموت أسر وتدمير قرية بكاملها دون ذنب يذكر.
يقول أبناء قرية دار النصر إنهم موثقون “مقطع فيديو” للشيخ حمود المخلافي قائد المقاومة في تعز على قناة الجزيرة وهو يتحدث أثناء عمليات القصف للمنازل، بأن جثث المليشيات متناثرة في الجبل، في الوقت الذي كانوا يخرجون الاطفال من بين الركام، بمساعدة أفراد القرى المجاورة الذين قدموا بعد سماع الانفجارات”.

ويقول أحد أبناء القرية في شهادته: “لم يكن هناك أي فرد للمليشيات الحوثية داخل القرية ولم يقتل أحد منهم من الـ9 الغارات التي قام بها الطيران بسبب بلاغات كاذبة من قبل بعض القادة على هذه القرية”.
نزوح جماعي
نزح أبناء القرية جميعهم بعد تلك المصيبة التي لم يشاهدوا مثيلا لها وهم يخرجون أطفال جارهم من بين التراب بعد أن هدأ القصف، ولم يستطيعوا المكوث بين ذلك الخوف والذعر ووحشة القرية وصراخ الأطفال والنساء.
استمر نزوح معظم اهل القرية عامين وهم مشردون خارج منازلهم وخارج حدود المدينة حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت فعادوا بعد سيطرة الجيش الوطني على صبر ووسط المدينة، عادوا وكلهم أمل بحاضر أجمل ينسيهم ولو القليل مما تجرعوه أثناء نزوحهم.

فكانت المصيبة حسب قول طاهر بأن “تلك النظرة المتطرفة من بعض القيادات المحسوبة على الاصلاح في صبر لا زالت مخيمة في عقول الكثيرين تجاههم، فكانت النتيجة حرمانهم من أبسط الحقوق التي كانت من نصيبهم كالمساعدات الإغاثية التي لم تصرف لهم مثل غيرهم”.
حرمان من الإغاثة
تمر ناقلات الإغاثة من أمام أعينهم وتوزع على باقي القرى التي يتواجد فيها أنصارهم، وبشكل شهري من قيادات “الإصلاح” وتحرم قرية كاملة منها.يقول عرفات غالب: “ثلاثة أعوام والإغاثات تدخل وتوزع في مدينة تعز وفي صبر، ولكنها تغض الطرف عن قريتنا بسبب دعوى بعض المتنفذين واتهامنا بـ(التحوث) رغم معرفة الجميع في القرى المجاورة بمدى صمود وبسالة قريتنا في وجه الانقلابيين”.

عرفات الذي يتحدث وهو مستاء من الوضع ، يشير إلى أن الاغاثة لم تصل إليهم إلا مرة واحدة من منظمة غير حزبية، ولم يحصلوا على أي إغاثات أو معونات من أحد خلال فترة الحرب حتى اليوم.
وفيما يخص معاناتهم يقول: “إلى الآن وهذه القرية تعاني الآمرين من حرمانها من الإغاثات التي تمنح لمدينة تعز مع العلم أنها تأتي للمناطق المجاورة المنتسبة لحزب الاصلاح، كما تعاني من القذائف التي تتلقاها من المليشيات”.
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى