محطات نضالية أفضت إلى الـ30 من نوفمبر 1967م (14).. المناضل/ معتوق علي خوباني

> كتب / علي راوح

> مرحلة المقاومة والنضال والكفاح المسلح الذي خاضه شعبنا الجنوبي ضد المستعمر البريطاني لم يقتصر فيه الدور على جهة معينة أو شريحة محددة، أو حزب أو تنظيم سياسي أو جماعة أو قبيلة أو منطقة بحد ذاتها.
بل خاض شعبنا النضال في مختلف مراحله وأشكاله، وشاركت فيه جميع فئات المجتمع من: (سياسيين ومثقفين وأدباء وفنانين ونقابيين وعمال ورياضيين ونساء وطلاب) وغيرهم من أفراد المجتمع).. الجميع أسهموا في جميع مراحل النضال المتعددة الأشكال، ومنها الخيار الحاسم وهو الكفاح المسلح المتمثل بالقيام بالعمليات العسكرية الفدائية التي ألحقت الذعر والرعب في صفوف قوات الاحتلال، وجعلت بريطانيا تنصاع مضطرة لمنح الجنوب استقلاله، الذي تحقق بفضل من الله ثم بفضل تلك الضرابات الموجعة التي قام بها الفدائيون الأبطال في مستعمرة عدن، وفي ردفان منطلق الشرارة الأولى للثورة والتي عمت مختلف مناطق الجنوب المحتل، وبعد نحو 4 سنوات من الكفاح ومن التضحيات ومن الشهداء والجرحى، جاء يوم النصر، جاء يوم الاستقلال المجيد يوم الـ 30 من نوفمبر 1967م.
*رياضيون فدائيون وشهداء
وكان للأندية الرياضية وللرياضيين فيها دور حاضر وملموس، إذ انخرط العديد من الرياضيين في صفوف الفدائيين سواءً في إطار جبهة التحرير أو الجبهة القومية، فقدم الرياضيون التضحيات في سبيل حرية وطنهم وكرامته وسقط العديد منهم شهداء رووا بدمائهم شجرة الحرية التي أينعت وحان قطاف ثمارها يوم الـ 30 من نوفمبر 67م.. وفي هذه العجالة نذكر بعض الشهداء الرياضيين وأبرزهم: الشهيد محمد علي الحبيشي (الشهيد الأول) من نادي الأحرار بكريتر، الشهيد خالد هندي، من نادي الحسيني بكريتر، الشهيد حامد عبدالله شيخ، من نادي (الواي) بالشيخ عثمان، الشهيد علي سريب، من نادي شباب الجزيرة بالمعلا.. وهناك العديد من المناضلين الرياضيين ممن قدموا التضحيات والفداء، وحملوا رؤوسهم على أكفهم غير آبهين بالمخاطر، ونصب أعينهم ذلكم الهدف الوطني الكبير المتمثل بتحقق الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، فكان أن تحقق الهدف ببزوغ شمس فجر يوم الـ 30 من نوفمبر 1967م.
ولكن مع الأسف الشديد فإن عددا من المناضلين جاءت فرحة الاستقلال وهم في زنازين السجون يعانون المرارة والحسرة، إذ كان البعض منهم يتمنون مشاهدة جنود الاحتلال البريطاني وهم يغادرون عدن خاضعين منكسرين، ولكنهم لم يروا إلا قضبان السجن، الذي قضوا فيه أفراح الاستقلال.
تقول المناضلة/ نعمة سلام في حديث طويل اجريته معها قبل وفاتها: قالت: قدمنا التضحيات منذ العام 1956م، وتعرضت أنا وعدد من زميلاتي المناضلات للقمع وزج بنا في سجن عدن المركزي وتعرضنا للتهديد والترهيب من قبل السلطات البريطانية، لكننا خرجنا وكلنا إصرار على مواصلة النضال، وعندما جاء تحقيق النصر وجاء يوم الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 1967م، ففي عشية الاستقلال داهموا منزلي منتصف الليل، وقادوني إلى سجن (الميتروبول) كما تم اعتقال عدد من الرفاق ومنهم المناضل عبدالله خوباني، ومعتوق خوباني وأحمد حميدان، وآخرين وقضينا أفراح الاستقلال في زنازين السجون، فكان هذا هو التكريم لقاء ما قدمناه من نضال وتضحيات وكفاح طويل ضد المستعمر البريطاني (انتهى حديث المناضلة/ نعمة سلام).
*رياضي مناضل
في هذه الحلقة من (محطات نضالية...) نكون مع أحد الرياضيين المناضلين الذين انخرطوا في صفوف الفدائيين، وقدموا العديد من البطولات ضد قوات المستعمر البريطاني.. ذلكم هو المناضل/ معتوق علي خوباني.
ذهبت إليه في منزله في مدينة المعلا، بعد عودته من رحلة علاج طويلة في الخارج، فوجدته كعادته مبتسماً ودوداً وتلك هي طيبته وأخلاقه منذ عرفته في مطلع الستينيات.
وهو شاب ونجم رياضي في نادي شباب الجزيرة الواقع في إحدى شقق شارع البحتري بالمعلا والقريب من منزلي، زيارتي هذه المفاجئة له جعلته يرتبك من الفرحة بوصولي إليه بعد سنوات من الانقطاع، ارتبك بفرحة غامرة، ولم يدر ماذا يقدم لي وكيف يشكرني على هذه الزيارة غير المتوقعة، فاستغللت طيبة الرجل، وقلت له لا أريد منك شيئاً، غير شيء واحد، وهو أن تستعيد معي ذكرياتك النضالية، (وكنت على علم أن الرجل لم يعد يرغب في أي حديث عن مشواره النضالي).
ولكن الموقف وما يتميز به معتوق من أخلاق عالية لم يستطع رفض طلبي فجلسنا وبدأ الحديث قائلاً:
*نشاطي السياسي تزامن مع نشاطي الرياضي
شوف أخي علي هناك الكثير من الناس يعرفونني كرياضي قديم مارس لعبة كرة القدم في إطار نادي الجزيرة ومنتخب عدن في الستينيات، ويعرفونني كحكم في اللعبة، وربما يعرف البعض أنني كنت قائداً لفريق شباب الجزيرة (شمسان حالياً) عام 1962م، كما كنت عضو الجمعية الرياضية العدنية من عام 62 - 1965م، وكنت عام 1963م السكرتير الرياضي لنادي شباب الجزيرة، ومن ثم نائب رئيس النادي عام 1968م، وبعد اعتزالي للتحكيم عينت رئيس لجنة الحكام الفرعية / عدن في عام 1989، ثم عينت خلال الفترة من 1990 - 1996م أمين سر اتحاد الكرة فرع عدن، ثم نائباً لرئيس فرع اتحاد الكرة بعدن.

وأضاف: وكما قلت لك هذه الأمور يعرفها الكثيرون، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون إلا القليل منهم بأنني كنت أحد المناضلين الذين كان لهم شرف المساهمة في الوطن الجنوبي، المساهمة في الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني، فأنا أوضح لك بأن نشاطي السياسي تزامن مع نشاطي الرياضي، فأنا ومنذ العام 1962م انضممت إلى حزب الشعب الاشتراكي فور تأسيسه وتحملت مسئولية مكتب الحزب في منطقة المعلا، وكانت اتجاهات الحزب في تلك الفترة سياسية ميثاقية وأهدافة وشعاره كان التفاوض السلمي مع السلطات البريطانية للحصول على الاستقلال الوطني، وبعد حين تغير اسم الحزب إلى منظمة التحرير عام 1965م ومن ثم إلى جبهة التحرير، وواصلت عملي السياسي في إطار جبهة التحرير.
*كنا شركاء في النضال فانقلبوا علينا
وكما يعلم شعبنا اليمني العظيم بأسره أن الجبهة القومية وجبهة التحرير، هما الجبهتان اللتان اخططتا طريق الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني من أجل نيل الحرية وتحقيق الاستقلال، وكنا في (التحرير القومية) كنا شركاء نضال واحد ونصبو إلى هدف واحد، وهو جلاء المستعمر وتحقيق الاستقلال وبناء دولتنا الوطنية، ولكن حدث ماحدث والحكاية معروفة فأقصيت جبهة التحرير وحسم الموقف لصالح الجبهة القومية التي ذهب وفدها إلى (جنيف) وتسلمت الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وبعد الاستقلال مباشرة عملت الجبهة القومية على مضايقة ما تبقى من عناصر جبهة التحرير بوسائل غير نسانية، وغير مشروعة، منها التسريح من العمل والاعتقالات، وامتلأت السجون في كل المحافظات بالمعتقلين من عناصر التحرير، ولم نفلت أنا وأخي عبدالله من تلك الاعتقالات، حيث تم اعتقالنا أكثر من مرة، وبهذه الاعتقالات قدمت لنا الجبهة القومية (خدمة بدون مقابل)، إذ تعرفنا على كثير من السجون منها سجن صبر في لحج، وسجن جعار في أبين وسجن الضالع (قصر الأمير سابقاً) وسجن معسكر ردفان وسجن المنصورة المركزي، وخلال فترة الاعتقال التي قضيتها في سجن جعار، كان الأخ العزيز الفنان القدير محمد محسن عطروش يمدني بالثلاث الوجبات الغذائية يومياً، حتى تم تحويلي إلى سجن المنصورة، وهذه لفتة كريمة من أخ وصديق له الجزاء من الله.
وجاء الاستقلال يوم 30 نوفمبر 67م، وأنا وشقيقي عبدالله خوباني معتقلين في سجن المنصورة مع زملاء آخرين فقضينا أفراح الاستقلال في السجن.. وخرجت من المعتقل يوم 19 يناير 1968م، وبعد خروجي قررت التوقف عن لعبة كرة القدم، وكان قراراً مؤلمًا لي ولكن له أسباب.
*الأندية هي القواعد الصلبة للفدائيين
ويواصل معتوق خوباني قائلاً:اسمح لي أخي علي العودة إلى الوراء، إلى الفترة التي اشتدت فيها المعارك ضد قوات الاحتلال البريطاني في الفترة مابين 64 - 1965م، حينها برزت روح الكفاح المسلح بين صفوف مجموعات من شباب الأندية الرياضية، فالأندية كانت القواعد الصلبة التي انطلق منها الفدائيون، وعاشت الكرة أياماً ملتهبة بنار الثورة المسلحة، حيث رفع الرياضييون شعار (البندقية قبل الكرة)، وكان الرياضيون في إطار هذه الصورة التي أوضحت مدى تمسكهم بحتمية النصر لثورتهم التي كانوا يرون من خلالها صورة أحلامهم وأمانيهم، ولذلك فقد سقط منهم العديد من الشهداء كان من بينهم الشهيد محمد علي الحبيشي من نادي الأحرار بكريتر، والشهيد حامد شيخ من نادي (الواي) بالشيخ عثمان، والشهيد خالد هندي من نادي الحسيني بكريتر، والشهيد علي سريب من ناجي الجزيرة بالمعلا.
*شاركت في العديد من العمليات الفذائية
وفيما يتعلق بمشاركتي في العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال البريطاني، فقد شاركت في العديد من العمليات الفدائية، ففي شهر أبريل 67م، عند وصول بعثة الأمم المتحدة إلى عدن، اشتدت العمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال، حيث قمت وبعض زملائي بعدد من العمليات في الشارع الرئيسي بالمعلا وهي رمي القنابل على الدوريات البريطانية التي كانت تجوب ذلك الشارع بالسيارات العسكرية وخاصة في المساء، وكانت هناك فتحات موجودة في آخر كل شارع منها الفتحة المحاذية لصيدلية المعروف (حاليا)، والفتحة الثانية التي يعبر منها عمال الرصيف، والفتحة الثالثة المحاذية لمحل بلياردو الشجرة، هذه الفتحات وغيرها في الشارع الرئيسي قامت السلطات البريطانية بسدها بالبردين للسيطرة الكاملة على الشارع الرئيسي الذي كان أغلب سكانه من الضباط الإنجليز، وهذا كان لصالح الفدائيين، فمن خلفها من الشارع الخلفي قمنا بتنفيذ العمليتين برمي القنابل من فوق الحاجز إلى الشارع الرئيسي ويتم ذلك عندما نشعر باقتراب السيارة المحملة بالجنود إلى موقعنا فنقوم برمي القنابل عليها.
*شاركت في إطلاق النار على جنود في جولة الغزل
كما شاركت مع مجموعة من فدائيي التنظيم الشعبي في المنصورة بإطلاق النار على الجنود كانوا متمركزين في جولة الغزل، وأيضاً في شهر أبريل 67م رافقت الأخ المناضل مصطفى خضر بإدخال كمية من السلاح والقنابل بسيارته الشخصية من المنصورة إلى كريتر وسلمنا السلاح للمناضل هاشم عمر، لأن مصطفى خضر كان ضابطا في الشرطة وعندما يكلف بادخال السلاح إلى أي منطقة يرتدي الزي الشرطوي فلا يخضع للتفتيش، وفي نفس اللحظة قام المناضل هاشم عمر بتوزيع السلاح على الفدائيين الذين كانوا متواجدين معه والمكلفين بالعمليات الفدائية في كريتر، وكنت أنا أيضاً عضواً في لجنة الدعاية والتحريض لمنطقة المعلا ونظمنا عدة مسيرات ومظاهرات.
*أول شهيد رياضي
ويختتم معتوق خوباني حديثه فيقول: اسمح لي أن نتوقف قليلا لنروي قصة أول شهيد رياضي تجسدت فيه كل معاني التضحية، إنه الشهيد محمد علي الحبيشي الذي سيظل يوم 4 ديسمبر 1964م يوم استشهاده يوماً خالداً، حيث كان يوم استشهاده في الملعب وهو يشاهد مباراة وبعدها اتفقنا على الذهاب إلى الحفل الفني الساهر في المساء، وكان طبيعيا مع أنه كان مكلف بعملية فدائية، وعندما خيم الظلام انطلق صوب منطقة الخساف أمام عمارة سالم علي حاملاً قنبلة كان سيلقيها على باص يقل ضباطا إنجليز، وتبيّن له بعد أن فك أمان القنبلة أن الباص فيه أطفال إنجليز فتردد وتراجع في رمي القنبلة، فانفجرت القنبلة بين يديه وسقط شهيداً (رحمه الله).
كتب / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى