في ذكرى الشهيد جعفر

> د. رياض ياسين عبد الله

> ‎كانت معرفتي الأولى بالشهيد جعفر محمد سعد، من خلال اتصاله بي تلفونيا من عدن، بعد مرور أسبوعين من عملية اعتقال وزير الدفاع في قاعدة العند. اتصل بي باعتباري حلقة الوصل حينها بين فخامة الرئيس هادي ومناصري الشرعية في الداخل والجانب السعودي من جهة. طلب مني إبلاغ فخامة الرئيس أنه بخير وأنه حي يرزق على الرغم من إصابة بالغة في جسده.
‎أبلغت فخامة الرئيس بما جرى في الاتصال، فتفاجأ واستبشر، وطلب مني تسهيل دخول اللواء جعفر إلى المملكة العربية السعودية على وجه السرعة.
‎دخل الشهيد إلى الرياض وخضع للمعالجة، وأقام معنا في المقام نفسه، وهناك كانت فرص اللقاء به والحديث والعمل معه تتكرر، لاكتشف رجلا من معدن ثمين.
‎كان وصوله إلى الرياض يتزامن مع أولى خطوات إعادة بناء جيش وطني لمحاربة الانقلابيين، واستعادة الدولة، وكان واحدا من ضباط بعدد الأصابع، ممن تولوا شرف هذه المهمة. بدأت اجتمعاتنا التحضيرية مع الإخوة في التحالف العربي في الرياض، ووجدته رجلا يميل إلى الصمت والعمل، ولا يكثر من الضجيج وافتعال الأزمات والتذمر. لقد كان دافعه في ذلك مهنيته وشخصيته وكذلك حبه لبلاده واستشعاره المسؤولية، وخطورة الموقف مع الكثير من الإيثار والشفافية والنزاهة..
‎كان يتحرك في لحظة وقف كثيرون مكتوفي الأيدي، إما تحت ذهول صدمة الواقع أو استسلام ويأس وانعدام حيلة.
‎لكن الشهيد اللواء جعفر الذي كانت إصابته البالغة قد وقعت أثناء معركة الدفاع عن قاعدة العند العسكرية من الاجتياح الحوثي الانقلابي لم يتردد لحظة واحدة أو يقعد عن الواجب، وأراد أن يكون في الصفوف الأولى التي بادرت في الذهاب إلى عدن.
‎أتذكره وهو يحمل الخرائط والمخططات في غرفة العمليات، وكنت ازداد يقينا بأنه أحد فرسان النصر وقادة استعادة عدن. كما أني لن أنسى أننا مكثنا معا بمعية آخرين أكثر من 12 ساعة في مطار الملك خالد الخاص في انتظار رحلة مجهولة لم تتم، إلى مكان مجهول، وهي حكاية تستحق أن تحكى بتفاصيل أوفر في وقت لاحق لأهميتها في تسلسل الأحداث وعرض المواقف.
‎كان الشهيد أخا ناصحا، ودودا متواضعا غير متطلب. لقد كان خبر اغتياله فاجعة كبيرة وفقدان عظيم. وقد أحزنني أكثر من أي خبر آخر في تلك المرحلة لأمرين، أولا لأني فقدت شخصا تعرفت عليه عن قرب، وعشت معه ظروفا حالكة تتطلب نباهة كبيرة وتماسكا مع إصرار وعزيمة، وهذا أمر لا يأتي إلا برفقة رجل حقيقي كأنه الشهيد، والأمر الآخر أننا فقدنا ركنا من أركان محاربة الانقلابيين وإعادة الأمن والاستقرار في عدن أولا وفي اليمن عامة.
‎محطات كثيرة التي عشتها مع الشهيد ومنها أنه كان آخر مسؤول التقيه في عدن في أواخر نوفمبر 2015 في منزل المحافظ قبل مغادرتي إلى أبو ظبي صباحا بعد عودتي إلى عدن لافتتاح مقر وزارة الخارجية في العاصمة المؤقتة عدن، ودار بيننا حديث طويل شفاف استمر من التاسعة ليلا وحتى الواحدة بعد منتصف الليل، في لحظة لم تكن الخدمات قد عادت بالمرة في مدينة عدن التي تحررت لتوها من دنس الانقلابيين. تحدثنا - على ضوء الشموع - في تفاصيل كثيرة عن ظروف إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة في ظل تعقيدات المشهد وشح الإمكانيات مع عزيمة واضحة لا تلين.
د. رياض ياسين عبد الله

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى