استعادة الدولة.. بين آلية فك الارتباط وإشكاليات الاستفتاء!

> صالح شايف

>
صالح شايف
صالح شايف
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول موضوع الاستفتاء وبدوافع وخلفيات وأهداف مختلفة، تماشيا مع ازدياد حركات الانفصال لأقاليم عدة حول العالم عن الدول المركزية المعاصرة، ولأسباب وعوامل ومبررات متعددة ومختلفة وطريقها القانوني والشرعي، لتحقيق ذلك والمثبت والمعترف به كحق أساسي في ميثاق الأمم المتحدة، وغيره من المواثيق والاتفاقيات الدولية الضامنة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، والمتمثل بالاستفتاء، وهو المحكوم ـ كإجراء ونتائج ـ بأوضاع وظروف تاريخية متعددة تختلف من بلد إلى آخر، وحسب ما تفرضه الأوضاع الملموسة والتوازنات الداخلية والظروف المحيطة بكل بلد.
غير أن قضية الجنوب مختلفة، ولها وضعها القانوني الخاص وطابعها التاريخي المتميز، ولها أيضا وسائلها المختلفة، والتي تتجسد بالنضال المتعدد الأشكال والوسائل، بما في ذلك الحوار والتفاوض مع كل المعنيين بالجنوب وقضيته ـ يمنيا وإقليميا ودوليا ـ بشأن استعادة الجنوب لدولته الوطنية المستقلة، وعبر آلية فك الارتباط كوسيلة سلسة وأسلوب قانوني منظم، بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وانتهاء عقد (الوحدة) عمليا بين الدولتين، وتحول الأمر بعد حرب 94م العدوانية ضد الجنوب إلى احتلال مباشر له وباسم الوحدة وشعارها.
لذلك يبقى الاستفتاء في الجنوب أمرا مختلفا باختلاف القضية وجوهرها التاريخي، وأدعو هنا ـ مخلصا ـ الجميع لفتح النقاش السياسي والوطني والقانوني الشامل والعميق للوقوف أمام جدواه وتناسبه مع وضع الجنوب وقضيته، وإن تم التوافق عليه كضرورة وطنية فينبغي أن تكون له آلية مختلفة، كما نتصور، وأن يختار شكلها أبناء الجنوب أو بموافقتهم عليها، وبما لا يتعارض مع المعايير الدولية مع الأخذ بعين الاعتبار والتمييز بين ما كانت عليه خارطة التركيبة الديمغرافية قبل عام 1990م، وما حصل عليها من إخلال مقصود وممنهج بعد ذلك العام، وعلى أن تتضمن ضوابط كافية تمنع الالتفاف وبأي شكل كان على إرادة الجنوبيين أو تدليس لقرارهم وخيارهم المجسد لحقهم غير القابل للإنكار أو المصادرة، أكان ذلك الاستفتاء متعلقا باستعادة دولتهم كاملة السيادة وبحدود 21 مايو 1990م أو تعلق بدولة اتحادية من إقليمين، ولفترة زمنية محددة أو بصفة دائمة أو تعلق ذلك الاستفتاء بإقامة اتحاد كونفيدرالي بين الدولتين الشقيقتين، لأن الانفصال لا ينطبق بأية حال من الأحوال على وضع الجنوب كما هو الحال في بعض دول العالم، فالجنوب كان دولة ذات سيادة معترفا بها دوليا، بل وكانت العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن والممثل للمجموعة العربية في الأمم المتحدة حين تم الاتفاق والإعلان عن مشروع الوحدة بين قيادة الدولتين في كل من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
إن اشكاليات متعددة وتعقيدات وتحديات كثيرة تنتظر الإرادة الوطنية والعقل السياسي الجنوبي وهو يبحث عن الوسيلة المثلى لاستعادة الحق الجنوبي وبأقل تكلفة وأقصر وقت ممكن، وبأدوات ووسائل تضمن النجاح المأمول بعيدا عن العشوائية أو الركون على خيارات الاعتماد على العوامل الخارجية، رغم أهميتها، أو فرض واختزال الحل عبر وسيلة محددة وما قد يترتب عليها من تداعيات غير محسوبة جيدا، وأن تؤخذ الأمور بشموليتها وتشابكها، وأن توزن كل خطوة بميزان الذهب، بعيدا عن العواطف وسوء التقدير، وأن يتم التأكد من صلابة الأرض تحت الأقدام عند كل خطوة، ومعرفة ما تخبئه زوايا الظل ونقاط الغموض التي ما زالت تكتنف المشهد السياسي داخليا وخارجيا.
إن الطريق الآمن والمضمون لتحقيق الهدف الوطني المشروع للجنوب يتمثل بضرورة تعزيز وتقوية الجبهة الداخلية وتماسك صفوفها، وعبر الحوار المسؤول والمباشر من قبل مختلف القوى والمكونات الجنوبية مع المجلس الانتقالي، وبلغة الصدق والوضوح والمصارحة من قبل الجميع مع الجميع، لتجاوز حالات التجاذبات أو اختلاق الأعذار غير المبررة وغير المقنعة، والتي لم تعد مفهومة في هذه الظروف الدقيقة التي تتطلب وحدة كل القوى والإمكانيات، ليكون بمقدور الجنوب والجنوبيين مواجهة كل التحديات الجدية والمخاطر الحقيقية معا، ووأد كل محاولات اشعال نار الفتنة فيما بينهم، وجعل ذلك أولوية مطلقة للجميع، وبغير ذلك فقد يكون الندم هو ما ينتظر الجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى