بركان عدن الأزلي

> جمال حسين عبدالباري

> عدن تجذب الناس إليها جذباً بشواطئها الذهبية الندية، وببحرها الصافي من الأدران، وبتلك السلاسل الجبلية البرونزية الحالية، التي تتسورها وتحف وتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم.
جمال  عبدالباري
جمال عبدالباري

ولكن هناك الكثير من الذين لا يعلمون أن مدينة عدن ستكون نهاية المطاف البشري، بل ونهاية العالم برمته، والسبب أنها تنام على فوهة بُركان منذ الأزل.. فما قصة هذا البركان العظيم؟ ومتى سينفجر؟ ولماذا عدن؟.. تساؤلات كثيرة حيرت العلماء والمستكشفين والمؤرخين. أطلق عليها الإنجليز اسم كريتر (CRATER)، أي (فوهة البركان)، وقال أحد العلماء المستكشفين: «إن البراكين المتواجدة في هذا العالم ما هي إلا مجرد ألعاب نارية FIRE GAME أمام بركان عدن»، وقال المؤرخ الانجليزي «هارلد جيكوب» في كتابه (ملوك العرب): «عدن القلعة التي تلفحها الشمس والواقعة عند فوهة البركان، وتتحكم في البحر الأحمر». وقد ذكرت عدن في أحاديث نبوية صحيحة، بأن النار التي تخرج من قعرها هي آخر العلامات الكبرى لأشراط الساعة، وأول آيات القيامة، ومنها قول نبينا الله صلى الله عليه وسلم: «ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس». (رواه مسلم)
وقال عنها المؤرخ «ابن المجاور» في كتابه (تاريخ المستبصر): «يخرج يوم القيامة من صيرة عدن نار تسوق الخلق إلى المحشر».
مدينة عدن عبارة عن شبه جزيرة تقع في السواحل الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية، على خط 45 شرقاً، وخط عرض 13 شمالاً، وهي بطبيعتها ذات نشأة بركانية. ويعتبر بركان عدن أحد المراكز الستة التي تقع في خط بركاني واحد تمتد من باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر حتى مدينة عدن، وعلى شواطئ هذه الجزيرة العربية وتحديداً في طرفها الجنوبي والذي يطل على البحر الأحمر ومن خلال (بوابة الدموع) تقع هناك فوهة البركان الخامدة كحضن طبيعي منيع لعدن، والقابع منذ قرون مضت، والذي يحمي المدينة ويحرسها من الغزوات بكافة أشكالها عبر سلسلة من الجبال عن طريق برزخ رملي ذي ممر ضيق وميناء طبيعي بمنتهى الروعة والجمال، حيث يعتبره الصيادون وطنهم المثالي منذ قدم التاريخ.. وجبل شمسان يبلغ ارتفاعه 1775 قدماً عن سطح البحر. وفوهة هذا البركان خامدة، وهي في أعلى قمة هذا الجبل ومن المحتمل أيضاً أن هذه الجزر البسيطة المنتشرة في بحر المعلا حتى البريقة (عدن الصغرة) هي نتيجة فعلية لانفجار هذا البركان منذ القدم».
ويحدثنا «أبو الفداء إسماعيل بن علي» في كتابه (تقويم البلدان) أنه «ورد خبر من مكة حول مشاهدة النار وهي تنفجر بالقرب من عدن والجبال المجاورة لها، وذلك في سنة 1253م، وكانت هذه النار شديدة الاتّقاد، ولاسيما في المساء، وكان يتصاعد منها أعمدة من الدخان.. وبطبيعة الحال فإن شبه جزيرة عدن هي بدون شك ذات طبيعة بركانية، وبركان عدن حتى وإن كان خامداً فهذا لا يعني عدم وجوده، فهو يعتبر أقوى بركان في تاريخ الأرض، ومن أشهر براكين العالم».
بل عندما تمت دراسة براكين عدن من قبل البعثة الملكية لعلوم البراكين البريطانية خلال عام 1964م بدأ البروفسور البريطاني «لورد جيمس» في ورقته العلمية أول سطورها بقوله: «إن البراكين الحالية ما هي إلا ألعاب نارية أمام بركان عدن!!». وكتبت «اميلي وبير» مقالة «هنا يبدأ الزمن، وهنا ينتهي»، المنشورة في مجلة «المُختار» 1979م، عن بركان (كراكاتو) في أندونيسيا، والذي انفجر في عام 1883م: «حيث اعتبر أقوى بركان في الذاكرة البشرية المتدونة، وتسبب في قتل الآلاف من الناس، وسُمع دوي البركان على بُعد مسافة 5000 كم (خمسة آلاف كيلومتر)، وحجب الدخان البركاني ضوء الشمس لمدة أسبوع عن الأرض، وأدى الانفجار إلى اختفاء معظم الجزيرة التي كانت مساحتها 27 كم، في المحيط.. وقد قدرت القوة التفجيرية لذلك البركان بحوالي مائة قنبلة هيدروجينية!!». كل ذلك ويعتبر ذلك البركان كألعاب نارية بالمقارنة ببركان عدن!
إن القدرة الإلهية قد جعلت كل شيء في هذا الكون الفسيح له نهاية حتمية لا جدال فيه. ولو نرى في هذه الأزمنة الراهنة وكيف تموج الحياة فيها بالصراعات العنيفة، وتلك الحروب الدامية المأساوية التي تدور رحاها ما بين البشر، ومنها حدوث الكوارث الطبيعية والبشرية، وما يدور في هذا الفلك العجيب من تسارع الأحداث بلمح البصر وسرعة تقارب الزمن حتى لا تصدقه الأبصار ولا تستوعبه العقول.. هل هو حقيق ما يجري في هذا العالم أم ما يجري هو أضغاث أحلام أو ضرباً من الخيال أو ربما تكون قد اقتربت الساعة، ونحن عنها غافلون. واقرأوا إن شئتم عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، قوله: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا وما الهرج يا رسول الله ؟، قال: القتل، القتل» (أخرجه البخاري ومسلم).
إن بركان عدن الماثل أمام الناس والعالم كله ما هو إلا آية من آيات الله العظيمة التي يخوف بها عباده، وما هو إلا مجرد ناقوس إنذار للبشرية جمعاء، في أن يُسارعوا إلى إصلاح أنفسهم وسريرتهم، وأن يسود الحب والوئام والخير والسلام فيما بينهم.. حتى إذا جاء اليوم الذي لا مفر منه تكون صحائف أعمالنا مرضاة لرب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى