بيجي مدينة أشباح غير مستعدة للعودة إلى الحياة بعد

> بيجي «الأيام» ا.ف.ب

> داخل أحد الأزقة التي يغطيها التراب في مدينة بيجي وأمام باب من الحديد المزخرف، ترك السكان الفارون حصانا خشبيا هزازا أبيض اللون مع سرجه الأحمر، إلى جانب سيارة أطفال.
لم يبق في تلك المدينة الواقعة على بعد مئتي كيلومتر شمال بغداد والتي كانت الواجهة الصناعية للعراق، إلا منازل فارغة من أثاثها أو قضبان حديدية متشابكة بالباطون تبدو كبيوت العناكب.
بعد عامين من دحر الجهاديين، لا تزال شوارع بيجي مليئة بالركام وأعمدة الكهرباء المنحنية. باتت المحال والمتاجر عارية من واجهاتها وشاهدة على الدمار الذي حل هناك بسبب المعارك، في انتظار عملية إعادة الإعمار التي لم تبدأ بعد.
يقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين خالد حسن مهدي لوكالة فرانس برس “لا توجد أي تخصيصات مالية حتى الآن من أجل إعادة إعمار المدينة، رغم وعود رئيس الوزراء” حيدر العبادي.
ويضيف أن السبب وراء ذلك هو أن “موارد الدولة مسخرة لإدامة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الأرهابي”.
الدمار في المدينة كبير جدا. يوضح العضو الآخر في المجلس خزعل حمادي “هي الأكثر دمارا بعد الجانب الغربي من مدينة الموصل”.
بين تلك الأنقاض، يعرب الشيخ هاتف بسام، عضو المحلس البلدي في بيجي التي كانت تضم 180 ألف نسمة قبل العام 2014، عن حزنه لهذه الحال.
ويقول بسام الرجل الضخم بكوفيته البيضاء والسوداء، إن “بيجي أعلنت من قبل البرلمان كمنطقة منكوبة. نسبة الدمار في بيجي 90 في المئة”.
*واجهة العراق الصناعية
يضيف بسام أن “منازل بيجي تعرضت للدمار من قبل عصابات داعش الإرهابية. ليس المنازل فحسب، وإنما البنى التحتية والدوائر الخدمية والمدارس. كان هذا التدمير متعمدا لعدم تأييد العشائر العربية المتواجدة في بيجي لهم ورفض وجودهم”.
بعد الغزو الأميركي للعراقي في 2003، كانت بيجي تقع في “المثلث السني” الذي يشكل معقلا لأنصار الرئيس صدام حسين. وتعرضت البنى التحتية النفطية حينها لهجمات في مناسبات عدة، فيما خرجت تظاهرات ضد الشرطة في أكتوبر العام 2003 بدعم من العشائر السنية.
في يونيو العام 2014، استولى تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة وأشعل النار بمركز الشرطة وبالمحكمة وأطلق سراح السجناء ثم استولى على مصفاة النفط التي كانت أكبر مصافي العراق.
وفي نوفمبر من العام نفسه، استعادت القوات العراقية معظم المدينة غير أن القتال استمر في المصفاة إلى أن استولت عليه القوات العراقية في نهاية المطاف بدعم من قوات الحشد الشعبي في 16 أكتوبر 2015.
وتعتبر تلك المنطقة تجمعا صناعيا للمصافي النفطية والمصانع الحرارية والكيميائية، ومحورا لخطوط الأنابيب.
ويشير مصدر رفيع في شركة نفط الشمال لفرانس برس إلى أن “مصفى بيجي متوقف عن العمل ومن الصعب جدا إعادة تأهيله لأنه تعرض إلى أضرار كبيرة خلال العمليات العسكرية التي استمرت لأشهر عدة، كما تعرض لسرقات كبيرة بعد انتهاء العمليات”.
*حلم العودة بعيد
أنشئت مصفاة بيجي في العام 1975 من قبل شركات أجنبية وكانت تصل معدلات إنتاجها لأكثر من 250 ألف برميل يوميا.
في المقابل، فإن مصافي الصينية (20 ألف برميل يوميا)، والكسك (10 آلاف) والقيارة (16 ألفا)، التي تأثرت بالقتال، تعمل بقدرة محدودة.
على جانبي الطريق الرئيسية في حي التأميم بمدينة بيجي، تبدو الثقوب جلية في جدران المنازل بفعل القذائف والرصاص.
يقول آمر قوة الحشد العشائري في بيجي الحاج إبراهيم طه إن “المدينة فيها تدمير وفيها منازل غير صالحة للسكن، فيها طرق مدمرة وشبكة مياه وكهرباء مدمرة. بيجي غير صالحة للسكن بنسبة مئة في المئة”.
ويضيف صاحب الشاربين اللذين غزاهما الشيب أن “جميع أهالي المدينة غادروها بسبب الحرب. من يبقى كان سيقتل”.
تبدو بيجي مدينة أشباح، خالية إلا من بعض العناصر المسلحة التي تقيم حواجز في المدينة حيث تنعدم الحركة تقريبا.
رغم ذلك، يؤكد مدير شرطة بيجي العقيد سعد نفوس أن “العائلات ستعود قريبا. نقوم بعمليات التدقيق الأمني”، بهدف منع عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من التسلل بينها.
ويضيف “ليس هناك أي تخوف لأهالي بيجي من العودة لها. هناك عوائل تدخل المدينة لتطلع على منازلها وتنتظر الموافقات الأمنية”.
في مخيم للنازحين على بعد ثلاثة كيلومترات إلى شمال تكريت في محافظة صلاح الدين نفسها، يعيش عامر عباس حالة من الشك.
يقول هذا النازح “لا نعلم إن كانت منازلنا دمرت أم لا. إذا ذهبنا ولم نجد شيئا، ليس لدينا سوى المخيم، من يساعدنا؟”.
إلى جانبه، تعرب خولة إبراهيم عن أملها بالعودة، قائلة “نتمنى العودة، هذا يفرحنا، لكن منازلنا مدمرة، ولا مال لدينا لإعادة الإعمار”.
لذلك، يؤكد النازح عماد أحمد (48 عاما) “لن أرجع إلى بيتي لا خيار لدينا سوى البقاء في المخيم”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى