رجال في ذاكرة التاريخ.. محمد علي باشراحيل.. مسيرته الصحفية والوطنية

> نجيب محمد يابلي

> 1 - الولادة والنشأة
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي

محمد علي عبدالله عمر باشراحيل من مواليد حي العيدروس بكريتر في يوم الجمعة، الموافق 4 أبريل 1919 من أب حضرمي وأم يافعية (لولة بنت حسن خالد) وجرياً على عادة أقرانه من الأطفال تلقى أبجديات القراءة والكتابة في كتاتيب المدينة والتحق بعد ذلك بمدرسة البعثة التبشيرية الدنماركية Danish Mission School في الشيخ عثمان وارتبط اسم تلك البعثة بواحدة من أعظم مكتبات عدن، وهي Danish Mission Book-shop
2 - فترة التأسيس
خرج محمد علي باشراحيل إلى معترك العمل في العام 1935م، حيث التحق بخدمة أعرق مؤسسة في عموم الجزيرة العربية شركة البرق واللاسلكي Cable & Wireless بالتواهي كمتدرب على آلة المورس وانتقلت الأسرة إلى التواهي مقر عمل ولدها محمد، وفي العام 1941 أكمل محمد علي باشراحيل نصف دينه بالاقتران من ربة الصون والعفاف سعيدة محمد عمر الشيبة (جرجرة) لتكمل معه بقية الصفحات الجمة للألياذة الباشراحيلية وبينت السنوات اللاحقة أن «وراء كل عظيم امرأة» كانت مقولة صحيحة.
3 - فترة الانطلاق
انطلق العميد محمد علي باشراحيل إلى أجواء رحبة.. أجواء الثقافة والفكر والتعليم والسياسة ووصل باشراحيل إلى نيابة رئاسة نادي الإصلاح العربي ثم رئيسا للنادي في التواهي في خمسينات القرن الماضي وأسس حلقة شوقي الثقافية والأدبية لأن اسمها ارتبط بأمير الشعراء أحمد شوقي.
كما شارك في قيادة رابطة أبناء الجنوب العربي (SAL) التي تأسست عام 1951 من الرعيل الذي لا يتكرر ولا يجود الزمان بمثله، رعيل السيد محمد علي الجفري وشيخان الحبيشي، والسيد سالم عمر الصافي والسيد عبدالله علي الجفري والسيد زين صادق الأهدل، وتكونت هيئة الرابطة القيادية من السيد محمد علي الجفري، رئيسا ومحمد علي باشراحيل، نائبا، وشيخان الحبشي، أمينا عاماً، وعلي محمد مقطري، أمينا للمال، ويلاحظ من تركيبة الهيئة أن عدن الكونية عكست ظلالها على تركيبة القيادة التي شملت سالم عمر الصافي وأحمد عبده حمزة ورشيد علي حريري/ كما كان محمد علي باشراحيل عضواً في مجلس أمناء مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية، حيث ربطته صداقة عمر بمديرها الأستاذ الجليل مصطفى عبدالكريم بازرعة.
*باشراحيل في المجلسين البلدي والتشريعي
دخل محمد علي باشراحيل التاريخ بعضويته في المجلس البلدي خلال الفترة 1952 / 1958 والمجلس التشريعي خلال الفترة 1955/ 1959 ولمع نجمه في المجلسين، حيث شارك في عدد من لجانهما العاملة (اللجنة المالية ولجنة الأراضي) في ظل نظام إداري ومالي مشهود له على مستوى الجزيرة والخليج.
*باشراحيل يطرق باب الصحافة
إذا تناولنا سيرة باشراحيل في وسائل الإعلام سنتطرق إلى حضوره مع أم أولاده في إذاعة عدن منذ تأسيسها في أغسطس 1954م، وكانت فترة إذاعة عدن حينها الفترة الذهبية وبعد ذلك بعامين طرق باشراحيل باب الصحافة، حيث أسس صحيفة «الرقيب» نصفها الأيمن بالعربية ونصفها الأيسر بالإنجليزية.
وفي 7 أغسطس 1958 أسس باشراحيل صحيفة «الأيام» بالعربية وصحيفة الـ Recorder بالإنجليزية، وترك باشراحيل العمل الحزبي لتنهج صحيفته نهجاً محايداً وكانت المكتبات عامرة بالإصدارات الصحفية، وشق باشراحيل طريقه في العمل الصحفي ورسم خطا متميزاً من خلال الأقلام والأبواب في خدمة رسالة الصحافة وخدمة المجتمع في آن، وتميزت الصحيفة أيضا بافتتاحيات رئيس تحريرها.
*باشراحيل فارس الافتتاحيات الصحفية
لو جمعنا افتتاحيات «الأيام» التي أعدها العميد محمد علي باشراحيل فلن يكفيها مجلداً واحداً ينير للقارئ والباحث، بل والحكام الطريق إلى السلامة في السير واتخاذ القرار واحترام الرأي واحترام الآخر، ويصعب أن نورد حتى جزءاً من خمسين جزءا مما حملته الصحيفة من افتتاحيات، بل سنورد عدداً من الافتتاحيات ملحضة:
*افتتاحية 18 أغسطس 1966م
افتتاحية طويلة أشار فيها العميد باشراحيل إلى أن بريطانيا ستغادر أرضنا وتدرك أنها لن تغادرها دون أن تزرع الأشواك...
معركة اليوم تحتاج بالضرورة إلى إيجاد وحدة وطنية في الجنوب العربي ولن يتأتى قيامها طالما وأن هناك دولا عربية تردد تسمية الجنوب بالجنوب اليمني، وأن هذه الدعوة ستمزق الوحدة الوطنية رغم أن شعب الجنوب العربي شعب عربي أصيل ولن تخرج من هذا الوضع الا بتدخل أشقاء عرب والجمهورية العربية المتحدة كان لها موقف إيجابي من الكويت عندما أعلن قاسم العراق عن عزمه لضمها إلى العراق.
إننا واثقون من أن الرئيس جمال عبدالناصر لن يفشل، حيث كان طبيعياً أن تفشل بريطانيا، إنه لو دعا إلى مؤتمر يعقد برئاسته شخصيا في القاهرة لزعماء الجنوب العربي من سياسيين حزبيين ومستفلين وتقليديين كالسلاطين والمشايخ فإن النتيجة ستكون أقرب إلى المعجزة لصالح الجنوب العربي وشعبه.
*افتتاحية 22 يونيو 1965م
تضمنت الافتتاحية وعنوانها (خطوة موفقة) خمس فقرات علق العميد باشراحيل على خطوة مجلس وزراء عدن عندما أثنى على قرار السلطنة القعيطية الحضرمية حكومة وشعبا بإعلانها التمسك بقرار الأمم المتحدة الصادر في 11 ديسمبر 1963 بشأن تحرير الجنوب العربي من الحكم الاستعماري البريطاني وقيام دولة عربية موحدة للمنطقة كلها.
محمد علي باشراحيل يتوسط جالسا رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي الإصلاح بالتواهي
محمد علي باشراحيل يتوسط جالسا رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي الإصلاح بالتواهي

كما أثنى العميد باشراحيل على الخطوة الطيبة بالترحيب بالقرار الذي اتخذته السلطنة القعيطية وقام بزيارة حضرموت والتقى هناك بالعناصر الوطنية الحضرمية.
*افتتاحية 5 مايو 1959م
افتتاحية طويلة عنوانها (بوادر لا تسر) وكان العميد باشراحيل قد كتب افتتاحية الريكوردر (الصحيفة الأسبوعية بالإنجليزية التي كان يصدرها باشراحيل) وأعرب العميد عن رغبته في ترجمة ما كتبه في الريكوردر عبر «الأيام» ولكنه وجد نفسه مضطراً إلى ترجمة افتتاحية الريكوردر حتى يكفي نفسه مؤنة الرد على (مخبر الكفاح) الذي قدم تفسيرات مشوهة، وهو يحاول التعليق عليه، وقد لا ألومه على ذلك لعدم إجادته الإنجليزية كما تبين.
أشار العميد إلى الخلط الذي حدث عند (مخبر الكفاح) بين ما كتبه العميد في افتتاحية الريكوردر وبين مانشرته «الأيام» حول تصريح فضيلة الشيخ محمد بن سالم البيحاني عندما هاجم المجلس التشريعي الذي خذل الاقتراح المقدم بمجانية الماء والكهرباء لدور العبادة، وهم يعرفون من هم الأعضاء الذين وقفوا ضد الاقتراح واختلط الأمر على (مخبر الكفاح) لأن موضوع باشراحيل في الريكوردر كان حول المجلس البلدي، وشن العميد باشراحيل هجوماً على المعارضين وفاتهم أن المعارضة السليمة هي الأساس للنظام الديمقراطي، فقد ذهب بهم الأمر إلى حديث الإشاعات القائلة بأن مجلساً معينا أفضل بكثير من مجلس ينتخب أعضاؤه. ماذا وراء هؤلاء من أدعياء الوطنية حين يناصرون العودة بنا إلى الوراء لعلهم يعملون بناء على القول المأثور «إذا مت ضمآناً فلا نزل القطر» سلمت يداك يا أبا هشام!!
*افتتاحية 13 ديسمبر 1965م
الافتتاحية عنوانها (مكتبة عدن)، وهي ليست قصيرة ومحورها مكتبة الفقيد مسواط، وكانت تعرف بمكتبة ليك Lake Library وبحسب العميد باشراحيل إن هذه المكتبة كانت على قدر كبير من العناية ومن الكتب القيمة إلا أنها تعرضت في السنوات الأخيرة للإهمال والعبث بالكتب القيمة، بل إن البعض تمادى في تلطيخ الكتب بعبارات نابية تخدش الحياء.
اقترح العميد باشراحيل على الحكومة أن تستعين بمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة لتوفد خبيرة في شؤون المكتبات وتجهزها بالكتب والمراجع المفيدة وأن يتولى الخبير تدريب القائمين بشؤون المكتبة على إدارتها والعناية بها.
*افتتاحية 18 مارس 1962م
الافتتاحية كان عنوانها (حتى لا نندم) نوه العميد في مستهلها إلى أن قليلين هم الذين يعرفون أهمية الغرفة التجارية ومركزها الخطير في السيطرة على الاقتصاد المحلي وربطه بالمصالح الاقتصادية العالمية.. وقليلون أيضا هم الذين يعرفون مركز الغرفة التجارية ورأيها المعول به في المجال السياسي العام للبلاد ومدى ارتباط الاقتصاد المحلي به وتأثير كل منهما على الآخر، والدليل على قولنا هذا هو سجل الأعضاء في قوائم الغرفة التجارية لعدن.. هذه القوائم تكشف عن وجود سبعة وخمسين عضوا من العرب فيها، بينما بلغ عدد الآخرين من غير العرب مائة وخمسة وستين عضواً، منهم مئة وتسعة عشر هنديا، وواحد وأربعون أوروبيا وخمسة يهود.
يمضي العميد في تنويره: «إن الوعي الاقتصادي هو الأساس الذي يرتكز عليه الوعي السياسي في كل بلد يسعى لتحقيق حريته واستقلاله ومن الضروري والحال هذه أن يستفيق العرب في هذه البلاد من غفلتهم، ويهبوا يداً واحدة لاحتلال مركزهم الهام بدلاً من أن يحتله غيرهم ويحولون بذلك الغرفة التجارية إلى أداة تخدم مصالحهم قبل أن تخدم مصالح العرب في أرض عربية....».
*افتتاحية 10 فبراير 1959م
الافتتاحية كان عنوانها (حالة الطوارئ) واستهل تنويره: «كل دولة في الدنيا وكل حكومة يقع على عاتقها تشكيل نظم وسن قوانين مختلفة.. ولكن لم تشكل هذه النظم ولم تسن تلك القوانين إلا لحماية الشعب وممتلكاته ومصالحه العامة في مختلف مرافق الحياة اليومية».
يمضي العميد في تنويره بالإشارة إلى حوادث مؤسفة ونتائجها السالبة في النصف الأخير من السنة الماضية، مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في الثالث من شهر مايو 1958م.
يفيد العميد باشراحيل إلى «أن قانون حالة الطوارئ الباسط ظله علينا اليوم، أدى إلى فرض قيود على حرية الصحافة في القضايا التي تهم مصالح عدن ومحميات عدن وأصبحت هذه القيود لها تأثيرها المباشر على محرري الصحف الذين أصبحوا في حيرة وجو مليء بعدم الطمأنينة لا يعرفون ماذا يجب نشره وماذا يجب عدم نشره في صحفهم».
يفيد باشراحيل بأن «سلطات الطوارئ لم تستعمل إلى حد كبير إلا أنها تظل مصدرا لأجواء خانقة ورعبا لا يمكن التخلص منه إلا برفع حالة الطوارئ حالاً».
أكتفي بهذا القدر أو هذه العينة من كتابات العميد محمد علي باشراحيل التي لا يتسع لها إلا أكثر من مجلد.
*الرحيل
رحل عميدنا محمد علي باشراحيل عن دنيانا يوم الأحد، 21 فبراير 1993م.
رحلت شريكة حياته الوالدة سعيدة محمد عمر الشيبة يوم الأحد، 11 ديسمبر ، 2006م.
رحل نجله هشام (الذي أعاد إصدار «الأيام» مع شقيقه تمام بعد قيام دولة الوحدة يوم السبت 16 يونيو 2012م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى