وضع جامعة عدن.. كلية الهندسة أنموذجاً !

> قسم التحقيقات

> يقاس مستوى تقدم ورقي شعوب العالم من خلال التطورات الحاصلة في بلدانها المعنية في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا، والإنتاج الصناعي والزراعي، وتوفر هذه التطورات الكادر البشري المؤهل والمتخرج من الجامعات المختلفة لقيادة هذه الدول المعنية.
وللسيطرة على مقدرات أي شعب والتحكم بمصيره تلجأ النخب الحاكمة، والأنظمة الشمولية المستبدة، إلى تعطيل عملية التطور العلمي، وعرقلة التعليم العام والجامعي، لتجهيل شعوبها حتى يسهل التحكم بها، ومنع الفكر الحر للتطور، وتجميد الطاقات الشبابية الواعدة، وعدم إفساح المجال للعقول للتحرر من الماضي والتقدم إلى مواكبة التطورات الحاضرة في الدول والمجتمعات المتقدمة.
كانت من عواصف التخلف والارتداد إلى الخلف في جمهورية اليمن الديمقراطية- سابقاً، والتي اجتاحت الجنوب في يوليو الأسود عام 1994م، حيث تم تدمير مناهج التعليم العام والجامعي بهدف تجهيل الشعب وتركيعه ليسهل من عملية احتلاله، والتحكم بمصير شعبه.
فثمة تدمير ممنهج حدث لدور جامعة عدن في قيادة وتوجيه البلد من خلال حدوث تعيينات سياسية احتلت مواقع أكاديمية، وهذه التعيينات لم تواكب متطلبات العمل الجامعي، بل أثرت هذه القيادات الجامعية على تطور الجامعة، حتى أصبح يوجد فيها حالياً من الكادر العلمي ممن ليس لهم علاقة بالعمل الأكاديمي، و1000 من المعيدين والذين أصبح عددهم كثيرا، وبعضهم ذو مستويات غير مناسبة، ولم يتم تأهيلهم، وكانت النتيجة أن كليات جامعية مثل الزراعة، والهندسة، والطب ستتحول في غضون السنوت القريبة القادمة إلى كليات مهجورة، بعد أن صار أغلب الكادر الأكاديمي متقاعدا، ومنهم من بلغ سن التقاعد، في ظل عدم توفر البديل المناسب إلى الآن.
وتعد كلية الهندسة في جامعة عدن، إحدى النماذج السيئة لهذا التجهيل الممنهج للشباب المتطلع لبناء وتنمية وطنه ومجتمعه.
*الهيئة التدريسية والتعليمية
كان النظام الوطني في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية قد أرسى مداميك نظام تعليم عام، أصبحنا نفتقر إليه حالياً، وأسس بناء نظام تعليم جامعي عاش فترته الذهبية قبل الوحدة اليمنية، وأرسى أيضاً نظام تأهيل سنوي يخص كوادر جامعة عدن في كُل الكليات والتخصصات، حيث تم إرسال الجميع إلى الخارج لأغراض التأهيل والتدريب، وكانت جامعة عدن يشار إليها بالبنان من حيث توفر الكادر البشري وبكفاءة عالية، وفي كل التخصصات.

وبدأ العدد التنازلي من حيث عدم تطبيق نظام التأهيل بعد حرب 1994م حيث شارف هذا النظام على الاختفاء من الوجود حالياً بعد أن تخلفت الدولة عن توفير المنح والدورات التدريبية تدريجياً، نتيجة لتدخل السياسة في أنشطة الجامعة، وفرض أجندات أخرى وبعيدة لا تخدم أهداف الجامعة.
يبلغ عدد الهيئة التدريسية حسب كشف راتب مارس 2015م عدد 156 في الداخل، و22 في الخارج، حيث تعاقب الكثير من رؤساء الجامعة من اتجاه سياسي معين.
وبدأت تظهر بعض التعيينات الجامعية والأكاديمية دون امتلاكها المواصفات والاشتراطات الأكاديمية المطلوبة لشغل الوظيفة، وبدأ تدريجياً التخلص من تطبيق قانون الجامعات اليمنية فيما يخص التعيين الأكاديمي، وبدا الاختلال جلياً في عدم توفر الكادر الأكاديمي بسبب عدم تأهيل الكادر بانتظام، ووصول أعداد كبيرة من الكادر العلمي القديم إلى مرحلة التقاعد.
ونورد في السياق على سبيل المثال لا الحصر:
1- أغلب أعضاء الهيئة التدريسية العاملة في كلية الهندسة والمجربة قد أحيلت إلى التقاعد، وبعضها وصل سن التقاعد ومازال يداوم، ولم يتم تأهيل الكادر الوطني البديل، والذي سيحل محل هذه الكفاءات، وهذه المشكلة موجودة في أغلب مؤسسات الدولة في الجنوب.
2- أغلب المعيدين الموجودين بدرجة (بكالوريوس)، تم تأهيل البعض منهم داخلياً بدرجة (الماجستير) فقط، ولم يتم بعد التفكير في الحصول على التأهيل العالي، أو (الدكتوراه) لعدم توفر الإمكانيات الداخلية، أو المنح الخارجية، وبهذا لا توجد لديهم الإمكانية لتغطية النواقص في المساقات العليا، والمعروف أن التأهيل الداخلي ليس بمستوى التأهيل الخارجي، ومسألة استكمال (الدكتوراه) غير واضحة لحد الآن.
3- هناك مجموعة من المعيدين بدرجة (جيد) وبعضهم قد تجاوز السن القانوني، وهذا لا يطابق نظام القبول في جامعة عدن، فمثلاّ هناك تعيينات تمت من قبل رئاسة الجامعة مباشرة، دون تدخل الأقسام العلمية لموظفين تم تحويلهم إلى معيدين في عدد من كليات جامعة عدن، بعضهم تجاوز سنهم الخمسين عاماً، فمتى سيتمكن هؤلاء من الحصول على درجات (الماجستير والدكتوراه)؟!.
4- هناك معيدون ممن تم إرسالهم إلى الخارج للتأهيل، وقد مرت على البعض أكثر من عشر سنوات ولم يعودوا إلى حد الآن، فمتى سيتم الاستفادة من هؤلاء حيث إنهم من ضمن الهيئة التدريسية.
5- المدرسون الحاليون والذين يغطون المساقات في السنوات الأولى أغلبهم ذوو أعمار صغيرة، وخبرتهم ليست بالكبيرة، وهناك عدد لا بأس به يأتون من مؤسسات تعليمية أخرى، ومن معاهد فنية ومهنية، فكيف يعقل أن يتم تعيين من يفتقرون إلى أساسيات العمل الجامعي، ومعرفتهم ليست كافية بالتدريس الجامعي، والذي يضر بسمعة الجامعة.

6- إن النظام الدراسي في كلية الهندسة بجامعة عدن يعتمد على اللغة الإنكليزية كأساس للتدريس والتدريب، وما نجده معمولا حالياً في كلية الهندسة أن الكثير من الهيئة التدريسية والتعليمية لا يجيدون اللغة الإنكليزية، وهذه مشكلة أخرى، فمثلاً في قسم الهندسة المعمارية أغلب أعضاء الهيئة التدريسية لا تتوفر لديهم لغة إنكليزية بسيطة، والتدريس بالعربي، وعلى ضوء تقدم أبحاث الطلاب، أو أبحاث المدرسين باللغة العربية.
7- الكادر التدريبي الخاص بالورش والمختبرات أيضاً يعاني من الإهمال من قبل الإدارات المتعاقبة على الجامعة والكلية، فلم يتم حتى الآن تأهيل فنيين بمعنى الكلمة لمواكبة التطورات في التعليم الجامعي، أو التطورات في المختبرات، حيث يفضل أن يكون لديهم هيكل رواتب خاص، وترقيات وتأهيل مناسب.
وتعد مخرجات التعليم في كلية الهندسة ليست بالمستوى المطلوب لتدني مستوى التدريس والتدريب، وهذا يؤثر بشكل كبير على مستوى الخريجين.
مدخلات التعليم الجامعي (الطلاب)
مستوى الطلاب المتقدمين: حسب نظام الالتحاق في كلية الهندسة فإنه لابد أن يمر الطلاب بامتحانات القبول، وتجمع نصف علامة الثانوية العامة + نصف علامة امتحان القبول، ويتم ترتيب مستوى المتقدمين على هذه العلامة النهائية، ويتم اختيار عدد أحسن بنحو 70 طالبا في كل قسم، ويتم قبولهم على هذا الأساس.

وللأسف فإنه عند تنفيذ هذه الإجراءات عند القبول فإننا نجد هناك عيوبا لهذا النظام، فمثلاً يتم قبول طلاب ممن فشلوا في مواد امتحانات القبول (الرياضيات، الفيزياء، اللغة الإنكليزية)، وهذا يؤثر على مستوى المتقدمين للدراسة، لاسيما وأن مخرجات التعليم الثانوي ضعيفة بشكل عام، ولكنها تحصل على نتائج عالية في امتحانات الثانوية العامة نتيجة الغش الرسمي، وهذا يعتبر عاملا آخر يؤثر على مستوى المتقدمين.
أعداد الطلاب المقبولين: يلاحظ كل عام أن عدد المقبولين في كل الأقسام العلمية رسميًا 70 طالبا، ماعدا قسم المعمار، وقسم الهندسة البحرية فأعدادها من 40 إلى 25 بالترتيب، ولكن يتم قبول أعداد أخرى وبتعليمات من رئاسة الجامعة، وجهات أخرى لطلاب لم يتقدموا إلى امتحانات القبول، وبذلك ترتفع أعداد الطلاب من 70 طالب إلى أكثر من 100 طالب في التعليم الصباحي، حيث يتم قبول طلاب التعليم الموازي بأعداد تفوق 100 طالب، وهذا يجعل عدد الطلاب لكًل تخصص يصير في حدود 200 طالب تقريبا لكُل سنة دراسية.
وهذه الأعداد يتم دمجها مع بعض أثناء تغطية المحاضرات والمختبرات.
الإمكانيات العملية والتعليمية
1-الهيئة التدريسية: نتيجة لوجود هذه الأعداد المتزايدة من الطلاب يتم الاستعانة بمعيدين، متعاقدين، ومدرسين من خارج الكلية، ولنا أن نتصور كيف تتم العملية التدريسية، وإجراء تجارب المختبرات والتدريب في المختبرات.
2-القاعات الدراسية: أعداد القاعات الكبيرة في الكلية هي ثلاث قاعات فقط، والباقي عبارة عن غرف دراسية صغيرة، لا يتجاوز قدرتها على قبول أكثر من 70 طالبا، وهذه القاعات غير كافية لاستقبال الطلاب أثناء المحاضرات.
3-المختبرات والورش: أعداد الطلاب المتزايدة لا تتناسب بشكل عام مع الطاقة الاستيعابية للمختبرات والورش، ويتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات عمل تحتاج إلى طاقم تدريب أكبر وإشراف أكثر، وهذا ينعكس على جودة العمل والأداء.
يتبع العدد الآخر..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى