محطات نضالية أفضت إلى الـ 30 من نوفمبر 1967 :"الشيخ المناضل حسن صالح المحرابي" (1)

> كتب / علي راوح

> في هذا الاستطلاع مع عدد من الرعيل الأول من مناضلي الثورة اليمنية الذين هبوا للدفاع عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل عزة وكرامة وطنهم، ناضلوا وكافحوا وخاضوا المعارك حتى تحقق الاستقلال المجيد في الـ 30 من نوفمبر 1967م.. بعدها وجدوا أنفسهم في دائرة الإهمال وعدم العناية بأوضاعهم فعاشوا حياة البؤس والفقر والمرض حتى غادروا الحياة، وعزاؤهم أنهم قدموا تضحياتهم في سبيل ربهم ومن ثم واجبهم نحو وطنهم وشعبهم.
ومن خلال هذه اللقاءات استقرأنا حكايات ومواقف بطولية أسطورية وقصص لتضحيات نادرة قد لا يتصورها أحد منا. من هذه المواقف البطولية والتي ضربت أروع الامثلة في حب الوطن والتضحية من أجله حكاية أحد الفدائيين في جبهة ردفان، وهو الفدائي محمد صالح الشيباني.. فهذا الفدائي وعندما خاض إحدى المعارك الشرسة ضد القوات البريطانية أصيب إصابة بليغة في بطنه، وعندما هب رفاقه ليسحبوه من أرض المعركة ويقومون بإسعافه رفض رفضاً باتاً أن يقوموا بإسعافه، وقال لهم ناولوني قنبلة يدوية دفاعية، فأخذ القنبلة منهم ونزع الأمان منها ثم انجفى على الارض ووضعها تحت صدره وقال لرفاقه اذهبوا بعيداً، وعندما جاء الجنود البريطانيون وتجمعوا حوله وقام أحدهم بركله انفجرت القنبلة وقتلت عدداً منهم وجرحت آخرين، ومن شدة حنق وغيض الجنود من هذا الفعل الذي لم يكونوا يتصورونه ولا في أفلام (الأكشن) قاموا حينها بأخذ جثته ووضعوها في طائرة مروحية وصعدوا إلى السماء وألقوا بجثته في إحدى جبال ردفان الشاهقة تنكيلاً بهذا الفدائي الذي ضرب أرع الامثلة في التضحية من اجل وطنه (حسب عدد من رفاقه).
حكاية أخرى اجترحها المناضل أحمد سعد علي الذي كان متخصصاً بالرمي من مدفع (البلاندسيت) المحمول على الكتف، ففي إحدى المعارك التي خاضها أحمد سعد وكانت معركة شرسة عندما تقدمت الدبابات في سيلة بلة فتصدى لهم واستمرت المعركة من الثامنة صباحاً وحتى السادسة ليلاً وهو يدمر الدبابات الواحدة تلو الاخرى ومن شدة وتواصل الرمي بالمدفع المحمول على كتفه سخنت الماسورة فأحرقت رقبته وأصابع يديه حروقا بالغة ظل يعاني منها حتى وفاته.
ومن المواقف المحرجة والمفاجئة التي حدثت للمناضل ناصر صائل سلام إنه كان يقوم بنقل أحد الالغام إلى الحبيلين ليزرعه في طريق الدوريات البريطانية، وعندما اقترب من الحبيلين إذ به يلتقي في طريقه وجها لوجه الضابط السياسي البريطاني (ميلن) ومعه عدد من المشائخ الموالين له، وهنا ارتبك المناضل/ ناصر سلام لهذه المفاجأة التي لم يكن يتوقعها، ولكنه استجمع قواه وشجاته وقفز إلى فوق الحمار وركب فوق اللغم وقرر في نفسه إبادة (ميلن) ومن معه إن هم اكتشفوا حقيقة اللغم، فتقدم (ميلن) حياه ومضى فمر الموقف بسلام وواصل سلام طريقه وقام ورفاقه بزرع اللغم الذي دمر سيارة بريطانية وقتل من فيها.
ومن الحكايات المؤثرة والمحزنة أن امرأة من بلاد البكري بردفان عندما قصفت الطائرات البريطانية منزلها ومن شدة هول التدمير للمنزل قفزت وأخذت ابن الغنمة (الجدي) ظانة أنه طفلها الرضيع وهربت وتركت طفلها للموت.. وهناك حكاية يرويها المناضل/ أحمد سعد علي الذي كان متخفياً في أحد المتارس في أحد الجبال وكان هناك إنزالا جويا للقوات البريطانية فحطت إحدى الطائرات فوق المترس وخرج الجنود الواحد تلو الآخر وهو يطلق النار عليهم ويقتلهم وهم لا يعلمون من أين تأتيهم الرصاص فحصد منهم عدداً غير قليل وفر الآخرون مذعورين على طول وعرض الجبل.
وهناك قصص ومعاناة كثيرة عاناها أولئك المقاتلون في جبهة ردفان الذين أطلقت عليهم بريطانيا وصف (الذئاب الحمر) لشراستهم في قتال الجنود البريطانيين..
في أكتوبر من عام 1996م أي قبل (21) عاماً جاءني الصديق ياسين محمد عبيد نجل المناضل السيد محمد عبيد عمر سفيان من أبناء قرية الراحة بردفان، وطلب مني مرافقته إلى قرية جرانع ماوية في محافظة تعز القرية التي لجأ إليها والده محمد عبيد عام 1962م بعد أن شددت القوات البريطانية عليه الخناق وطلبته حياً او ميتاً نظراً لما قام به من جمع للقبائل وتشكيل فرق فدائية لمهاجمة المعسكرات والدوريات البريطانية في ردفان والحوشب، فنزح إلى جرانع وشكل قيادته العسكرية وواصل مقاتلوه هجماتهم منطلقين من جرانع حتى الاستقلال فغادر محمد عبيد إلى أرض الحرم وعاش حتى توفاه الله في الحرم المكي، وتلك كانت أمنيته. وفي مطلع التسعينات عاد نجله ياسين إلى الوطن وكان أول شيء قام به هو زيارته لقرية جرانع بماوية فكنت رفيقه في تلك الزيارة عام 1996م، وعند وصولنا إلى ماوية هالني ذلكم الموقف عندما خرج أبناء جرانع لاستقباله استقبالاً رائعاً، فهو يذكرهم بوالده الذي أحبوه وحزنوا عندما غادر إلى الحرم، وهناك اكتشفت أن الكثيرين من رفاق محمد عبيد الذين قدموا معه من ردفان والحواشب والضالع قد استوطنوا في جرانع وفي ماوية وتعز، ولم يعودوا إلى وطنهم بعد أن هدمت القوات البريطانية منازلهم ومزارعهم، فتجمعوا لتحية نجل قائدهم محمد عبيد، فوجدتها فرصة ثمينة للحديث معهم وتوثيق تاريخهم ومشوارهم النضالي في الكفاح المسلح للدفاع عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
فتابع عزيزي القارئ حصيلة تلك الاحاديث مع اولئك المناضلين من الرعيل الاول:
*المناضل الشيخ حسن صالح المحرابي
بداية الحديث كان مع الشيخ حسن المحرابي البالغ من العمر (80) عاماً (أجري الحديث عام 1996) يقول المحرابي: قبل ثورة 26 سبتمبر كنت شيخ قبيلة في الضالع وعند قيام الثورة السبتمبرية طلبت مني السلطات البريطانية عدم السماح لاي شخص بالمغادرة إلى الشمال، وبعد 3 اشهر خرجت واتجهت إلى صنعاء ومعي (300) مقاتل من جميع المناطق، وكان معي أبناء الشهيد (عواس) وعواس هو المناضل الذي قام بقتل الضابط السياسي البريطاني في الضالع (المستر ديفي).. وعند وصولنا إلى صنعاء اتصلنا بالمشير عبدالله السلال عبر المناضل قحطان الشعبي، وتم تسليحنا، وخضنا معارك في الدفاع عن ثورة سبتمبر، وتنقلنا في مناطق صرواح والمطيان وغيرهما، واستشهد منا العديد من المناضلين من مختلف مناطق الجنوب والشمال، بعدها عدنا إلى تعز وعملنا على تشكيل جبهة للقيام بثورة ضد الاحتلال البريطاني، وكان معنا قحطان الشعبي وعلى السلامي، وذهبنا إلى القاهرة ضمن مجموعة مكونة من العسكريين والسياسيين ومن القبائل، وكان مطلبنا هو الحصول على الدعم من قبل القيادة المصرية للقيام بثورة مسلحة في الجنوب اليمني المحتل.
ويواصل المحرابي: وبعد عودتنا من القاهرة إلى تعز قمت باستلام (100) بندقية من القيادة المصرية في تعز، ثم توجهت إلى الضالع وسلمت لكل قبيلة (10) بنادق، وحرضنا القبائل على القيام بحرب عصابات ضد القوات البريطانية، واتفقنا بذلك مع المناضل علي عنتر، وخرج من تعز معنا صحفي مصري يدعي محمد أحمد مكرم لتغطية نشاطنا العسكري، فبدأنا بعمليات عسكرية وقمنا بقصف المعسكرات البريطانية وقصف دار الأمير في الضالع.. وبعد أن كثفنا الهجمات على الاهداف قام البريطانيون بحملة عسكرية كبيرة وبدأوا بتهديم بيتي وسلبوا محتوياته، وكان هذا في العام 1964م.. ومن ثم هربت إلى تعز ولما علم المشير السلال بذلك امر باعطائي منزلاً في تعز، ثم قمنا بتكوين وإعداد مقاتلين وتدريبهم في معسكر صالة وحرضناهم لخوض الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب، وكان هدفنا هو إخراج المستعمر وتحقيق وحدة الشعب اليمني، وكان قدوتنا وموجهنا هو المناضل السيد محمد عبيد عمر سفيان زعيم كل القبائل الذي كان عمله ونضاله لوجه الله وكنا جميعاً نحترمه ونقتدي به.
وبعد نضال شاق وطويل قمنا به مع الكثيرين من المناضلين إلى أن تحقق الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 1967م وقيام الدولة الوطنية (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) حينها قال المناضل محمد عبيد: أنا قاتلت القوات البريطانية الاستعمارية، والآن وبعد رحيل المستعمر فأنا انسحب ولا أرضى بأن يقتل المسلم أخاه المسلم.
ويختتم الشيخ المحرابي قائلاً: نحن ناضلنا من أجل الوطن وقدمنا كل ما استطعنا تقديمه ولم نبخل بأرواحنا ولكن للاسف همش دور المناضلين الحقيقيين ولا زلنا إلى هذا اليوم نعاني من عدم الاهتمام بأوضاعنا، وأنا ضمن الكثيرين من الضالع وردفان والحواشب لازلنا عائشين في ماوية بمحافظة تعز منذ (35 عاماً). كان هذا الحديث قبل (21 عاماً)، فهناك في الضالع وردفان والحواشب منازلهم مهدمة وكل أموالنا منهوبة ولم يلتفت لنا أحد.
كتب / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى