محطات نضاليَّة أفضت إلى الـ 30 من نوفمبر 1967م (8) المناضل/ علي محمد عبادي

> كتب / علي راوح

> في هذه الحلقة من (محطات نضالية...) نستضيف الأخ المناضل/ علي محمد عبادي، يقول عبادي: في عام 1965م، طلعت إلى تعز، وكان أفراد عائلتي جميعهم في عدن، وحينها التقيت بالمناضل الكبير الرئيس سالم ربيّع علي (سالمين) في تعز، وقلت له أنا أريد العودة إلى عدن، بعد أن هدأت الأوضاع، وكان سالمين رجلاً ولا كل الرجال (رحمه الله)، فقال لي عندما نصل إلى عدن تعال لي إلى قصر المنصورة، أو إلى استوديو المنصورة حق عبدالرب العبسي ستجدني هناك.. وعندما عدت إلى عدن ذهبت إلى قصر المنصورة ولم أجده في البداية، ثم عدت مرة أخرى فوجدته في المطعم تحت قصر المنصورة، فاستقبلني بكل ترحاب وسألني أين أسكن، ثم قام بأخذي إلى المنزل الذي أسكن فيه، وقال لي أي خدمة أنا مستعد، وكنت أنا في نفسي أطلب منه إلحاقي بالعمل النضالي كي أقوم بواجبي الوطني في محاربة المستعمر البريطاني، ولكني استرهبت الموقف، ولم ينطق لساني، فقلت بإرباك شكراً لك أيها الرجل الطيب، ثم قال لي اجلس هنا وسوف آتي إليك..
وبعد ذلك ذهبت أنا إلى مقهى أسوان في المنصورة ووجدت المناضل أحمد عبده سعيد، وكنت أعرف أنه فدائي ومناضل وكان قاعداً مع شخصين آخرين، وكانوا يتحدثون حديثاً ساخناً غير مسموع للآخرين في المقهى، وأنا مركز عليهم بنظراتي، فقال لي أحمد عبده سعيد: مالك تتفرج علينا، فقلت له أنا أريد الالتحاق معكم، ولم أكن أعرف في أي عمل هم، فقال: فين تلتحق معانا، قلت له بس أريد التحق معكم، معكم أنتم اصحاب الجبهة، فقال باستغراب: من هم أصحاب الجبهة؟، عيب عليك، روح بعد حالك.. فانسحبت من أمامه، ثم كررت طلبي له في اليوم الثاني، ولم يوافق، ثم عدت إليه في اليوم الثالث، وكررت طلبي له، فقال لي: مالك؟ هل وصاك أحد علينا تتبع أخبارنا؟، فقلت لا، وحلفت له يمين بالله، وقلت إنما أريد الالتحاق معكم في الجبهة، فقال ما أدراك أننا في الجبهة، قلت له أنا عرفت، فقال: من أين عرفت، قلت هكذا عرفت من نفسي، فقال لي: طيب أيش من جبهة تريد، الجبهة القومية أم جبهة التحرير؟، فقلت له أريد الجبهة التي هي مليح والتي هي مناضلة بصحيح، ولم أكن أعرف في أي جبهة هو، فقال لي خلاص سنلحقك معنا في جبهة التحرير، وقام بأخذي إلى أحد الأماكن وقام بتسليمي قنبلة يدوية وقال: أريدك أن تقوم برمي هذه القنبلة على جنود الإنجليز وتعيد لي (الخرصة)، فقلت حاضر، واعتبرتُ هذا امتحان قبول، فإما أن أنجح أو أفشل وأفقد حياتي، ولكني صممت على اجتياز هذا الامتحان مستعيناً بالله، فذهبت إلى شارع السجن بالمنصورة وترصدت وأنفاسي تتسارع، ترصدت لسيارة بريطانية نوع (R.C) محملة بالجنود، وكانت مارة في الشارع، فاحتميت في إحدى الزوايا واستجمعت قوتي وشجاعتي ورميت بالقنبلة على السيارة، وهربت بسرعة الحصان، بسرعة فائقة خوفاً من أن يقنصني أحد الجنود من أي مكان وأنا ممسكاً بالخرسة أو بالحلقة حق القنبلة، ولم أدرِ هل كانت الرمية موفقة 100 % أم أنها أخطأت الهدف، نظراً لفزعي، باعتبارها أول عملية أقوم بها من هذا النوع وبدون غطاء من بعض الرفاق، ولكن أخبرني بعد العملية أحد الرفاق وهو «ناصر راوح» الذي قال لي: إن عدداً من الجنود أصيبوا بشظايا القنبلة بعضهم في ظهره وبعضهم في رأسه، وأنهم شُوهِدوا والدماء تنزف على أجسادهم، فعرفت أن القنبلة لم تقع في وسط الجنود، كما كنت أريد وإنما انفجرت في أحد أركان السيارة، لأنه لو كانت انفجرت في وسطهم لقتلت عدداً منهم وجرحت آخرين، فتأسفت، ولكن قلت هذا أول درس أتعلمه وهي أول عملية أقوم بها، وكانت مجرد اختبار لي من قبل الجبهة التي سأنتمي إليها لمعرفة شجاعتي ومدى إقدامي على التضحية.
وهكذا تم قبولي وواصلت نضالي بعد هذا الاختبار في إطار جبهة التحرير، وقبل الحرب الأهلية جاءت قوة بريطانية وقامت بقصف منزلي في المنصورة بواسطة رشاش متوسط بشكل مكثف وعنيف من مختلف واجهات المنزل فكان كالمنخل، وبفضل الله لم يكن أحد في المنزل، وعرفت بعدها أن الأمر كان مقصوداً وأنه كانت هناك وشاية بأن هذا المنزل هو لأحد أعضاء جبهة التحرير، فقمتُ فوراً بأخذ سيارتي، وأخذت رسالة من هاشم عمر و خالد المفلحي بعدم اعتراضي في الراهدة أو أي مكان، وسافرت بعائلتي، وعدت بعدها إلى عدن.
وبعد ذلك واصلت النضال، ولكنني لم أقترب من منزلي في المنصورة.. ثم حدثت الحرب الأهلية بين الرفاق في الجبهة القومية وجبهة التحرير، وقامت عناصر الجبهة القومية المدعومة بالجيش الاتحادي بقصف منزلي بالقذائف ودمروه بالكامل، وقُتِلتْ فتاة في المنزل المجاور وأصيبت أخرى إصابة بليغة، كما أصيب آخرون بشظايا متعددة.. وفي هذه الحرب حسم الموقف لصالح الجبهة القومية بدعم من جيش الاتحاد الذي استخدم دباباته ومصفحاته في قصفنا، فهربت ضمن العديد من عناصر جبهة التحرير إلى الشمال ناجين بأرواحنا وتلبية للنداء الموجه من عبدالقوي مكاوي من القاهرة الذي ناشد فيه مناضلي جبهة التحرير بالتوجه إلى شمال الوطن، وللمشاركة في فك حصار صنعاء (حصار السبعين)، فغادرت أولاً إلى قريتي في ماوية، وأرسلت رسولا من زملائي إلى المناضل سالم يسلم الهارش في تعز (أحد قادتنا)، ما إذا كان يريدني الحضور إلى تعز لأن جميع رفاقنا الفدائيين من جبهة التحرير كانوا قد تجمعوا في تعز استعدادا لفك حصار صنعاء من ناحية معبر ونقيل يسلح، فذهب وأخبرني بأن عليَّ الالتحاق بالفدائيين، فالتحقت برفاقي وانتقلنا إلى الحوبان، وقمت بتدريب زملائي، ثم أخذونا إلى معبر في الطريق إلى نقيل يسلح، وعندما تقدمنا إلى قاع جهران، تم القصف علينا بقذائف المدفعية، فقفزنا من فوق السيارات وواصلنا تقدمنا سيراً على الأقدام متفرقين لتفادي الإصابات، بينما هرب السائقون بسياراتهم إلى الخلف وعليها أغراضنا، ووصلنا إلى نقيل يسلح ليلاً وتمركزنا هناك..
وأذكر من زملائي في جبهة التحرير الذين شاركوا في هذه العملية: أحمد عبده سعيد، بجاش الظرافي، محمد عبده الحاج، نصر صالح بن صالح جوهر اليافعي، محمد عبده مرشد، أحمد الجعشاني، علي محمد باضريس، أحمد عبدالله الحيك، عبدالله سالم النزاع، محمد عبدالله العزاني، حسن دائل، رفيق سالم إبراهيم، علي بن علي البوري، ناصر باسويد، محمد عبدالعزيز، أحمد حسن غالب البحر، واستشهد في تلك العملية الرفاق: سالم الهارش، هاشم عمر، نصر بن سيف، محمد بن فريد ومحمد عبدالله الحاج البصير، رحمهم الله رحمة الأبرار.
وهؤلاء من رفاقي الذين أعرفهم، وهناك الكثير ممن شاركوا واستشهد الكثير منهم قَدِموا من مناطق أخرى غير عدن، من ردفان والصبيحة مع علي بن علي، وأصحاب ردفان جاؤوا مع بليل لبوزة. وبعد تمركزنا في قمة يسلح تقدمنا صباحا على طريق خدار، جابوا لنا دبابة واحدة، فواجهتنا القوة الملكية بالقصف، وخضنا المعركة حتى المساء وأحرزنا تقدماً نحو خدار، والتقينا بسنان أبو لحوم فقال لنا: احذروا أنتم مبيوعون.. وفي الليل اشتد القصف علينا من كل اتجاه، وعانينا من نقص شديد في الذخيرة والغذاء، فكان أصحاب القرية يبيعون لنا الشربة الماء بريال والحبة التمر بريال. وفي الليل انسحبنا إلى معبر ونحن في حالة تعب وجوع، بعد أن فقدنا أعز وأغلى الرجال، ولكن في سبيل حرية الوطن وكرامته كل شيء يهون.
كتب / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى