الاستحمار العنصري !

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* منذ أن رحل (ابراهام لنكولن) عن الدنيا اختفت مفردة (العبيد)، وتوارت عن الآذان والعيون، إما خجلا من قرن البقاء فيه للنباهة وإما كسفا من مجتمع دولي يحارب (التناحة).
* وكنت أظن أن مفردة (الأسود الخادم) قد ذابت في بلاد تنعم بمساواة الإسلام، وأن المفردة ذاتها قد ماتت في المهد مع تجليات الفنان (محمد مرشد ناجي)، الذي أنصف جميع الألوان، بما فيها اللونان الأبيض و الأخضر، مع نصيحة بالابتعاد عن (الأحمر) لدواعي بصرية وليست عنصرية..
* لكن مكالمة هاتفية من (مهمش) بعدن، أكدت لي - بالأذن التي تعشق قبل العين أحيانا - أنني كنت سيئ الظن، وأن مسؤولينا مازالوا عند ذات مربع الجاهلية، وفوضوية (الاستحمار) العنصري..
* ولأن المكالمة غير موثقة، فمن الأجدى، ومن باب المصداقية عدم الإشارة لاسم صاحبها كاملا.. المهم مضمون ما حملته المكالمة التي شعرت معها بخليط من وخز الإبر الصينية والمسامير الصلبة المذحلة..
* قال لي و الغصة تكاد تخنقه: أنا من (المهمشين) أو (الأخدام) كما تسموننا أيها (البيض)، كافحت طويلا كي أبقى بني آدم بحق وحقيقة، لي نفس حقوق (البيض) وبقية الألوان، درست واجتهدت إلى أن تخرجت من الجامعة قبل عشر سنوات..
* ثم التقط نفسا عميقا، وأضاف قائلا: فرح أهلي بالشهادة، وكدت أطير من فيض الغبطة والسرور، فأنا الآن أفضل من كل (عنصري) متخلف، يحكم على الناس من خلال لون البشرة، لا من حيث لون القلب ونعمة الفكر..
* ويمضي (المهمش) يشرح مأساته قائلا: تقدمت بملفي للخدمة المدنية بعدن بمعية زملاء من دفعتي من ذوات السلالة (البيضاء)، وكل سنة كنا نخضع للمفاضلة تحسبا للفوز بوظيفة في (التربية)، وكانت الطامة الكبرى أن زملاء دفعتي توظفوا لأنهم يفوقونني في (الوساطة)، ثم إن لون البشرة كان عاملا حاسما في تجاهلي، رغم أنني صاحب أعلى معدل بين زملائي المحظوظين بلونهم ومكانة أهلهم وذويهم..
* ثم شعرت به يبكي، وهو يضيف بصوت متهدج: أنا (خادم) في نظر المجتمع، فحتى لو نلت أعلى الشهادات، واخترعت دواء مضاد للعنصرية المقيتة، فسأبقى في نظر الناس مجرد (أسود خادم)، محرّما عليه الوظيفة المحترمة، وممنوعا عليه الزواج من بنت (غير مهمشة).. باختصار (الخادم) ممنوع أن يكر أو يفر، عليه أن يكون (حمار شغل) في خدمة طبقة النبلاء، كما كان الحال مع (عنتر) و (شيبوب)..
* قلت لصاحب المكالمة: كلنا عبيد الله وحده لا سواه، ونحن لا نفرق بين الألوان، فكم من (أسود فاتح) غليظ القلب، سليط اللسان، فوضوي يذم الناس ويأكل لحومهم، و كم من (أسود غامق) تربع على قلوب الناس ووحّد هواهم، ثم تذكر أن كل شخص هو بالضرورة بطل قصة حياته، كما قال (جون بارث)، لكن مصيبة مجتمعنا في غياب العدالة الاجتماعية، وفي عقول المسؤولين الذين يموتون في (الرشاوى) وفي نهب أبناء الذوات..
* من يمارسون العنصرية ضد (السود المهمشين)، وهم يشهدون بشهادة الإسلام، عليهم أن يخجلوا أن دولة مثل (أمريكا) انتصرت على العنصرية، فقد وصل ذات مرة (باراك أوباما) الأسود إلى سدة الحكم، وأقسم اليمين على نفس (الإنجيل) الذي أقسم عليه محرر العبيد (ابراهام لنكولن)..
* حكاية هذا المهمش ليست جديدة على مجتمعنا، فقد سبقه لذات الشكوى والبلوى لاعب فريق (الجيش)، الهداف (فؤاد عباس)، فقد سألته في حوار ساخن: لماذا كان الناخب الوطني يتجاهلك ولا يستدعيك دوليا لتلعب للمنتخب، وأنت الهدّاف الأول للدوري..؟
كان رد (البلدوزر) مزلزلا، فقد أجاب: لم أكن بضاعة مرغوبة على المستوى الدولي، لأنني (أسود) اللون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى