معالم تاريخية تتعرض للإهمال.. (الدروب السبعة) دلالة التاريخ التي تعكس حضارة عدن القديمة

> تقرير/ وئام نجيب

> تمتاز مدينة عدن بموقع طبيعي جذاب، بحكم موقعها الجغرافي، وشواطئها الفسيحة.. فهي مدينة تقع على فوهة بركان خمد منذ ملايين السنين.
تعدّ صهاريج عدن من أبرز المعالم التاريخية في المدينة، والتي يزورها العديد من الزوار المحليين والسياح العرب والأجانب، الذين يتطلعون لرؤية عمق الحضارة، واستنشاف عبق التاريخ.فصهاريج عدن تقع في مدينة كريتر التاريخية (مديرية صيرة)، وهي عبارة عن ممرات مياه تقف تحديدا بوادٍ يُعرف بـ "وادي الطويلة".
"الدروب السبعة" التي يمتد بناؤها إلى مئات السنين، وهي تقع ضمن المرتفع الجبلي لصهاريج عدن، ويبدأ امتدادها من أعلى معبد في منطقة (الخساف) وحتى منطقة (البوميس) في مدينة كريتر، ويبلغ ارتفاعها ما بين 15 - 18 مترا، وعرضها ما يقارب الـ20 مترا، وتتفاوت هذه المسافة من درب إلى آخر، ومن جبل إلى آخر.
شيدت هذه الدروب من مادة (البوميس)، وتم إعادة ترميم بعضها حديثاً بمادة الإسمنت العادية، هذه الدروب تشبه بهيئتها الوديان، وتكمن فوائدها في التقليل من تدفق مياه الأمطار التي تتجمع لتصب في مجرى الصهاريج..ولكل درب من هذه الدروب مجرى خاص، ولا توجد مسافة معينة بين درب وآخر.
تنسب بعض المصادر تاريخ هذه الدروب السبعة الواقعة في هضبة الطويلة، أو ما تسمى بحواجز (سدود) هضبة شمسان، ومصارف المياه، بحسب كتاب أبي المجاور إلى عهد “البرابر” الذين ملكوا البلد، وسكنوا الوادي، وهم أول من بنى تلك الصرائف في مدينة عدن.
ارتبطت تلك (الصرائف) بمعالم الهضبة الواقعة في مجاري المياه المنسابة إلى وداي الطويلة بمدينة كريتر.. وقد ورد ذكرها في مصادر ما قبل القرن التاسع عشر، لما لها من أهمية بالغة في حياة المدينة، فهي مازالت منتصبة، وتؤدي وظائفها حتى اليوم.
صورة توضيحية
صورة توضيحية

ويوجد بهذا الخصوص مرجعان محليان للمؤرخين: حمزة لقمان، وعبدالله محيرز، باعتبار هذه الدروب من المعالم الأثرية في عدن، وما هو موجود حالياً في الطويلة يمثل الجزء المتبقي من مجموعة الشبكة المائية التي كانت تنشر في أرجاء المدينة، وقد لقيت اهتماماً بالغاً من قبل المستعمر البريطاني، حيث تم استغلالها لتغطية احتياجات السكان، وكذا لاحتياجات ثكناتها العسكرية، وقد عمد الاستعمار البريطاني إلى تحويل هذه الدروب إلى مجمع مائي، بعد القيام بعملية إزالة وإضافة وتعديل يغاير نظام الصهاريج (كصرائف) بحسب ما أشار إليه ابن المجاور.
*وظائف الدروب السبعة
أكدت عملية التنقيب وأعمال المسوحات والترميم التي تم إجراؤها مؤخراً على هذه الدروب بأن صهاريج الطويلة، عدا الخارج عن الوادي، كانت تستخدم كمصارف للمياه، وقد تم نحتها وتشييدها على صخور الجبل كصرائف كانت معلقة، تختلف في طبيعتها عن وظيفة الصهاريج كـ"خزانات"، وهي تقوم بوظيفة تلقف المياه المنحدرة وتوجيهها بشكل دقيق من مصرف إلى آخر، بعد عملية تخليصها مما تحمله من (طمي وحجارة) لتصل خالية إلى الصهريج الدائري الواقع خارج الوادي الذي شيد أساساً ليكون خزانا للمياه.
يعتمد في الأصل نظام وادي الطويلة كنظام تصريف للمياه، لا كنظام تخزين لها.. وقد شيّدت سدود وحواجز في مجاري المياه في الهضبة الفوقية المؤدية إلى وادي الطويلة لتقوم بنفس نظام وظيفة الصرائف.
*الغاية من بنائها
هناك ثمانية معالم متصلة بواديي الطويلة والخساف، باستثناء ما يوجد في نهاية المجرى المطل على معبد الفرس. وتشير بعض صفحات المؤرخين إلى أن تلك المعالم تقع في هضبة الثمانية السدود والحواجز.

وذكر المؤرخ حمزة لقمان أن “واحد من تلك المعالم الثمانية يشرف على صهريج (أبو سلسلة).
وبحسب إشارته فإن السد المبني في أعلى المضيق الجبلي، المعروف باسم (بركة عنبر) قد بُني عند اكتشاف الصهاريج، وكان سبب بناء هذا السد هو منع الطين والحصى عند عملية انجراف مياه السيول إلى جوف الصهريج الأول التابع في الأسفل.
ويرجع لقمان إلى انه فوق (بركة عنبر) توجد ثلاثة خزانات، حيث تتوجه المياه نحو البركة ومن ثم إلى الصهاريج، وفي ذات البقعة يمكننا أن نرى شكل (السبعة الدروب).
*علاقة الصهاريج بالدروب
تختلف (الدروب السبعة)، بحسب مرجعي لقمان ومحيرز، عن جميع السدود (الحواجز المائية)، بمعنى أنها تشمل سد بحيرة الخساف، وسدود الطويلة الستة، والتي عُرفت فيما بعد لدى سكان المدينة القدامى بـ(الدروب السبعة)، لتستمر تلك التسمية متداولة حتى الآن.
يستنج المؤرخ عبدالله محيرز في أحد كتبه أن هناك ترابطا متلازما بين بناء السدود (الحواجز) في هضبة صهاريج الطويلة كـ(خزانات)، وهناك من يؤكد أن بعض السدود تم استحداثها فيما بعد.

يقول محيرز بشأن الصهاريج بأن هناك نظامان درج الناس على تسميتها بالصهاريج، وهي تسمية افتقرت إلى الدقة. ويستطرد موضحاً أن النظام الأول هي عبارة عن صهاريج تنتشر داخل المدينة، هدفها خزن المياه وحفظها، والنظام الثاني يوصف بالخزانات المعلقة، وهي وسيلة لتلقف المياه المنحدرة من رؤوس الجبال في وسط المدينة.
وبحسب إشارة محيرز فإن التمييز بين النظامين الأول والثاني يصبان في نظام واحد وهي صهاريج الطويلة، التي تغير نضامها بحسب ما أراد بناؤوه الأولون من مصارف واستبدالها بنظام الخزانات، لتلحق بها تشييد السدود في الهضبة كبديل لنظام المصارف.
*إهمال وتجاهل
بالرغم من الخلفية التاريخية التي تمت الإشارة إليها، ولما تتمتع به من خصوصية حضارية امتازت بها المدينة منذ قدم عصورها، وما تمثله وظائف هذه (الدروب السبعة) من وظائف حيوية ومحورية في تقنيات خزن المياه وحفظها، والتي تعد واحدة من أهم المشاريع التاريخية التي بناها الأجداد، إلا أنه من المؤسف ما تتعرض له هذه المصارف (الدروب السبعة) في الوقت الحالي من عمليات طمس وتخريب بوسائل متعمدة، دون أن تقوم الجهات المعنية بالحفاظ على مكنوناتها كدلالة تاريخية مهمة تؤرخ لحقبة زمنية تعد من أهم المراحل التاريخية التي شيدتها المدينة لتحفظ معها هوية التاريخ والإنسان، وذاكرة المكان والزمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى