المطلوب رجل واحد

> جمال حسين عبدالباري

> تقول العرب في أمثالها السائرة: (لا يدخل سيفان في غمد واحد)، وعندما نسترجع التاريخ في هذه العجالة سنمر بالتأكيد على بداية صدر الإسلام، والتي كانت رسالته الخالدة هي المهمة الرئيسة الملقاة على كاهل وعاتق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المكلف بها من خالق البشر، وذلك لتثبيت وترسيخ دعائم هذا الدين الحنيف.
وقد تحقق هذا المشروع الكبير وتم تأسيس أعظم (أمبراطورية عربية إسلامية) ضاربة جذورها على وجه الأرض قاطبة، وتلك المهمة الجسيمة قام بتنفيذها رجل واحد، فضلاً عن ذلك إن الفطرة والسنة الإلهية علمت البشرية منذ القدم أنه إذا وجد في هذا الكون إلهان لفسدت السماوات والأرض، ولنستعرض بعض النماذج المتميزة والتي نؤكد فيها هذا المعنى والهدف الذي نصبو إليه، فالانتصار الذي تحقق في تحرير القدس من قبضة الصليبين هذا النصر المؤزر كان من عصارة جهد مضن وعمل دؤوب متواصل لسنوات طوال قام بصناعته رجل واحد وهو القائد صلاح الدين الإيوبي، رحمه الله.
وكلنا يتذكر هذا الانتصار التاريخي العظيم والذي نحلم هذه الأيام كثيراً أن يتحقق نصر مثله، فلابد أن يذكر هذا القائد الفذ.. وتوجد أمثلة كثيرة لنضربها عن زعماء عظماء وعلماء جهابذة، وقادة مشاهير كانت لهم بصمات تاريخية عريقة حققوا فيها النجاحات والانتصارات الباهرة لأوطانهم بمختلف المجالات حتى أذهلوا العالم أجمع، ولا يتسع المقام هنا لذكر التفاصيل عن مناقب حياتهم، ويكفي أن يحدثنا التاريخ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فقد ضرب لنا أبلغ الأمثلة في إعطاء الدروس والعبر والمواعظ حول هذا المضمار، وهي كثيرة وأهمها تطرقه إلى كيفية تحقيق النجاح لتنفيذ روح القيادة السليمة والإبداع الإداري لتسيير الأمور بدهاء وذكاء متوازن دون التهور أو التسرع في أخذ القرارات المصيرية، ثم الأخذ بمقود هذه الأمة بصدق وإخلاص وإيصالها إلى بر الأمان.
ولو نرى من حولنا هذه الصراعات الدائرة والتي تموج بعضها فوق بعض، وتلك التيارات والتوترات العصبية والثورات العارمة التي كلنا نشهدها أو نشاهدها وما يدور في هذا العالم حتى هذه اللحظة من مماحكات ومناكفات وشد وجذب وحوارات سياسية ودبلوماسية، والتي كلها تصب أهدافها السامية في تحقيق فكر معين أو لتغيير نظام مكان آخر، أو لتحرير أرض مسلوبة، أو لتأسيس دولة، وغيرها من تلك الملفات الساخنة والقضايا الحيوية التي تدور رحاها في أروقة المحافل الدولية.. وسنجد أن الدينمو الذي يحرك محور هذه القضية أو تلك هو رجل واحد يقودها بنفسه ويتبعه أنصار مؤيدون له، إما أن يحقق النصر وإما أن يبوء بالفشل.
ليس من الصعب أن يكون الإنسان قائداً، ولكن ليس من السهل أن يحقق النجاح والانتصار المنشودين..
إن هذه المرحلة الراهنة المصيرية التي نمر بها هي بالنسبة لنا أهم وأدق مرحلة في هذا المنعطف التاريخي العصيب، وهو أن نكون أو لا نكون، فلا تُبنى الأرض ولا تعمر إلا بأيادي أهلها السمراء القوية، وبرجالها وشبابها الأقوياء الأوفياء.. لن تأتي مخلوقات من الفضاء أو من أي جهة أخرى لتساعدنا إن لم نساعد أنفسنا أولاً ونبدي النوايا الحسنة والاستعداد للعمل والبناء، لن تأتينا المعجزات ونحن قاعدون، بل نحن الذي يجب أن نصنع المعجزات ونبهر العالم، ونتحدى الصعاب، ونصنع المستحيل. لذلك نحن بحاجة ماسة إلى بناء الإنسان ثم التعمير المدني وإنشاء البنية التحتية، ولكن هذا لن يأتي إلا بوجود رجل قائد صلب نلتف كلنا حوله ونشد من أزره ليصبح هدفنا الأول هو إنقاذ مدينة عدن الحبيبة من تلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية وحل قضاياها ومشاكلها من الجذور.
فالمطلوب رجل واحد لهذه المهمة يتحمل الأمانة بصدق، وتكون بطانته التي من حوله مفاتيح للخير ومحبة للوطن والانتماء إليه، وعندها النية الصادقة للمبادرة الحقيقية في بذل الخير والعطاء والسلام والنماء لهذا البلد الطيب الخير. فنحن أمة نحب السلام والخير، ونتفاءل بهما ونعيش ونكيف حياتنا لأجل ذلك، لكن لا نريد أن نفرط في التفاؤل حتى لا نجد أنفسنا نعيش في خيال زائل أو ندور في حلقة مفرغة من الهواء تطير بنا إلى الفضاء السحيق. فالإفراط في التفاؤل مذموم، ولا يؤدي بصاحبه إلا إلى الهلاك.
جمال حسين عبدالباري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى