جفاف وقحط يهدد بكارثة إنسانية في يافع رصد.. نزوح جماعي ونفوق مواشي ونحو عشرة آلاف شجرة بُن انتهت تماما

> تقرير / فهد حنش

> منذ سنوات وجميع مناطق يافع تشهد انحسارا في كمية الأمطار السنوية، التي تعد المصدر الرئيس للمياه، إلا أن يافع عموما لم تشهد في تاريخها مثل هذا العام من حيث شحة الأمطار وانعدام المياه، بسبب نضوب مياه الآبار في وقت مبكر من العام، وبالذات في المناطق التي كانت تزود الكثير من مناطق يافع بالمياه، وعدم وجود مشاريع استراتيجية مما ينذر بكارثة.
أسر لم تجد مياه الشرب فنزحت إلى عدن و أبين، و عشرات المواشي نفقت بسبب الجفاف، و نحو عشرة آلاف شجرة بن انتهت تماما.. هذا الحال في مديرية يافع رصد جراء الجفاف والقحط هذا العام..
«الأيام» التقت بعدد من المواطنين والمسؤولين في الجهات المختصة برصد للتعرف على حجم الكارثة وسبل معالجاتها، وخرجت بالاستطلاع الآتي:
*مواطنون يشكون
هيثم محسن المحرمي، أحد مواطني يافع، عبر عن مخاوفه من انعدام المياه الناتج عن شحة الأمطار وقال: "الجفاف هذا العام أشد فتكا بالإنسان والحيوان والنبات، فقد جفت جميع آبار يافع في وقت مبكر، بالإضافة إلى خلو خزانات المياه بسبب قلة الأمطار وانعدامها في أغلب مناطق يافع، إلى درجة أن جميع الأراضي الزراعية هذا العام جدباء لم يتم حرثها وزرعها، كما أن الأسر هذه الأيام لم تستطع سقي مواشيها وتم التخلص منها، واضطرت الكثير من الأسر إلى النزوح بحثا عن الماء إلى عدن ولحج وأبين، كما أثر الجفاف أيضا على الحياة البرية، حيث أن الكثير من الحيوانات البرية ماتت، لعدم حصولها على الماء".

وأضاف: "حاليا يتم جلب المياه من مديرية سباح إلى مناطق رصد وبعض المناطق البعيدة، بمبالغ باهظة جدا تصل إلى سبعين ألف ريال للوايت سعة 12 مترا مكعبا، مما جعل الكثير من الأسر غير قادرة على شراء الماء ما جعلها تستخدم مياه غير صحية".
من جانبه ناشد المواطن حسين صالح عبدالله سلطات الدولة العليا والمنظمات الدولية والجمعيات الخيرية سرعة التدخل الإنساني لإغاثة السكان بالمياه، حيث إن أزمة المياه بلغت حدا لا يطاق. وقال: "انتهت الزراعة، وبالذات أشجار البن، وهلكت أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، والآن الجفاف يهدد حياة الناس، حيث أصبح معدل استهلاك الفرد من المياه بحدود عشرة لترات يوميا، وهي أقل نسبة على مستوى العالم، حيث تقوم الأسر بإعادة تدوير استخدام المياه في المنازل، فالمياه المستخدمة في الغسيل والوضوء يتم تجميعها واستخدامها في الصرف الصحي، والمياه المستخدمة في المطابخ يتم إعادة استخدامها في أغراض عدة".
شيخ محمد غرامة، أحد النازحين إلى عدن قال: "أجبرتنا ظاهرة الجفاف على النزوح إلى عدن، بحثا عن الماء، فكنت في الشهر أصرف في البلاد أكثر من 50000 ريال لشراء الماء، وفي الأخير أصبح الحصول على بوزة ماء أمرا صعبا جدا ، فلكي أحصل على بوزة ماء يجب أن أحجز عند أصحاب البوز قبل أسبوعين إلى أربعة أسابيع، والوضع كل يوم عن يوم يزداد سوءا، حتى أصبحنا نعيش في قلق شديد، فقررت النزوح مؤقتا حتى يفرجها الله".
وأضاف: "هنا في عدن أمورنا طيبة، وما نعانيه هو ارتفاع إيجارات المساكن بسبب الطلب المتزايد على المساكن من المستأجرين.. ومن هنا أناشد المنظمات الدولية إغاثة المواطنين في البلاد، ووضع حلول مستدامة من خلال إقامة مشاريع استراتيجية للحد من آثار ظاهرة الجفاف".
أما المواطن خالد طاهر فقال بحسرة وألم: “نحن في منطقة الشبحي والقرى المجاورة نعاني من ظاهرة الجفاف منذ سنوات، فقد أصبحت الحياة صعبة جدا وشبه مستحيلة، فمنذ عامين لم تسقط أمطار في مناطقنا، وانتهت الحياة الحيوانية والنباتية نهائيا بما فيها حوالي عشرة آلاف شجرة بُن، التي هي مصدر رزق جميع الأسر في الشبحي والضيعة والبياضة، كما جفت العيون والآبار، ويتم جلب الماء من بئر الصينيين في منطقة العسكرية التي تبعد حوالي 20 كم بمبالغ باهظة تصل إلى خمسين ألف ريال، كما نزحت عدد من الأسر بحثا عن الماء".

الحجة أم عبدالرحمن قالت: "يا ولدي مثل هذا المظهر لا سامعه ولا موصاه أنه قط شي وقع بيافع مثل هذا القحط، وقد كان بقع نزف (جفاف الآبار ) في الجبال، وكنا نسرح نستقي ونصبن (نغسل الثياب) بالوادي، وما قط نزفت أي بير بالوادي مثل هذه السنة، والمطر ما قط مرت سنة بلا مطر، ولا جامت الأرض مثل هذه السنة.. ولكن يا ولدي هذا الوقت ما حد بتعبر.. وأكثر ما تضرر من النزف (الجفاف) هن النساء اللي بظلين ليل ونهار وهن يتنقلين من بير إلى بير ومن منطقة إلى منطقة من أجل الحصول على دبة ماء".
*دور السلطة المحلية
مدير مكتب الزراعة والري في مديرية رصد مطيع قاسم الشبحي قال لـ«الأيام»: "إن ظاهرة الجفاف القاتلة التي تعصف بالمديرية تتزايد عاما بعد عام، حيث بلغت ذروتها هذا العام وفتكت بالثروة الحيوانية والنباتبة، والآن تهدد استقرار الناس، وقد بلغت الأضرار الاقتصادية والمعيشية والبيئية حدا كارثيا".
وأكد أن "أعدادا كبيرة من الأسر نزحت من المنطقة، وهلكت الثروة الحيوانية وعشرات الآلاف من أشجار البُن".
وأضاف: "منذ فترة وأنا والأمين العام للمجلس المحلي القائم بأعمال المدير العام الأستاذ عادل سبعة نتابع المحافظة وعددا من المنظمات الدولية التي تعمل في مجال الإغاثة والطوارئ والمياه، ولكن تواجهنا صعوبة في الوصول إلى بعض المنظمات نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة".
وأضاف: "ما يحز في نفوسنا وجود أكثر من عشر منظمات تعمل في محافظة أبين في مجال المياه والزراعة وعدم ممارسة أي منظمة لأي نشاط في هذا المجال في مديرية رصد، التي هي في أمس الحاجة إلى مثل هذه الأنشطة".

من جانبه القائم بأعمال المدير العام للسلطة المحلية الأمين العام للمجلس المحلي في المديرية عادل علي محمد سبعة تحدث قائلا: "كما هو معروف أن مشكلة الجفاف وشحة المياه ليست وليدة اليوم، بل إن المديرية سبق وتعرضت وما زالت تتعرض إلى موجات جفاف شديدة منذ سنوات، حيث إن مصادر المياه الأساسية التي يعتمد عليها سكان المديرية هي مياه الأمطار، وبالتالي فإن استمرار قلة منسوب مياه الأمطار خلال السنوات الماضية، وتصاعد حدة الجفاف خلال المواسم الأخيرة قد فاقم من المعاناة وأصبحت معالم حلول الكارثة وشكية".
وأشار إلى أن "السلطة المحلية عملت على متابعة الجهات الرسمية بما فيها رئاسة الجمهورية والحكومة والوزارات المعنية والمحافظة وعدد من المنظمات والجهات المانحة الأخرى، ولكن للأسف لم نحصل على أي استجابة فعلية مترجمة على الواقع، رغم التوجيهات وتكليف لجان من وزارة الزراعة بالنزول للمديرية، والتي بدورها رفعت اللجان تقارير مفصلة عن حجم الأضرار الناتجة عن الجفاف في الجانب الزراعي، ومنه شجرة البُن والغطاء النباتي والحيواني بشكل عام".

وأضاف: "للأسف ما شهدته البلاد من أزمات متواصلة وانهيار للأوضاع، وما شهدته أبين من أوضاع استثنائية وغيرها، وصولا إلى حرب 2015م.. كل تلك الأوضاع والأسباب حالت دون تحقيق أي نتائج على الواقع رغم الوعود والتوجيهات، كما أسلفنا، بما في ذلك محاولات القيام ببعض المعالجات من قبل رئاسة الهيئة العامة لمياه الريف، والتي باءت معظمها بالفشل، فمعظم ما تم اعتماده في هذا الجانب من مشاريع إسعافية بسيطة للأسف لم يتم استكمال تنفيذها، وأصبحت مشاريع متعثرة".
وقال الأمين العام للمجلس المحلي: "إن السلطة المحلية بالمديرية عملت عددا من المعالجات أوجزها في:
- طرح المشكلة بشكل عام على المحافظ، وطلبنا منه التدخل لتقديم ما يمكن من مساعدة، أكان عبر السلطة أو عبر المنظمات، وخلال اللقاء تم الاتفاق على أن يقوم المحافظ بتوجيه مذكرة عاجلة إلى رئيس الوزراء بتوفير سيارات نقل المياه (البوز) عدد خمس سيارات لمديرية رصد وثلاث لمديرية سرار بشكل سريع، تكون تحت مسؤولية السلطة المحلية بالمديرية لمساعدة الأهالي في تخفيف ولو جزء من المعاناة في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار.

- من ناحية ثانية مناشدة بعض المنظمات التي تعمل في هذا الجانب للتدخل والمساعدة.
- الاتفاق على أن يتم التركيز في البحث عن مصدر مياه دائم يغطي احتياجات المديرية، ليتم اعتماده والبحث عن مصدر تمويل كمشروع استراتيجي، وبما في ذلك التركيز أيضا على أي مشروع رئيسي إن أمكن لمعالجة المشكلة مستقبلا في مديريات سرار ورصد وسباح".
وقال سبعة: "تم طرح المشكلة على عدد من الجهات والمنظمات الداعمة، ونأمل أن نجد الاستجابة منها، كما تم في إطار ذلك تكليف الأخ مدير مكتب الزراعة بالمديرية وتزويده بعدد من مذكرات المناشدة الموجهة إلى بعض المنظمات، ومنها اليونيسيف ومنظمة الإنقاذ والهلال الأحمر الإماراتي ومنظمة اوكسفهام والهيئة اليمنية الكويتية وغيرها، وشرح وتوضيح مشكلة الجفاف والنتائج المترتبة على ذلك، ومازال ذلك تحت المتابعة".
*معالجات وحلول
وترى السلطة المحلية بالمديرية عددا من المعالجات للتخفيف عن سكان المناطق الأكثر تضررا، ومن هذه المعالجات السريعة توفير سيارات نقل المياه (البوز)، وكذلك تدخل بعض المنظمات في اعتماد توفير المياه من خلال نقلها من أي منطقة يتوفر فيها مصدر المياه، ويتم إيصالها إلى مواقع محددة (متفق عليها مسبقا) بواسطة خزانات مياه متنقلة، ومن ثم يتم توزيع الماء على الأسر وفق الآلية المتفق عليها مع المنظمة، وتحت إشراف لجان أهلية والسلطة المحلية، ومن ذلك اعتماد مواقع في مركز المديرية.

أما عن المعالجات المتوسطة فقال القائم بأعمال مدير المديرية إنها “تتمثل في بناء وإنشاء الحواجز والسدود المائية، وإنشاء وبناء خزانات حصاد مياه الأمطار بسعات تخزينية مختلفة، ومنها خزانات المياه الأسرية الخاصة التي تتم بالمشاركة بين الجهة الممولة والمستفيدين، بالإضافة إلى حفر بعض الآبار العميقة الاستكشافية في بعض المناطق بموجب الدراسات التي تمت في بعض المواقع، وكذا اعتماد تنفيذ المشاريع الزراعية الأخرى مثل مكون الحفاظ على التربة، وصيانة وتأهيل المدرجات الزراعية، لما لمثل هذه المشاريع من أهمية كبيرة في الحفاظ على المياه، كونها تعتبر خزانات حفظ طبيعية لمياه الأمطار التي تذهب هدرا لعدم وجود مثل تلك المكونات".
وأضاف: "لدينا مقترح بشأن إمكانية الاستفادة من مخصصات المديرية التي يتم اعتمادها ضمن البرنامج الاستثماري لهيئة مياه الريف، من خلال استبدال مشاريع حفر الآبار اليدوية المفتوحة، والتي باءت في معظمها بالفشل، وتنفيذ بدلا عنها مشاريع الحواجز وخزانات حصاد المياه، حتى لا يتم حرمان المديرية من مخصصاتها في باقي المكونات اللاحقة لأعمال الحفر".
وشدد أمين عام المجلس المحلي الشيخ عادل سبعة على "ضرورة البحث عن مصدر مياه دائم عن طريق مشروع مركزي واستراتيجي للمديرية".
وقال: "سبق وتم دراسة مصدر المياه في وادي بنا، ولدينا تقرير فني عن ذلك سيتم الاستفادة منه كمدخل لاستكمال الدراسات الفنية ودراسة الجدوى لتنفيذ مشروع مياه دائم من بنا عبر العمري رصد".
وفي ختام حديثه حث سبعة على تكاتف الجهود في مديريات رصد وسباح وسرار، للبحث عن مصدر مياه دائم يغطي احتياجات المديريات، والضغط على الجهات الحكومية لاعتماد وتنفيذ المشروع".
تقرير / فهد حنش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى