المدينة الناجية.. مأرب المحافظة الوحيدة التي لم يدمرها الدمار

> مأرب «الأيام» عن هاف بوست عربي/ بقلم مراد العريفي

> في منتصف العام الماضي أغلق محمد الخضر أبواب متاجره في العاصمة صنعاء، بشكل نهائي، واتجه إلى مدينة مأرب (173 كيلو مترا شرق صنعاء) المدينة التي تشكل موطنا جاذبا للاستثمارات وواحة للهدوء وسط عواصف الصحراء.
حزم حقائبه على سيارته (البيك آب) ذات الدفع الرباعي، وأدار المقود نحو الشرق، ونظر إلى شمس الشروق، كان يحدث نفسه بأن المدينة الصحراوية تحمل آماله في البحث عن الاستقرار، وسط أزمة يبدو أن اليمنيين لن يجدوا مخرجا منها.

بعد عام، وجد الخضر أن المدينة التي كان يتخيلها دوما، بأنها خيمة وجمل وبدوي يقف على رأس النيران التي أشعلها للاستضاءة، وتفتقر لمظاهر الحياة العصرية، أصبحت اليوم قبلة للتجار والمستثمرين، فضلا عن كونها تشكل نموذجا للمدن والمحافظات اليمنية الأخرى.

كيف نجت من الحرب
عقب سيطرة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر من العام 2014 استعدوا للهجوم والسيطرة على منابع النفط الرئيسية في محافظة مأرب.

استولى الحوثيون على عتاد عسكري ضخم من المعسكرات التي فتحت لهم فجأة، وهاجموا بشكل عنيف مديريات المحافظة، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من اقتحام المدينة، لولا أن قبائل المحافظة قاومت باستماتة، لتنضم إليهم قوات قليلة من الجيش اليمني المنهار.

ومن مدينة مأرب، شكلت أولى المجموعات المسلحة لمقاومة الحوثيين وقوات صالح، وحرصت تلك المجموعات على جر المعارك مع مسلحي الجماعة إلى المديريات الصحراوية البعيدة عن المدينة، لتنجو أحياء المدينة من قذائف الحرب.
قبلة للنازحين
وبينما انزلقت البلاد إلى العنف، كانت المدينة المليئة بالغبار والأتربة قد أصبحت عاصمة لليمن، وجعل قربها من الحدود السعودية، ومن معبر "الوديعة" - الذي سيكون هو الآخر، نافذة اليمنيين للعالم طيلة الحرب وما يزال - قاعدة عسكرية.
ومعها حظيت المدينة بهدوء وأمان نسبيين، بعد أن وصلت إليها في نهاية أغسطس 2015 عشرات الدبابات من نوع "إم 1 أبرامز" والعربات وناقلات الجند، وراجمة الصواريخ، ومدافع، وطائرات أباتشي، بالإضافة إلى منظومة دفاع جوي بانتسير - اس1، مقدمة من التحالف العربي.

تصاعد منسوب الأمان جعل شوارع المدينة تعج بالآلاف من النازحين، الذين فروا من بطش الحوثيين ونيران الحرب، وفجأة تحدثت سلطات المدينة أن نحو 500 ألف شخص باتوا يسكنونها، بعد أن كان سكانها لا يتجاوزون 50 ألف شخص.
ويقول احدهم: "مأرب مدينة أنقذتي، يعود لها الفضل بعد الله، أنا أعيش واحدة من أفضل فترات حياتي”.

لكن ازدحام المدينة في وقت قياسي، جعلها غير قادرة على استيعاب النازحين ورؤوس الأموال، حيث يقول عدنان مثنى وهو أحد المعارضين السياسيين للحوثيين، إن “كل شيء هنا يكاد يكون منعدما من شدة الإقبال عليه".
لا مساكن رغم حركة البناء
وعلى الرغم من أن الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والصراع الأهلي، خلف أكواما من الدمار في عدد من المدن والمناطق اليمنية، إلا أن هذه المدينة أخذت في النمو، حيث مصانع الطوب تنتج مشاريع تجارية سريعة وأحياء جديدة تنهض من الرمال، على حد تعبير مراسل نيويورك تايمز.

وأضاف “هنا لا تستطيع أن تجد شقة للسكن ب 60 ألف ريال (150 دولارا أميركيا) مقابل إيجار للشهر الواحد، وأقل شقة ستكون بنحو 70 ألفا، ومن الممكن أن تلاقيها في العاصمة صنعاء بنحو 15 ألفا (37 دولارا) أما إذا أردت شقة جيدة فستدفع 100 ألف (250 دولار) على الأقل مقابلها للشهر الواحد”.
مدينة منطلقة
يقول نايف محمد وهو شاب عشريني انتقل للمدينة من أجل الالتحاق بوظيفة بائع في أحد معارض الأقمشة، إن الحركة التجارية تشهد رواجا غير مسبوق، و “كل شيء هنا فيه زلط (أموال) وأتمنى أن تكون اليمن مثل مأرب”.
لكنه أشار في المقابل أن التجار يستغلون حاجة الناس في بعض الحاجات “الأجمل أنك تجد هنا الأمن وهيبة الدولة حاضرة” في إشارة إلى انهيار مؤسسات الدولة في معظم محافظات البلاد، التي شهدت حربا ضروسا في البلد العربي الأكثر فقرا.

وفي حين أن اليمنيين اتجهوا إلى حل قضاياهم بالعرف القبلي (أحكام قبلية يصدرها مشائخ القبائل) بعد تراجع لدور مؤسسات الأمن والقضاء، تستخدم سلطات محافظ محافظة مأرب اللواء سلطان العرادة، عائدات النفط للتخفيف من وطأة وآثار الحرب، ووفرت قدرا كبيرا من الأمن والخدمات التي تفتقر لها أماكن أخرى.

كهرباء متوفرة وزراعة مستمرة
وتحظى المدينة التي نهضت من الرمال، بإنارة للمنازل والمحلات التجارية، خلافا لباقي مدن البلاد التي تعاني من انقطاع الكهرباء منذ مطلع العام 2015، ووفر التيار الكهربائي المستمر فرصة للمستثمرين المحليين في إنشاء مشاريع ترفيهية مثل الحدائق ومحلات الهامبرغر والبيتزا.

يقول حسن الراشد، وهو أحد سكان المدينة لـ"هاف بوست" إن المدينة نفضت عن نفسها غبار الأيام الخوالي، وكانت سمعتها أنها الملاذ الآمن لعناصر التنظيمات المتطرفة، اليوم كما لو أنها تكتسي ثوبا جديدا.
ويضيف التاجر الشاب الذي نقل تجارته من صنعاء إلى مأرب، بلغة ساخرة “خلينا لكم صنعاء، أما نحن فسنبني مدينة لا تختلف عن مدن الخليج العربي” في إشارة إلى التقدم الحاصل في الإمارات وقطر والسعودية.

ويضيف بائع الخضراوات أن محافظة مأرب لا تزال تمد محافظات البلاد بالأطنان من الخضراوات والفواكه، خصوصا البرتقال بنوعيه الحلو والحامض (يوسفي) وهي المحافظة الوحيدة التي لا يزال فيها المزارعون ينتجون.
ويشكل سد مأرب الواقع جنوب غرب المدينة، والذي تبلغ مساحة بحيرته 30 كيلومترا مربعا، ويسع 400 مليون متر مكعب من الماء، ويروي حوالي 16 ألف هكتار من الأراضي، دافعا لازدهار الزراعة، رغم تدهورها إبان سيطرة الحوثيين على السد.
الحرب لا تزال قريبة
لكن المدينة لم تصبح بعد في منأى عن الحرب، فالمسلحون الحوثيون لا يزالون يسيطرون على مواقع عسكرية في مديرية صرواح وجبال هيلان، غرب المدينة، وبين الحين والآخر، يقصفون بصواريخ الكاتيوشا أحياء سكنية غربي المدينة.
ويعزو أحد القادة العسكريين في القوات الحكومية، الذي تحدث لـ"هاف بوست عربي" مفضلا عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، ذلك الفشل إلى استماتة الحوثيين وقوات صالح في السيطرة على تلك المواقع، بالإضافة إلى أن هناك توجها من التحالف العربي لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى