إلى علماء وحكماء وعقلاء اليمن

> يحيى عبدالله قحطان

> قال الله تعالى: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ * وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ * وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان

لا ريب إنّ ما حدث ويحدث في اليمن - شمالا وجنوبا - من اختلالات أمنية، وأفعال مأساوية، ومجازر وحشية وحروب عبثية، واغتيالات جماعية، وتفجيرات انتحارية هنا وهناك، لم يشهد لها التاريخ مثيلا، لا في عهدي الاستعمار البريطاني والإمامة، ولا في عهد التشطير، حيث أصبحت اليمن - للأسف الشديد - ساحة للصراع المحلي والإقليمي والدولي.. كل هذه الأفعال المشينة والحروب الهمجية، والتي تغذيها قوى النفوذ والتكفير والتعصبات الحزبية والمذهبية والطائفية والسلالية المقيتة، والاستئثار بالسلطة والثروة، والمنطلقة من أجندة اتفاقية (سايكس بيكو، والفوضى الخلاقه)، تعتبر من الأعمال الوحشية ومن الجرائم النكراء التي لا تسقط بالتقادم، والتي يمقتها ديننا الإسلامي الحنيف، وسائر الديانات السماوية، والأعراف الدولية، بل إنها تعتبر اعتداء على إسلامنا ومصائرنا ومستقبل أجيالنا.
والسؤال الذي يضع نفسه أمام علماء وحكماء وعقلاء اليمن: أي ذنب جناه الجنوبيون الوحدويون حتى تشن عليهم الحرب العدوانية التكفيرية عام 94م من قبل المؤتمر والإصلاح وحلفائهما، تحت مبرر أن الجنوبيين (شوعيون). وفي عام 2015م تشن الحرب الثانية على شعبنا الجنوبي اليمني العربي المسلم، من قبل المؤتمر و(أنصار الله) وحلفائهما، تحت مبرر أن الجنوبيين (داعشيون)؟.. وبالله عليكم - يا أخوة الإسلام - كيف تحوّل شعبنا الجنوبي المسلم من شوعيين إلى داعشيين؟! وفقا لفتاوى التكفيرين الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.. مالكم يا قومنا؟! كيف تحكمون؟!.
وقبل هذه الحرب - الأخيرة - حدث الانقلاب على الشرعية الدستورية ممثلة بالأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية، حيث تم فرض الإقامة الجبرية عليه في صنعاء، وبعد تمكنه من الإفلات منهم تم ملاحقته إلى محافظة عدن للتخلص منه.
وفي هذا الصدد، ليعلم أولئك الذين خططوا للعدوان، وإصدار فتاوى التمترس والتكفير باجتياح عدن المدنية والحضارية وجنوبنا المسالم، أنهم بذلك قد ارتكبوا ظلما عظيما، وخطأ كبيرا، وإثما مبينا، وبذلك العدوان الوحشي يكونون قد أصابوا الوحدة الاندماجية التي تحققت بين دولة الجنوب ودولة الشمال عام 90 قد أصابوا هذه الوحدة المغدور بها في مقتل، والله المستعان.
وهنا يتساءل الضمير اليمني والعربي والإسلامي: بأي حق يتم انتهاك حرمات الله وتقويض السكينة العامة والسلم الاجتماعي، والحياة الإنسانية المعصومة التي كفلها الله عز وجل وحرم الاعتداء عليها، وتقويض أمنها وعيشها وسعادتها في يمن الإيمان والحكمة؟ وخاصة في الجنوب المسلم والمسالم بعلمائه الربانيين الذين نشروا الإسلام في شرق آسيا وأفريقيا وأنحاء الأرض، ترى من هدم المدن والقرى والمساجد والمدارس والمستشفيات على رؤوس ساكنيها؟ من قتل الحرائر الماجدات المحصنات المؤمنات الجنوبيات والشماليات، والأطفال في أحضانهن، والأجنة في أحشائهن؟ من قتل العلماء وأئمة المساجد والعجزة والمدنيين المسالمين، والجنود والضباط والكوادر، وأخيرا الهجوم على مقر البحث الجنائي بمحافظة عدن في خورمكسر؟
“وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”
أي ذنب جنته عدن الوادعة، عدن المدنية الحضارية والمسالمة، عاصمة الجنوب، وحاضنة اليمانيين، شمالا وجنوبا؟ حتى يتم إعلان حرب الردة والانفصال عليها، وقتل واستباحة دماء أبنائها، وترويع وتشريد أهلها وساكنيها المدنيين، وتعريض عدن والجنوب للسلب والنهب للمعسكرات والمنشئات والمصانع والتعاونيات، والممتلكات والأراضي العامة والخاصة والثروات، وتسريح المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية للدولة الجنوبية؟ حتى أصحاب الأقلام الحرة تم الاعتداء عليهم والتنكيل بهم، كما حصل لصحيفة “الأيام” الغراء، المنبر الحر لكل اليمنيين، والاعتداء على مقرها ومنزل رئيس تحريرها في صنعاء وعدن، ومحاولة اغتيال المناضل الكبير الشهيد بإذن الله تعالى (الأستاذ/ هشام باشراحيل)، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، واستمرار سجن حارسها المناضل أحمد عمر المرقشي، ظلما وعدوانا.
وكذلك ما حصل ويحصل حاليا من فتن ومحن وتجويع وتنكيل وتشريد وحروب وحشية، في سائر المدن والقرى اليمانية شمالا وجنوبا.. نخرب بيوتنا ونسفك دماءنا بأيدينا، ويقتل بعضنا بعضا بدم بارد، لا يعرف القاتل لماذا قَتَل، ولا المقتول لماذا قُتِل، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. مع العلم أن ديننا الإسلامي الحنيف، برسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قد جاء ليعصم ويحفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولكي ينشر السكينة العامة والسلم الاجتماعي والعدالة والمحبة والحرية والمساواة، والتآخي والوئام والتسامح والأمان، والتصالح والسلام، والتعايش السلمي بين كافة الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم، ومن أجل ذلك حرم الإسلام تحريما قاطعا قتل النفس المعصومة والاعتداء عليها بأي حال، وخاصة قتل النساء والأطفال والشيوخ والعلماء وذوي العاهات والمدنيين، وحرم قصف وهدم المساجد على رؤوس المصلين، والمساكن على رؤوس ساكنيها المدنيين الآمنين.
فهذا رسولنا الأكرم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يوصي قادة الجيوش الإسلامية عند محاربة الكفار الحربيين المعتديين قائلا: “لا تقتلوا طفلا لا تقتلوا امرأة ولا شيخا ولا كاهنا في صومعته، ولا تهدموا منزلا ولا تقطعوا شجرا .....”.
ذلك أن للأنفس البشرية - أيّ كانت - حرمة عند الله تعالى وعند خلقه، قال الله عز وجل: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”.
وفي خطبة حجة الوداع قال رسولنا الكريم: “أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار”، وجاء في الحديث الشريف: “من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة”.
فإذا كان هذا المعتدي قد استحق اللعنة، وهي الطرد من رحمة الله، بمجرد الإشارة على أخيه بحديدة، فما بالكم يا - أخوة الإسلام - بمن يعلن الحرب على إخوانه واستحضار جميع أسلحة الدمار الشامل، ليهلك الحرث والنسل، ويدمر العباد والبلاد، والقضاء على كل المنجزات والبنى التحتية، والإفساد في الأرض بعد إصلاحها، كما حصل بإعلان الحرب العدوانية التدميرية على عدن المدنية الحضارية والجنوب المسالم.
وفي هذا الصدد، إذا كانت الحرب العدوانية التي شنت على الجنوب عام 94م، والتي لم تندمل بعد جراحاتها القاتلة حتى يومنا هذا، قد حوّلت الوحدة المغدور بها التي تمت بين الشمال والجنوب عام 90م إلى موت سريري، فإن الحرب الوحشية الثانية، والتي شنت على عدن والجنوب ظلما وعدوانا في شهر مارس 2015م، تعتبر هذه الحرب العدوانية والكارثية بمثابة الموت الحقيقي للوحدة وتشييعها إلى مثواها الأخير، والله المستعان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لذلك كله، فإن المطلوب من علماء وحكماء وعقلاء اليمن، شمالا وجنوبا، والقوى الخيرة والقيادات المحلية والإقليمية والدولية، العمل فورا على وقف الحروب الأهلية والعسكرية العبثية الانتحارية، التي تدار رحاها بين الفرقاء والأطراف اليمانية، وسحب القوات الانقلابية المعتدية من بقية المحافظات الجنوبية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.. مع العلم أن الرهان على الحسم العسكري لن يتحقق، لا لهذا الفريق ولا لذاك، فلن يكون في هذه الحروب العبثية لا منتصر ولا مهزوم ولا غالب ولا مغلوب، بل سيجد الجميع أنهم في الأخير مهزومون جميعا، وسيندمون في حين لا ينفع الندم.
كما ينبغي على علماء وحكماء وعقلاء اليمن إلغاء الفتاوى التكفيرية التي صدرت على شعبنا الجنوبي المسلم، وإعادة كل المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية الجنوبية التي تم تسريحها عام 94.. مذكرين أن اليمن كان في صدر الإسلام يتكون من ثلاثة مخاليف: مخلاف صنعاء، ومخلاف الجند، ومخلاف حضرموت، ولم يعلن رسولنا الكريم الوحدة أو الموت، بل لم يعلن الإسلام أو الموت، الإسلام نعمده بالدم، وهكذا، فمن باب أولى لا إكراه في الدين ولا إكراه في الوحده الاندماجية، مع أن الوحدة خيار سياسي.. وإذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم”، فهل الوحدة المغدور بها، والتي يتغنى بها المتنفذون والفاسدون كذبا وزورا، أعظم عند الله تعالى من الكعبة المشرفة؟ مالكم يا قومنا، كيف تحكمون؟
لذلك، فإنه يجب إعطاء شعب الجنوب حقه الشرعي في تقرير مصيره والذي كفلته الشريعة الإسلامية السمحاء، وكل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، تجمعنا مع إخواننا في الشمال الأخوة الإيمانية القائمة على التراحم والتصالح والتسامح والتكافل والعلاقات المتكافئة والاحترام المتبادل، وتعزيز وشائج القربى وحسن الجوار والمصالح المشتركة، وترسيخ الأمن والاستقرار بين الشمال والجنوب، والعمل على إصلاح ذات بيننا كيمنيين وبين إخواننا في دول الخليج العربي، وخاصه السعودية والإمارات، إصلاح يقوم على حسن الجوار والاحترام المتبادل، والعلاقات الاتحادية المتكافئة (والصلح خير)، قال الله تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مؤْمِنِينَ”.
وكفى الله اليمن شمالا وجنوبا، ودول الجوار، هذه الحروب الدهماء والفتن العمياء، التي وقودها جثث آدمية، والتي أهلكت الحرث والنسل، والبشر والحجر، والمدر والشجر، والله المستعان، قال الله تعالى: “يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ * وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّة ً* وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
اللهم اجمع شملنا، واحقن دماء اليمنين، وإخواننا في دول الخليج، وأمتنا العربية والإسلامية، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وجنبنا الفتن والمحن والحروب والأزمات والأمراض والأوبئة، ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمين،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى