في رحاب عدن

> فتاح المحرمي

>
فتاح المحرمي
فتاح المحرمي
كانت الشمس تميل بأشعتها إلى المزيج الأحمر الأصفر معلنة بذلك مغادرتها ذلك اليوم.
حينها كانت عيناي تلتقط المشهد الختامي قبل أن تسدل الستار على رحلة تعمقت فيها بالغوص في مكنوز تلك المدينة التي يسعد من سكنها ويسر من يزورها، قدمي كانت تريد أن تخترق رصيف الشارع لتعانق ذرات ترابها العطرة، وعلى الرغم من أن أصوات المركبات وحديث المارة والمتسوقين لربما يشكل إزعاجا إلا أنه بالنسبة لي كان معزوفة غنائية تنشد بأبدع ما جاد به الشعراء عن المدينة التي لطالما هام المغرمون في هواها. ولأن من عادتي أن أمعن النظر في عيني الشمس حين تغادرنا حتى أبحر مع أشعتها الدافئة وأتجول بين خيوطها الذهبية وأخط بقلمي بعض كلماتي، فبينما لحظات الوداع اليومي مع الشمس تلفظ أنفاسها إذا بي ألمح بدرا مكتملا يشع من وجهه نور دفعني لإغماض عينيّ.. عدت وفتحت عينيّ ليتمثل أمامي ملاك بشري تفصلني عنه عدة أمتار.. مع طيف ذلك الملاك لمحت عراقة وأصالة الصهاريج التاريخية، وقلعة صيرة الأثرية، وشموخ شمسان الأبي، ومنارة مسجدي أبان والعيدروس، ومنارة عدن، تذكرت حينها أن ساعة عدن الشهيرة (بج بن) عادت للدوران فنظرت في ساعتي فإذا بها تشير إلى السادسة إلا ربع.
اقترب فوجدت أناسا متجمعين حول ذلك القمر البشري، فتسللت من بين المجتمعين لأشاهد أمامي ملاكا بشريا، رأيتها السلام، يغطي قوامها الرشيق شرشف أسود (شيدر) وعلى محياها إشراقة عنوانها الأمل.
عيون كحيلة رموشها ترقص طربا على هديل الأمواج التي تعانق الساحل بشوق، وخدود ندية- رغم أن الدمع أحدث فيها علامة- وشفاه باسمة تجمع بين ثناياها جميع ألوان الطيف ليخيل لك وكأنه مرسوم فيها قوسان من أقواس قزح تحتضن فيهم الجميع.. هكذا بدت لي معالم وجهها البشوش المشرق رغم ما فيه من جروح.
وما شدَّ انتباهي أنني شاهدت ما يشبه التاج ملتفا حول رأسها وفي وسطها بدا لي وكأنه جوهرة.. والغريب أن هذه الجوهرة سوداء وليست مشعة كما أخبرتني جدتي في أحد الأيام وقالت «إن الجوهرة تأتي مشعة ومضيئة، وحسب حكايات الأولين تكون تلك الجوهرة محمولة على رأس الأفعى وللحصول عليها يتوجب قتل الأفعى» وقالت جدتي أيضا «إن الأفعى قد تخفي الجوهرة أو تظهرها بلون أسود غير مشع).. حينها اعتقدت أنه ربما تكون هناك أفعى في رأس الملاك ولا بد من قتلها حتى تشع الجوهرة من التاج الذي تحمله الملاك البشرية على رأسها.
وقبل أن يحل الظلام وبينما أنا أتأمل في ذلك الملاك البشري فجأة تغادرنا مودعة باسمة وأمل عودتها بجوهرة مشعة مرسوم في وجهها، لمحت حين خطت أول خطواتها أنها تحمل العديد من الحلي والمكنوزات التي كان صوتها يعزف موسيقى الوداع.
وقبل أن أغادر مكاني لركوب المواصلات تأملت في الكنوز والحلي التي سمعت صوتها ولم أشاهد لمعانها وبريقها، فقلت لعل من يكنزها لا يقدر ثمنها وقيمتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى