سألت جدي..

> إلهام أحمد أبوبكر

> بعد أن أنهيت تناول وجبة الغداء، وبدأت في غسل الأواني، ألهمني منظر الصنبور - وهو يغمر الحوض والأواني بالماء - سؤالا، ماذا لو أصبح الماء بالدولار؟! نعم، فكل شيء كان متوفرا بكثرة كالماء، والآن أصبح عملة نادرة، وكذلك الأكل والشرب والمسكن وأبسط احتياجات المعيشة، فقطمة الأرز وإيجار البيت والبترول وبالتالي المواصلات واحيانا الكهرباء كله بالدولار.. لم يتبق لنا إلا الماء والهواء وان كنت أظن ان الماء على حافة هاوية الدولار!!.
فشعرت لبرهة ان ذلك التفكير يغرقني في بحر من الطاقة السلبية كلما حاولت التمسك لاطمتني امواج اليأس والاحباط والخمول والهروب من الواقع، فحاولت الفرار بطوق النجاة خاصتي، كوب من الشاي، على مقعدي المفضل امام مكان جدي الذي يمكث فيه منذ سنين، قعدت أمامه ونظرت في عينيه المتفاءلتين، دون شعور فاضت عيناي بالدمع، ولكنه كان مبتسما!! فسألته بتهكم: ايعجبك حالنا؟! اجاب: وما به حالنا؟ فلنحمد الله. فقلت: الحمدلله على كل حال. فقال: حالنا افضل حال.
تعجبت ولكني سعدت برده، الذي كان بالنسبة لي كبقعة ماء بجانب أفعى في صحراء قاحلة، فإما ان يقنعني ويملأ قلبي بالتفاؤل ويهزم الافعى فأشرب الماء، او أتجاهل وأموتُ عطشا، وكعادتي لا اقبل الهزيمة الا بعد معركة عنيفة، عاودت مناقشته.. فقلت له: ماذا عن ارتفاع الدولار وغلاء الأسعار؟! قال: يا ابنتي سيأتي زمن ستذل فيه الانفس العزيزة.. وكل شيء سيغلى الا الروح ستصبح هي الرخيصة.. القمامة ستكون وليمة.. والأوطان أحياء فقيرة. سيأتي زمن ستفتح فيه أسواق سوداء.. وسيصبح كل شيء صعبا حتى الدواء.. فلا يكون من المحتاج الا الانحناء!!.
سيأتي زمن كالريالات تصرف الآلاف والدولار أربعمائة أضعاف، سيأتي زمن... فقاطعته بقوة: كأنه زمننا هذا يا جدي؟! ولكنه لم يجبني! جدي أليس هذا زمننا ؟! ولكن .. لا حياة لمن تنادي.. فعلا فقد كنت اتحدث الى صورته، فجدي قد توفي منذ أربعين عاما.. فعاودت النظر الى عينيه المتفاءلتين وهمست له “ياترى عند ما اتوفى سيجد أحفادي في عينيي ذلك التفاؤل ؟!”، فتأكدت حينها انه ستبقى الأفعى أمام بقعة السراب تلك كفخ أمام كل عاطش للتفاؤل.
إلهام أحمد أبوبكر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى