السلم والثعبان.. والرقصة الأخيرة

> جلال عبده محسن

>
جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
مصطلح "الرقص مع الثعابين" يوحي بخطورة الفعل، وعلى شجاعة من يقدم عليه من المغامرين، حيث تستخدم حركة اليد وتحريك الأصابع التي تنسجم مع نغمات الصوت للتعامل مع حركات الثعابين من حوله وتوجيهها للاتجاه المناسب، وبما يتناغم وتلك الإشارات للحيلولة دون تعرضه للدغاتها التي قد تكون قاتلة في أغلب الأحيان لمجرد الإخلال بقواعد اللعبة مهما كان ذلك بسيطا.
لقد قال الرجل عبارته الشهيرة تلك في خطابات عدة وبنشوة غامرة وبنوع من الزهو والغرور، على الرغم من دلالاتها وأبعادها التي لا تخلو من عدم براءة الفعل، والبداية كانت وكما وردت على لسانه عندما تقلد زمام الحكم وهو كمن يرقص على رؤوس الثعابين، وظل يرددها مرارا وتكرارا مع كل مناسبة يشعر من خلالها بلحظة التهديد واقتراب الآخر كمنافس حقيقي على كرسي الحكم، في إشارة تحذيرية واضحة منه بأن الاقتراب من ذلك الكرسي هو بعينه اللعب بالنار التي تحرق قدمي كل من يطأها، ليوهم الآخرين بأنه هو الوحيد من يجيد إتقان اللعبة وإجادتها، ومن يمتلك كل مفاتيحها، كمناورة منه للتشبث بالسلطة لأطول مدة زمنية ممكنة، وهو ما يفسر تربعه على ذلك الكرسي طيلة 33 عاما.
إنها اللعبة الأكثر خطورة والتي ظل يلعب بها صالح مع الغير، وبأسلوب إدارة الأزمات، معتمدا على مهارته الشخصية وعلى الدهاء الذي لا يخلو من الحيل والخداع التي تحدث إرباكا في الخصم.
كما أبدع الرجل في لعبة أخرى وإن كانت لعبة فردية إلا إنها هي الأخرى لا تخرج عن نطاق الثعابين، فكلنا نتذكر لعبة “السلم والثعبان” تلك اللعبة الشهيرة والتي طالما لعب بها الكثيرون والمعتمدة على ضربة الحظ بالزهر، ليجدوا أمامهم خيارين لا ثالث لهما، إما السلم للصعود، وإما الثعبان الذي يعرقل حركة الصعود للأعلى أو يهوي بصاحبه إلى الأسفل.
إنها اللعبة ذاتها والمفضلة التي ظل يلعب بها علي صالح مع معارضيه، وحتى مع بعض من أتباعه متى ما شعر بمعارضتهم له ولسياساته، وإن كانت تلك اللعبة غير معلنة إلا إنها كانت مفضوحة تدل أعمالها وتصرفاتها على ممارستها الفعلية دون الإفصاح عنها، حيث كان يضع السلم كوسيلة للترغيب والتسلق للمناصب والاستحواذ على السلطة والجاه، أو الثعبان كوسيلة للترهيب وزرع العراقيل أمام الخصم.
لقد أجاد الرجل اللعب على كل الأوراق وبأسلوب إدارة الأزمات حتى المبادرة الخليجية، والتي كانت سخية جدا في الكرم والجود معه، والتي منحته الخروج المشرف والحصانة الآمنة والاحتفاظ بأمواله، وبعد أن قام بالتوقيع عليها، إلا إن ذلك كان بمثابة التوقيع الزائف والذي ضحك به على حلفائه وظل يحرك أصابعه المعروفة لإفساد الحياة السياسية، إلى أن جاءت الفرصة السانحة للتمرد عليها والتحالف مع ألدّ خصومه السياسيين من أعداء الأمس وهم الحوثيون، والارتماء في أحضانهم بعد أن خاض معهم ستة حروب أثناء فترة وجوده في السلطة، ولكن هذه المرة احتاج للعبة السلم والثعبان دون الأخرى لوجود السلم فيها واحتياجه إليه لاعتقاده بأنه سيكون بمثابة سلم النجاة له من الغرق السياسي وخروجه من سلطة الحكم، حيث سهل لهم ولنفسه أيضا طلوع السلالم، إلا أنه وفي نهاية المطاف وجد نفسه محاصرا من قبل مجموعة الثعابين والتي حاصرته من كل الاتجاهات لتكون بمثابة الرقصة الأخيرة واللحظة القاتلة، وبعد أن عجز عن امتلاك السم الكافي لقتل خصمه ليتمكن بعدها الثعبان “الأقرع” من أن يهوي به من على السلم ليلقى الرجل مصرعه باللعبة ذاتها التي لعب بها كثيرا مع الآخرين طيلة فترة حياته السياسية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى