لا تحـزنــوا.. أنـتم الأعــلــون

> جمال حسين عبدالباري

> ليس مفهوم السياسة هي الغاية التي تبرر الوسيلة، وليست كما وصفها بعض الساسة الغربيين بأنها هي (اللعبة القذرة)، بل أجمع أهل السياسة على أنها هي (فن الممكن)، أي إمكانية تخيير الواقع السياسي أياً كان، وليس كما يعتقد في المفهوم الخاطئ بأنه الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره، وربما توجد ثمة مفاهيم مثالية أو رؤى عديدة متعلقة في سياق هذا التعريف المختصر للسياسة، والذي هو بالأصل أردناه كتمهيد للحصول من خلاله على بغيتنا الجوهرية بأن السياسة لا تبعد كثيراً عن مرجعية التاريخ السياسي، فهما وجهان لعملة واحدة، فالتاريخ السياسي يعتبر فرعاً من فروع التاريخ القديم.
ولو نستعرض مرآة التاريخ فالمجتمع الغربي ظل ردحاً من الزمن يتخبط في دياجير الجهل وظلام الهمجية إلى أن احتك بالحضارة الإسلامية والعالم العربي، وأخذ عنه بذور النهضة والتطور، فأشرق به نور العلم وبدأ الرقي في القارة الأوربية، ولعب العرب المسلمون آنذاك دوراً بارزاً طوال القرن العاشر والحادي عشر الميلادي في تكوين الفكر الاوروبي علمياً وسياسياً، وبرع المسلمون الاوائل في فنون السياسة والمفاوضات والحوار والجدل والمناظرة والعلوم الاجتماعية، وألفوا في ذلك الكتب القيمة الثمينة وفرقوا بين كل فن وآخر، مستندين في أصول هذه الفنون إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان المجتمع الاسلامي آنذاك في طور النماء والازدهار والتقدم العلمي المبهر والتطور الحضاري العظيم، وقام العرب بإنشاء أول جامعة علمية في تاريخ البشرية سميت (بيت الحكمة)، وكانت تعتبر قبلة الدنيا الأولى ومنارة علم لكل الوافدين اليها من جميع أصقاع العالم، ولقد برز منها علماء ومخترعون وأطباء جهابذة وقادة مشاهير من عرب ومسلمين وأعاجم يشار إليهم بالبنان ولهم بصمات تاريخية في كل مجالات الفنون السياسية والعلمية والاجتماعية وحتى العسكرية، وتدرس بعضها في معظم الجامعات الأوروبية حتى يومنا هذا.. ولكن للأسف الشديد أن الأجيال اللاحقة في القرون المتأخرة قصروا وأهملوا في ذلك كما وقع التقصير في غيره من الأمور الهامة السياسية والعلمية والتي سببها عم التخلف والجهل ثم الانهزام.
وجاءت حقبة من الزمن فيها فقدت الأمة الاسلامية دورها وريادتها التي كلفها بها خالق الخلق، وقامت بتسليم زمام الركب الحضاري لغيرها من أمم الأرض وأصبحت بذلك منقادة لغيرها بعد أن كانت هي التي تمتلك روح القيادة وأصل الريادة في تسيير وتسييس هذا العالم البشري. وقام بأخذ هذا الزمام والتصدي لقيادة ركب البشرية أمة الغرب بعد أن كانت أمة جاهلة بوظيفة الإنسان ودوره المناط به في الحياة، وجاهلة بحقيقة هذا الكون والعلاقات القائمة فيه وغاية وجوده، فأصبحت أمة تسود هذا العالم وتقود جانباً من الإنسان على حساب الجانب الآخر وتنظر إليه بعين واحدة.
إن السياسة المجحفة والمستفزة التي يمارسها الغرب بحق العرب والمسلمين هي ليست جديدة علينا، فهي تمارس على مدى عقود من الزمن والتاريخ شاهد على ذلك وأسبابها الحقيقية هي نتاج صراع الحضارات الممتدة التي كانت تدور رحاها في الماضي، والتي نتلقاها اليوم بأثر رجعي وفي طياتها تكمن الأحقاد الدفينة والثأر وأطماع الثروة وتصفية حسابات تاريخية عقائدية، وتتجلى في أبشع صورها على الساحة مستغلة بذلك ضعف أمة الإسلام وما تعانيه من وهن وأمراض مزمنة تنخر جسدها المثخن، ومن أسبابه الرئيسة عدم التماسك والتضامن العربي الأسلامي في صف مرصوص إلى جانب مخطط الحرب الضروس المفتعلة والتي التهمت الأخضر واليابس فاهلكتها وتساقطت أوراقها الخضراء من جراء ثورات (الخريف العربي) لاستنزاف طاقتها وخيراتها وقوتها والقيام بشق العصا بين الإخوة الأشقاء لتنفيذ السياسة الاستعمارية القذرة (فرق تسد)، فصنع الغرب للامة العربية عدواً وهمياً سراباً، أو ربما يكون حقيقياً، ولكن الغرب يقوم بدعمه وتحجيمه لاستخدامه كأداة ترهيب وتخويف لتمرير نفوذه وأطماعه.
إن هذه الأمة الإسلامية لها سوابق وشواهد وثوابت تاريخية عريقة، فهي لن ترضى أن يخر مسجدها الأقصى أرضاً ولن تظل مستسلمة لهذه الأوضاع التعسفية، فكما أشرنا منذ البداية أن كل شيء قابل للتغيير وليس هناك أمر مستحيل، فحتماً ستنتفض هذه الأمة وستنفض غبار السنين من على جسمها، وستضمد جراحها المزمنة وستقوم بتغيير بوصلتها إلى المسار الصحيح وستحول هزائمها إلى انتصار عظيم، وإن لم تستطع اليوم فإن غداً لناظره قريب والأيام سجال.
فنحن أمة لا تنكسر أبداً ولا نموت طالما الشمس تشرق من المشرق ولسنا كمثل تلك الحضارات، والأمبراطوريات السابقة التي سادت ثم بادت وعفى عليها الزمن وتجاوزتها ذاكرة التاريخ، أو كبقية تلك الأمم والدول الكبرى التي كانت تصول وتجول تستعرض بقوتها في فترة من الزمن ثم انقرضت واندثرت على مر التاريخ، وأصبحت نسياً منسيا.
نحن أمة إسلامية تاريخية عريقة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، فلربما نمرض أو نضعف أو ربما ننزف دماً ولكننا باقون على مر الأزمان، فنور الإسلام يحيينا من جديد، فهو (ممكن قوتنا).. ولقد قال أحد كبار الساسة الإنجليز: “عجباً لهذا الإسلام، كلما حاربناه اشتد، وإذا تركناه امتد”، ولو قرأ هذا الرجل أو حتى سمع واستوعب ما يقوله الله تعالى في كتابه العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يدية ولا من خلفه، لعلم أنه الحق المبين، قال الله تعالى: “ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”. (سورة آل عمران/ آية 138).
فمن كان يظن أن قيام هذه الأمة العربية الإسلامية ورجوعها إلى سابق مجدها العظيم لهو درب من دروب المستحيل، فهذا عجز وفقدان أمل، فنحن أمة إيمانية متجددة مباركة من سابع سماوات، فقد وعدنا الله بالنصر والتمكين وقيادة هذا العالم من جديد، فلا يأس من روح الله وقدرته العظيمة.. وتذكروا، أنتم الأعلون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى