عدن.. مدينة الاستقلال !

> حسين عبدالباري

> من لم يكن له ماض فليس له حاضر.. وأمة لا توجد لها تاريخ فهي خاوية على عروشها ومجرد أطلال قديمة مندثرة ومنسية.. وعدن التاريخ هي الماضي والحاضر والمستقبل الواعد الزاهر، تاريخ ينبض بالحياة على مدى الزمن، كل شيء يتغير إلا التاريخ والزمان والمكان فهم الوثيقة الصادقة الناطقة المكتوبة على جبين الدهر تؤرخ للعالم بأسره ولتقرأها الأجيال بعد الأجيال لتنشط الذاكرة الإنسانية وليعلم من جهل وليتذكر من نسي.
هذه عدن مهد الحضارة التاريخية على مدى العصور أطلق عليها المؤرخون قبل آلاف السنين (العربية السعيدة) ووصفها أحد المؤرخين العرب بأنها (خزانة مال ملوك اليمن قاطبة)، فهي الماضي الزاخر بالتاريخ التليد.. وهي الحاضر الذي نضعه نحن بأيدينا لنبني مجدنا وننصرف حتماً، وهي المستقبل الواعد الذاهب الذي نتطلع إليه كلنا بحدقات عيوننا من أجل تحقيقه مهما طال الزمن ليعم السلام والأمان أرض المحبة والسلام.
عدن، هي تلك المدينة الفاتنة الساحرة التي أسرت كل القلوب وكل من جاء إليها لا يريد أن يفارقها حتى يواري جثمانه ترابها الطاهر الزكي.. عجباً لهذه المدينة الخالدة فهي من المدن القليلة المميزة في هذه المعمورة التي حباها الله بميناء عالمي تاريخي عريق وحصنها التاريخ من الأندثار وتقلبات الزمن.. هي عروسة البحر الأحمر دون منازع، وفي طياتها تلك الروح الطيبة المتجددة التي تفوح منها عبق المدنية الحديثة فرغم نوائب الدهر وخطوبه إلا أنها ستظل هي السمة التاريخية والحضارية لشعب الجنوب الأبي.
فتاريخ عدن المجيد يجب أن يروى للأجيال المُتطلعة إلى الآمال والمستقبل.. ولا يطوى ويهمش ويُنسى لطمس تاريخها المشهود.. فهي أيضاً تحمل بين جنباتها تاريخا مديدا لشعب الجنوب البطل ذلك الشعب الذي كافح وناضل بكل شرائحه لأجل الحرية والاستقلال والسيادة، والذي لم يتردد في أن يعلن استقلاله المجيد إلا من أرجاء ووسط قلب مدينة عدن الفتية الباسلة فهي العاصمة الروحية المُلهمة والتاريخية لجنوب اليمن.
في عدن تحقق الاستقلال الكبير وتحقق حلم الشعب الجنوبي الذي عُمد بالروح والدم وظلت عدن منبع ومصدر الثورات ومهد الثقافات الفكرية والثورية والبراكين الثائرة والتي قامت من أجلها الحروب الدائرة على مدى المراحل والمنعطفات التاريخية التي شهدتها عدن الحبيبة وتحملت وتأسست وكابدت لأجل أن تنتصر، ولذلك فلها الاستقلالية المميزة التي تأبى أن يشوبها أي شوائب من التلوث الطائفي أو تلك النزعة القبلية المُقيتة والتصرفات الهمجية الدعناء.
عدن لها استقلالية في مظهرها الحضاري المعهود المتميز ولها ثقافتها الرائعة المستنيرة، ومدينتها الحضرية المتحضرة الشامخة كشموخ جبالها السمراء المنيعة، وبسيطة ببساطة سكانها الطيبين ورجالها الاوفياء.. أبناء عدن هم السهل الممتنع في تعاملهم الراقي ومشاعرهم الفياضة الصادقة،، أخلاقهم ليست مستوردة أو مركبة أو مُصطنعة بل هم يتعاملون على سجيتهم وطبيعتهم، فأخلاقهم حضارية إسلامية عربية أصيلة جُبلت فيهم وتسربت بدمائهم وورثوها عن آبائهم وأجدادهم، الذين كبرت بهم عدن وبها كبروا، فهي مدينة الترويض الإنساني للقادمين إليها من مختلف أنواع البشر وهذا أمر ليس بجديد مثل مدينة تاريخية أزلية عمرها يزيد على ثلاثة آلاف عام.
إنها مدينة القدرات الانسانية الحضارية.. ومن فترة زمنية أسماها التاريخ (الفترة الذهبية لمدينة عدن) تلك المدينة التي تأبى أن يستأثر بها أحد لنفسه أو يستعمرها أي دخيل أجنبي، فهي مدينة أبية عصية محضة مشهورة أزلياً بدفن الغزاة فيها فلا تقبل الضم والاستبداد والاستعمار أيا كان، فهي خُلقت حُرة وستظل حرة شامخة الهامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن هذه الحقائق التاريخية موثقة للجميع وليست ناتجة عن زيغ عقل أو طيش قلم أو شطحة استعراضية واجتهاد شخصي.. إنه التاريخ الذي لا يرحم يسجل ويؤرخ ولا يغادر كل صغيرة ولا كبيرة منذ وجدت هذه المعمرة، وهو باسط يديه بكتاب مفتوح لمرأى كل الناس ومنها يحكي عن مدينة تاريخية حضارية رائعة تحاكت وتناغمت مع كل مختلف الحضارات والأمم والأديان والشعوب.. هي عدن بلد التعايش السلمي بين الناس وتاريخها مشهور منذ القدم وأرقامها الزمنية مشهودة ومدونة بكل المقاييس والدقة وأماكنها كلها تعبق بالحضارة والمدنية الرائدة.. وشواهدها كلها تنطق وتتحدث بين جنباتها من المعالم والمشاهد التاريخية الأثرية العملاقة التي هي ماثلة للعالم كله.
وهذه قلعة صيرة الماثلة أمامنا، وهي شامخة تتحدث عن نفسها على مر الأزمان وتحكي عن شعب أراد الحياة، تحكي عن شعب جنوب اليمن وصموده لمقاومة الاحتلال البريطاني ثم إجلاء آخر جندي محتل من (مدينة عدن) ولو نطقها الزمن لتكلمت حجراً بعد حجر وتحدثت لجميع الناس عن تلك البطولات الحافلة بالتاريخ المجيد والملاحم الحربية القتالية الرهيبة والروح الاستشهادية لهذا الشعب الجنوبي الرائع العظيم التواق للحرية والاستقلال والسلام، والذي فيه حقق حلمه المنشود في هذا التاريخ الذي سيظل محفوراً في ذاكرة التاريخ 30 نوفمبر 1967م.
حسين عبدالباري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى