جرحى المقاومة في تعز آلام ومآسٍ لا حد لها.. مصطفى.. حكاية جريح اخترقت عموده الفقري رصاصة حوثية تلتها أخرى شرعية شلت آماله وطموحه

> تقرير/ صلاح الجندي

> جرحى الحرب في تعز مأساة تؤرق آلافا من البسطاء الذين أصابتهم رصاصات المليشيا الحوثية وألغامهم وقذائف مدافعهم، حال الكثير منهم بات كارثة إنسانية تهدد مستقبل أسر بأطفالها ونسائها ممن أصيب عائلها أو طالته رصاصات العبث الحوثية التي باتت تقلق مضاجع العامة في الحالمة تعز.
آلاف الجرحى المدنيين من أطفال ونساء ورجال يعانون عواقب الإصابة التي قدرت لهم، وظروفهم المادية والمعيشية صعبة في ظل ما تعيشه تعز من حصار وقتل وتهميش، يرافقه تقاعس الجهات المختصة المسؤولة عن متابعه قضايا جرحى الحرب، وتأمين أدنى مقومات العيش الضرورية لهم ولأسرهم.
ويشكو الجرحى من انتهاء فترة العلاج المسموح بها في المستشفيات الخاصة، وفقا للعقد مع السلطات المحلية واللجان الخاصة بالجرحى، يقابل ذلك استحالة استكمال العلاج في المستشفيات الحكومية، نتيجة انعدام الميزانيات التشغيلية والإمكانيات اللازمة من أدوات وأجهزة تتطلبها حالات الإصابة.
*جسد مشلول
أن تكون ضحية رصاصتين، إحداهما تصيب جسدك والأخرى تصيبك بالخيبة الشديدة سيكون ألمك مضاعفاً وكبيراً، وخصوصاً عندما تكون الرصاصة الأولى سببا في شل حركتك.
لاحراك له غير ملامح وجهه الشاحب وعينيه المليئتين بالوجع.. هذه الكلمات الحزينة تحكي قصة إنسان مقاوم اسمه “مصطفى” خرج مع المقاومة مدافعا عن مدينته فأصيب بشظية مقذوف في عموده الفقري نتج عنه شلل دائم لأطرافه السفلى مع فقدان التحكم بالبول والتبرز.
أصيب مصطفى بشظايا قذيفة أطلقتها المليشيات الانقلابية من أماكن تمركزها شرق المدينة على الحي الذي كان مارا فيه، يوم الخميس آخر أيام شهر شعبان من هذا العام، وسببت له تمزقا للحبل الشوكي في العمود الفقري، ووضعته طريحاً للفراش، لكن مصطفى كغيره من الجرحى لم يلقَ اهتماما وظل طريح الفراش وحبيس مستشفى الثورة.
أما الرصاصة الأخرى جاءته من المسؤولين الذين تجاهلوا تكاليف علاجه وتناسوا أنه كان أحد جنودهم في جبهة القصر والتشريفات شرقي تعز، حيث كان مصطفى أحد ألافراد الذين يتبعون القيادي في جبهة التشريفات وهيب الهوري، وبعد إصابة قايدهم وهيب وسفره إلى الهند، جاء القائد حمدي بديلاً عنه، ولم يحرك الثاني ساكناً لنصرة مصطفى الذي قاتل بكل شراسة، كما أخبرنا والده بذلك.
مصطفى أحمد قاسم حاميم في عامه الـ 25، من أبناء العدين محافظة إب، يرقد الآن في مستشفى الثورة بتعز، وهو يُعاني من مرض يسمى “تقرحات الفراش” في مناطق مختلفة من جسده المشلول، نتيجة مكوثه الطويل على الفراش.
تُرك المقاوم مصطفى للوجع والإهمال من قبل قادته في المقاومة، فلا دواء له ولا تكاليف لتغذية جسمه المنهك.
تقول إحدى الطبيبات، وهي ضمن الأطباء المتابعين لوضع مصطفى في حديث لـ«الأيام»: “كان مصطفى يحتاج لما يقارب الأربع قرب دم، وحتى الآن لم يجدها، نظراً لفصيلة دمه النادرة “AB-”، وحاول البعض ممن تعاطفوا مع حالته إيجاد دم له، وبعد جهد مضني أوجدوا له اثنتين فقط، ليبقى بعدها لأيام دون نقل دم أو علاج”.
*بلا مرافقين
في بداية إصابة مصطفى كان يرافقه في المستشفى بعض الأفراد من زملائه في الجبهة، غير أنهم غادروا وحضر عمه ليرافقه، إلا أن عم مصطفى تعرض لحادث دهس من قبل أحد أطقم المقاومة أثناء مروره في الشارع بسرعة جنونية، ومات عم مصطفى إثر ذلك، ليبقى مصطفى وحيداً في المستشفى.
الجريح مصطفى في المستشفى بلا مرافقين ولا عناية
الجريح مصطفى في المستشفى بلا مرافقين ولا عناية

بعدها جاء والده العجوز ليكون مرافقه الدائم، ولكن لكبر السن وفقره المدقع لم يستطع أن يوفر لابنه مصطفى ولو الجزء البسيط من متطلباته الدوائية والغذائية.
المقاوم مصطفى لم يتم ترقيمه حتى اليوم، فهو من ضمن الذين سقطت أسماؤهم من كشوفات الراتب، ولم يستلم مستحقاته وراتبه كجريح منذ إصابته حتى اليوم، الأمر الذي زاد من معاناته ومعاناة أبيه وأهله.
يقول مصطفى في حديثة لـ«الأيام»: “لو تم ترقيمي وصُرف لي راتبي ومستحقاتي كجريح أُسوة بغيري من الجرحى، لتمكنت من معالجة نفسي والتخلص ولو بالقليل مما أعانيه الآن”.
*إهمال ونسيان
لا يريد مصطفى تذاكر سفر ولا يريد أن يشعر به الآخرون، إنه مجرد حالة تستحق الشفقة بقدر ما يريده من اهتمام المسؤولين بالجرحى وتقديم يد العون لهم، فهو يحتاج الآن إلى عدة عمليات لعلاج تلك التقرحات، وبسبب عدم تمكنه من إيجاد وسائل العلاج تأخرت عمليته كثيراً.
منذ وصوله إلى قسم الحروق والتجميل بمستشفى الثورة وهو يحتاج إلى دعم ولو بسيط لتكلفة علاجه، حتى يطيب من هذه التقرحات التي لا يغيب ألمها ووقها في قلبه، الذي بات أشد حرقة من بدنه، فنسبة دمه تساوي “ 7 “ ويحتاج للتبرع بالدم، وفصيلته هي “ AB سالب” وهي فصيلة نادرة لكن لعدم الاهتمام لم يوفروا له قربة واحدة من الدم.
هذا جزء يسير من المعاناة الكبيرة التي لا يستطيع أن يصفها قلم أو يحكيها لسان عن شخص خرج مع المقاومة ليصاب بعدها بأسبوع بشظايا وهو مار بجانب إحدى نقاط التفتيش.
*منظمات للاسترزاق
ما يثير الدهشة هو تزايد أعداد المؤسسات والمنظمات الخيرية والحقوقية يوما بعد يوم في تعز، ومعها تزداد حالة المحتاجين والمرضى تعاسة وصعوبة، فمعظم هذه المنظمات تعتبر دكاكين استرزاق، حسب قول الكثير من داخل المدينة.
 إحدى ضحايا الحرب في مدينة تعز
إحدى ضحايا الحرب في مدينة تعز

تقول الدكتورة نجلاء، وهي دكتورة في قسم الحروق والتجميل في مستشفى الثورة لـ«الأيام»: “أثناء تواجدي بالقرب من الجريح مصطفى، أتت إحدى المؤسسات إلى غرفته وقامت بأخذ صور لأعضائه مع بعض الجرحى، وحاولت شرح حالته لهم، لكنهم لم يعيروا كلامي اهتماما”.
وتضيف الدكتورة نجلاء: “حتى أنني حاولت أن أكشف عن جسد مصطفى لهم لأريهم مدى حالته، لكن المصور رفض، وقال لي بتهجم “عيب غطي” مما استفزني ورديت “صوروا واشتهروا مبروك عليكم”.
وتواصل الدكتورة حديثها : “وصفت له أدوية وأعطيتهم إياها، وبعد ساعات جئت وقد جابوا له شراب من حق الأطفال وبرامول، تفاجأت .. فحالته في تدهور وجسده يحتاج إلى التغذية والاهتمام”.
وتناشد نجلاء أهل الخير ومن له القدرة على مساعدة مصطفى بأن يقدمها، فحالته الصحية حرجة، وهو وحيد ولا يوجد من يقوم بتلبية احتياجاته، وخذلان قياداته له جعله في وضع محرج للغاية، حد قولها.
*الوالد العاجز
أما والد مصطفى الذي كان يعمل سباكًا بالأجر اليومي أصبح اليوم بدون عمل، وبات يحدق إلى جسد ابنه الوحيد، مترقبًا فرج الله أو نظرة من أحد، لينقذ ابنه المشلول.
يقول والد مصطفى بعد تنهده: “لو كان معي فلوس وأقدر أشتغل لما كنت هنا أترقب موت ابني بأي وقت، وما في معي إلا الله، وما سيحوله الله لعلاج ابني، تركت أسرتي في إب من غير مصاريف وحتى اليوم لا أدري كيف حالهم”.. ويُناشد والد مصطفى كل من له شأن من قيادة الشرعية والمنظمات والقيادات الميدانية وكل من له خير أن “يتقوا الله في هؤلاء الجرحى، كونهم ضحايا مصالحهم وحروبهم التي لم تتوقف، وتوقفت معها حياتهم”.
وأنت تزور أيا من مستشفيات تعز ستشعر بالمأساة الحقيقية التي خلفتها الحرب، فلا يخلو مرفق أو قسم من هذه المآسي التي تشبه حالة مصطفى، لتشفق على حالهم مما يعانونه، ففي قسم جراحة النساء تجد إعاقات وحالات إنسانية مؤلمة خلفتها الحرب، ومعظمها بسبب قذائف المليشيات الانقلابية التي حصدت أرواح المئات وتركتهم على قيد الحياة يعانون عناء الحاجة وقدر الإعاقة.
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى