لم يعد منه سوى الحيطان والتراب.. متحف أكتوبر بردفان صرح ثوري عريق أصبح من الماضي

> رصد/ رائد محمد الغزالي

> تعد منطقة ردفان بمدينة الحبيلين في محافظة لحج رمزاً للثورة والثوار منذ ثورة الـ26 من سبتمبر التي اندلعت في شمال اليمن ضد نظام الإمامة وكان لأبناء ردفان من ثوارها الأبطال بصمات فيها، ثم جاءت ثورة 14 أكتوبر في الجنوب وكان أبناء ردفان أيضاً من صنعها بتضحياتهم الزكية بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة.
هذه الثورة التي اكتنزت جانبا من صورها في (متحف ردفان)، والذي افتتح في شهر أكتوبر من عام 1978م، ليتحول بعد حرب صيف 1994م إلى ثكنة عسكرية عند اجتياح القوات الشمالية الجنوب، والتي مارست سياسة العبث والطمس في الكثير من مبانيها ومتاحفها، ومنها ردفان ومتحفها الذي تعرض لأعمال تخريبية مضاعفة في السنوات الأخيرة، حيث نهبت كل ما كانت بداخله من صور ووثائق تعود لثورة أكتوبر المجيدة، حيث تم سلب كافة محتوياته لدرجة سرقة نوافذ وأبواب المتحف مع الانفلات الأمني الذي شهدته المدينة منذ سنوات، ولم يعد يغطي جدران المبنى سوى التراب.
تزداد يوما بعد يوم المطالب الشعبية بسرعة إعادة الاعتبار لهذا المتحف الأثري، والذي مضى عليه الكثير وهو بهذه الحالة المزرية، ما يدعو إلى التحرك الجاد من قبل السلطات المعنية لإنقاذ الصرح الثوري التاريخي.
*متحف التاريخ المعاصر
يقول بالليل طاهر حيدرة، وهو ناشط في شبكات التواصل وله عدد من المقالات التي تتناول الوضع العام في ردفان، “أبناء ردفان لا يحبون أن يروا استمرار منظر متحف ردفان بهذا الشكل المؤلم”، لافتا إلى أن “الحديث عن إشكالية متحف ردفان قديم ومتجدد، فهي جريمة يتعرض لها، ولا يمكن أن تمحى بمرور الزمن”.
ويضيف: “صورة المتحف من الداخل تشوهت إلى حد بعيد، ومن ينظر إليه من الداخل يشعر بالأسى والحسرة ويشعر أن هذا المتحف ينزف حتى اللحظة”.
ويواصل حديثه: “فالمنظر الخارجي للمتحف يبدو للناظر أنه متماسك وصامد بحكم قوته ومتانته برغم ما يخفيه من جروح وآلام، وهو واقفً كالطود المقاوم والصامد منذ سنوات طويلة”، مشيراً إلى أن “مشكلة متحف ردفان لم تعالج منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن”.
*إفراغه من محتواه
منذ عام 1994م ومتحف ردفان لايزال مجرد مبنى تم إفراغه من محتواه بعد أن كان يمثل أهم ذاكرة تاريخية لمنطقة ردفان، لما يحتويه من صور تعبر عن شموخ ثورة أكتوبر، ومن تحف وأدوات حرفية وحربية ونقوش ومخطوطات قديمة، وكذا احتوائه على وثائق تاريخية تحكي عن تاريخ منطقة ردفان، ومحيطها على مر العصور، ومن هذه الآثار ما هو ضارب بعمق التاريخ، ومنها ما تتحدث عن وقائع وأحداث واكبت المراحل القريبة التي عاشها الآباء والأجداد.
عندما تم إنشاء هذا المتحف في عام 1978م استبشر أهالي ردفان خيراً وبادروا برفد هذا المتحف بما يكتنزونه من تحف وأدوات قديمة، وبذلوا جهودا للبحث عما يمكن إيجاده من كنوز أثرية كانت مخبأة في جبال ووديان وشعاب وكهوف المنطقة، حتى اكتشفوا ووجدوا الكثير منها، ووضعوها في هذا المتحف لحمايتها والتعريف بها.
يتطرق بالليل إلى أن “هذا المتحف يضم في جنباته عددا ليس بالقليل من أدوات ومخطوطات قديمة ووثائق حديثة تروي فصول تاريخية مختلفة عاشها الإنسان في هذه المنطقة، ومثلت جزءا هاما من تاريخ شعب الجنوب الحافل بالأحداث والقصص والمآثر التي سجلها التاريخ”.
*مميزات متحف ردفان
يذكر بالليل في حديثه عن المميزات التي كانت تتوافر في المتحف، وقال: “أكثر ما كان يميز متحف ردفان هو وجوده في منطقة انطلاقة الثورة الشعبية التحررية التي انطلقت من أرض الجنوب في 14 أكتوبر عام 1963م ضد الاستعمار البريطاني، ليكون شاهدا على هذه الثورة وخير من وثق لها، وروى فصولها ومراحلها”.

ويستطرد: “ولأن الثورة لم ترقَ للعديد من قوى الظلام وأذنابها في الداخل لم تسلم من مؤامرتهم، ولا عجب في أن تعتبر تلك القوى الحاقدة متاحف الجنوب عامة ومتحف ردفان خاصة من أولويات خارطتها التدميرية، التي تجلت في حرب صيف 1994م، حين اجتاحت تلك القوى أراضي الجنوب وقامت بالعبث لكل ما يتصل بالهوية والتاريخ لشعب الجنوب”.
*مطلب شعبي ورسمي
يطالب العديد من المهتمين بعلوم الآثار والمتاحف التاريخية بضرورة أن تكون هناك التفاتة شعبية ورسمية على أعلى المستويات لإعادة المتحف إلى سابق عهده، قائماً بدوره في أداء رسالته الوطنية والتاريخية، حيث لايزال هذا المتحف الأثري على ما هو عليه من حالة الإهمال المتعمد الذي يعتريه، دون مراعاة الغرض المهم الذي نشأ لأجله، على الرغم من التغييرات الإدارية التي حصلت للمسؤولين في مجالس الإدارة المحلية في محافظة لحج، إلا أنها لم تحرك ساكنا، أو تبدي أدنى اهتمام، وهذا ما يدعو للعجب والاستغراب.
*اعترافات رسمية
حديث السلطة المحلية في ردفان عن حال هذا الصرح التاريخي والثقافي، والجهود الساعية لانتشاله من واقعه الحزين، فقد كان لنا لقاء مع مدير عام مديرية ردفان، عميران ناصر الجهوري، للرد على بعض التساؤلات التي حملناها في جعبتنا للوقوف أمام حالة الإهمال التي يتعرض لها هذا المتحف.
والذي بدوره أجاب: “نحن نشعر بالأسى على حال هذا المتحف الذي يختزل ذكريات مجيدة عن ثورة 14 أكتوبر، وعن أهم مراحل مديرية ردفان”.
وقال: “هذا المتحف الذي يشكل مرجعية للأجيال المقبلة، ولكل الزوار الذين يريدون معرفة الكثير عن ثورة أكتوبر، وصناعها”.
واعترف مدير عام المديرية في سياق حديثه قائلاً: “من موقعنا كسلطة في المديرية فإننا نتجاهل ذلك، ولا يوجد لدينا إحساس بهذا الصرح وشعورنا يشبه ما يشعر به أي مواطن في ردفان، من حالة عدم رضى لما هو عليه متحف الثورة، والذي أصبح خاويا من محتواه، ولم يعد يوجد فيه سوى المبنى، وتمثال الشهيد راجح لبوزة”.
وحيال دورهم كسلطة محلية معنية بشأن ما تعرض له هذا المتحف الثوري، قال: “منذ أن تسلمنا زمام قيادة هذه المديرية ونحن لا تتوفر لدينا أية إمكانية لنقوم بعملية إحداث عمليات ترميم لأي جانب من جوانبه”، وأردف: “لو كانت لدينا تلك الإمكانات لما ترددنا في عملية الترميم لأن هذا الأمر يهمنا جميعاً”.
وعن مساعيهم للبحث عن دعم من قبل الجهات المختصة والمؤسسات والمنظمات، أجاب: “كما تعلمون أن الوضع العام في البلاد سيء، وهناك خدمات وجوانب تخص الحياة اليومية لم تستقر بعد، ونأمل في متابعتنا لسلطة محافظة لحج ومن من يهمهم الأمر بأن يكون هناك تحسن في الخدمات”.
وما يخص مستقبل المتحف، قال: “متحف الثورة سيكون ضمن الجوانب المهمة التي سنضعها في حسابات إعادة تأهيلها، ونناشد السلطة المحلية بمحافظة لحج أن تساعدنا على إعادة ترميم هذا الصرح التاريخي الثوري ليعاود نشاطه، كما نناشد المنظمات الدولية المعنية بالاهتمام بالمباني التاريخية والمعالم أن تأتي إلينا، وتعمل على تأهيل هذا المتحف”.
وفي رده على استفسار حول رفض من قبل الأشخاص الذين يدعون حقهم بالتعويض لكونهم ملاك للمكان الذي أنشئ عليه مبنى المتحف، قال: “نحن سمعنا عن ذلك ولم نلتقِ بأحد على أرض الواقع، ونحن لا نمتلك الإمكانية لنقوم بالعمل حتى يمنعنا أحد من أعمال الترميم، فإذا جاءت منظمة أو تحصلنا على الدعم والمال للقيام بالعمل عندها سنعرف إن كان ذلك فعلا أم لا، ولكل حادثة حديث”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى