داعية الحقوق والحريات د. محمد عبدالملك المتوكل

> عبد الباري طاهر

>
عبد الباري طاهر
عبد الباري طاهر
لمع نجم الشهيد الفقيد الكبير الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، ككاتب سياسي وناشط في الحياة المدنية، منذ مطلع السبعينات، ولكن حضوره كطالب قريب من الأحرار اليمنيين يعود إلى مطلع الستينات. تتلمذ على يد الأستاذ أحمد محمد نعمان، وزامل وترافق مع تيار دعاة التجديد والإصلاح كالأستاذ محمد عبدالله الفسيل، الزعيم الديمقراطي أحد أبرز قيادات الحركة الوطنية منذ الأربعينات، مد الله في عمره.
النابغة الشهيد قدم في حياته ومسلكه وممارساته السياسية وكتاباته وأبحاثه الأنموذج الأروع لداعية الحريات والحقوق.
رسالته للدكتوراة عن الصحافة اليمنية كانت الدراسة الأكاديمية الأولى التي درست بمنهجية وعمق الصحافة اليمنية، أرَّخ ووثق للصحافة اليمنية، واتجاهاتها الفكرية والسياسية، بذهنية منفتحة، وعقل سياسي ديمقراطي واع ومدرك لطبيعة الأوضاع في اليمن شمالاً وجنوباً، ولإبعاد الصراع الإقليمي والدولي.. كتاباته مطلع السبعينات كانت بشير التعددية السياسية والفكرية، وكانت تثير جدلاً ونقاشاً واسعين.
عندما بدأ التحضير لتأسيس كيان نقابي للصحفيين كان الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وعبدالله الصيقل وعمر الجاوي ومحمد عبدالجبار وحسين هادي جبارة وعبدالله الرديني وأبو القصب الشلال حاضرين لتأسيس نقابة للصحفيين، وربما أعاق الدعوة الخلاف من حول كيان موحد أو كيانيين.
ومنذ البداية كان الدكتور المتوكل واحداً من مؤسسي جمعية الصحفيين اليمنيين 22 إبريل 1966.
في كل المؤتمرات الصحفية لنقابة الصحفيين كان الدكتور حاضراً، ويلعب دوراً مهماً في الحوار والنقاشات التي تثري المؤتمرات الصحفية، وتسهم في رفد الكيان النقابي الواعد بخبرة تعزز الروح الديمقراطية، والنهج المهني.
دافع في أقسى الظروف والمراحل الشديدة الضراوة لقمع الحريات العامة والديمقراطية، وبالأخص حرية الرأي والتعبير، وكان واحدا من المجسدين قولاً و فعلاً للممارسة الديمقراطية في علاقاته العامة، وفي التزامه الأدبي والفكري والأخلاقي.
ربَّى أسرته الكريمة على مبادئ الحرية والسلوك الديمقراطي، كما ربى المئات والآلاف من تلاميذه كأستاذ أكاديمي، وكمفكر حر وديمقراطي يقدم المثل الأعلى والقدوة الحسنة سلوكاً وعملاً، قولاً وفعلاً، للمبادئ التي آمن بها والتي دَرَسها ودرَّسها، ونذر حياته لها.
في كل حوارات السلطة والمعارضة وفصائل المعارضة مع بعضها كان الشهيد إلى جانب “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” الآية. كانوا مع الحرية والديمقراطية والعدالة.
ينظر إليه في التزامه واتزانه وعقلانية رؤيته كشوكة ميزان في تحاورات كل فرقاء الحياة السياسية اليمنية، بدون تحيز أو تعصب. الحاضر دوماً في تقريب وجهات النظر وفي نسج علاقات متفتحة أخوية ومتسامحة.. فهو - يرحمه الله - أنموذج للتفتح والتسامح والقبول بالآخر.
قرأ عميقاً “الشرعة الدولية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي، والعهد الدولي الاختياري، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.. وقرأ المواثيق والصكوك واتفاقيات جنيف وقدم قراءة مائزة لهذه الشرعة العالمية.. وكابن بار للإرث الإسلامي، فقد قرأ أيضاً هذه المعاني العظيمة في الشريعة الإسلامية من خلال النص القرآني”.
و كثيراً ما عمد إلى المقاربة والمقارنة بين حقوق الإنسان في الإعلانات العالمية، وفهم الفقهاء المسلمين لهذه الحقوق.
كتابه “الإسلام والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان” يشهد ويدلل على عمق معرفته بهذه الحقوق في بعدها الإنساني، ومعرفته واطلاعه الواسع للآراء الفقهية الإسلامية السنية والشيعية لهذه الحقوق. كان ذا حضور قوي ودولي مؤثر ومهم، ولعب دوراً في المستوى العربي للتحاور بين الاتجاهات القومية واليسارية والإسلامية إلى جانب الشهيد جار الله عمر.
الشهيد السياسي المخضرم والمفكر المتسامح ذو ضمير نقي وحي ترك آثارا عميقة في الحياة، وكان من أهم دعاة الحرية والتعايش والعدل، وإلى المقارنة بين الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية. واجتهادات أو بالأحرى آراء بعض الإسلاميين أمثال سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي تثير إشكاليات عديدة، فحقوق الإنسان في الإسلام ذات بعد أخلاقي، وليس لها الصبغة الإلزامية القانونية التي لمبادئ الشرعة الدولية، التي لها صبغة قانونية ملزمة للدول كما هي ملزمة للأفراد.
وقد تنبه إلى ذلك السياسي الإسلامي وأحد أهم تلاميذ الأمام محمد عبده، رشيد رضا، الذي ربط بين الديمقراطية والثورة الأوروبية أكثر من أي شيء آخر، والمسألة بحاجة إلى نقاش أوسع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى