13 يناير.. الاعتذار الشخصي للشعب

> محمد عبدالرحمن العبادي

>
محمد عبدالرحمن العبادي
محمد عبدالرحمن العبادي
بعد 40 عاما من الاستقلال الوطني المجيد، وبعد 22 عاما على كارثة 13 يناير.. لماذا نحن الوطنيين من أبناء الجنوب لا نعتذر للشعب؟ لماذا لا نعتذر للناس الذين وضعوا آمالهم فينا وخذلناهم وحولنا أحلامهم في مستقبل أفضل إلى كوابيس وفواجع وتخلف؟!.
أنا أعتذر لأني واحد من المخطئين، وأطلب من شعب الجنوب أن يعفو ويصفح، لم أكن يوما وزيرا أو قياديا في الحزب الذي حكم، ولكنني كنت مناضلا نشطا في الجبهة القومية، وصرت ضابطا ومسئولا وقائدا في جيش محترف اسمه (جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).. جيش كان يحمي الشعب، ولا يتدخل في حياة الشعب.. جيش كان يحفر الآبار، ويوزع الماء والغذاء للبداوة، ويفتح لهم المدارس للتعليم ومحو الأمية.. جيش كان يعاقب أفراده مرتين إذا أذنبوا بحق المواطن! مرة وفق القانون المدني، ومرة أخرى وفق قانون الجيش.
أعتذر.. لأنني كنت جزءا من نظام تجبر وجرب وضل الطريق، أعتذر.. لأنني وأخي ساهمنا في تهريب عبدالفتاح إسماعيل وعلي سالم البيض من سجن مدينة الشعب يوم 22 مارس 1968م.
أعتذر.. لأنني ناضلت من أجل الحرية والسيادة، ولكنني مثل غيري، لزمت الصمت على مذبحة الإعلام في عدن، وإغلاق الصحف، وخاصة «الأيام» و“فتاة الجزيرة” و“المصير” و قبلها أيضا.. لم أعترض على إقصاء أطراف الحركة الوطنية من العملية السياسية، إنني والله أخجل وأشعر بالعار عندما أتذكر أن رموز التنوير والتحرر الوطني من أمثال المكاوي والجفري وشيخان والصافي وجرجرة وخليفة وطه مقبل والبيحاني وبن فريد وآخرين ماتوا ودفنوا خارج وطنهم.
أعتذر.. لأننا سكتنا على قتل فيصل عبداللطيف وعلي عبدالله ميسري، وعلى سجن الزعيم قحطان الشعبي أول رئيس لبلادنا، وسلمنا أمرنا لمتآمرين وحاقدين شتتوا شملنا ودفعونا نحو الهاوية الثورية.
اعتذر.. عن قانون التأميم والإسكان، وأعتذر.. لرجال الدين الإسلامي الأجلاء، وأخي الأكبر أحدهم، وأشهد أن دين الله عامر في قلوبنا، وفي أعماق أعماقنا.
أعتذر.. لأن الرئيس الشهيد سالمين- رحمه الله- قبل وفاته أوصاني وأسمعني كلاما في مكتب الشهيد علي عنتر، وكنت آنذاك أصغر من أن أدركه، ولم يكن لدي أيضا قدرة أو إرادة لمساندته.
أعتذر.. لأننا خذلنا محمد علي هيثم، وأفشلنا أول قانون للجوازات والجنسية، وتخلينا عن عشال وسبعة ومحمد بن عيدروس ومجور.
أعتذر.. لأن أحداث يناير 1986م هدمت دولتنا، وكان لي فيها دور سلبي، لم أشارك، ولم تتلطخ يداي بدماء ضحاياها، لكنني كنت من وضع خطة الرد المعاكس التي طبقها حرفيا المنتصرون، وهذا يقض مضجعي وضميري كل يوم.
بعد يناير 1986م فقدت أنا وبلدي الطمأنينة، لم تعد بلدي كما تركتها، زملائي توزعوا بين المقابر والمنافي والذهول، خسرنا النخبة والصفوة، ومن حينها قررت التصحيح بطريقتي.
وعندما دعاني الوطن في عام 1993م أذهلني انعدام الثقة التي زرعوها، وحالة الكراهية المتفشية، والتهام الكل للكل بدون استثناء أو دليل، ويشهد الله أنني كرست وقتي وحاولت وسعيت ودعوت الكل للتصالح، ورغم استجابة وعودة البعض ظل الوطن منقسما، وربح الوهم عقول الأغلبية، وتحولنا كلنا إلى مهزومين وخاسرين.
يا أبناء وطني.. أيها الشعب العظيم.. هل لكم أن تقبلوا اعتذاري، من ابن مخلص ضل وأخطأ، ويحاول التصحيح منذ 14 عاما وما يزال، لقد اعتذرت مرارا للأفراد والأحزاب والجماعات، وسأظل أعتذر لكم حتى آخر يوم من حياتي، لكنني أيضا أدعو الآخرين لما فوق الاعتذار.
أدعوهم جميعا سواء كانوا في السلطة أم المعارضة أم في المنطقة الرمادية، أدعوهم جميعا للتكفير عن الخطايا المدمرة للنظام الذي كانوا حكامه أو أدواته، أدعوهم للتصالح والانضواء تحت راية الشرفاء الذين خدموا الوطن وصمدوا على ترابه، أدعوهم لنصرة المتقاعدين والجائعين والمحرومين والمنهوبة أراضيهم وممتلكاتهم، أدعوهم لتوظيف خبراتهم وعلاقاتهم المحلية والدولية وإمكانياتهم المادية والأدبية، لجمع الكلمة ورص الصفوف ونبذ الفرقة، والتضامن وتحريم دم الإخوة، وأدعوهم أينما وجدوا، وأقول: كفروا عن الأخطاء، وكونوا شموعا تحترق لتضيء دروب المرحلة الوعرة، وهو في نظري واجب، بل من أضعف الإيمان.. والله من وراء القصد!.
(مقالة نشرت في «الأيام» العدد 5297 في 14 يناير 2008م نعيدها بناء على طلبه).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى