طفلة بين ركامات حرب

> هنادي عبد الغني حزام

> ذات مساء بارد، كان القمر متوسدا كتف سحابة شاهقة العلو مزدانة بحبات النجوم، وسابحا بين جنبات ثوب أسود ارتدته السماء..
لم أكن قد خلدت للنوم قط كبقية أطفال العالم الذين ينعمون بجو يفيض بالراحة والانسجام، كنت كعادتي بالقرب من مشرفيات النوافذ استقبل برقيات أمل منسوجة من النور عبر ساعي الهواء الساكن، لتخفف عني وطأة الليل، وتتسلل بهدوء إلى فتحات المتعبين أمثالي، فالحزن شعور قاتل لا يتحسسه سوى متجرعوه، وكذلك المتذوقون لحبات السهد والأنين الذين شاء لهم مصارع الأقلام والأقدار المكوث في وحل حياة ضمن كتاب محكم دفتيه عصية عن التحريف.
وميض الحرب يلمع بالأفق يتلوه دوي أصوات المدافع والقذائف التي تبدو ككمنجة تذبحك ذهابا وإيابا.
مدينة يحرسها شبح الموت الجاثم على صدور ساكنيها وتحكمها نظم القتل الممنهج لتوقع أكبر عدد من المدنين العزل وأكواما من الأطفال. وهذيان الأزمة المحتوم والمثقل بالعجز المتوارب خلف عاهات الفقر المدقع.
وقع أقدام هنا وهناك، وجثث هامدة محمولة على أعناق الرجال، تتخللها صرخات نسوة تملأ الأرجاء بفقدان أعزة، وحشرجة في نفوس الناظرين، ودعوات أمهات منهكات رافعات أيديهن لرب مجيب لدعوات المنكوبين.
عرس ليلي مشؤوم تواترت إيقاعاته سنينا فخلف وراءه نهرا صديدا من جراحات متقرحة أمام مرأى ومسمع من العالم لتفاصيل مدينة تموت بالتقسيط وبوحشية عابث مثنى وثلاث ورباع، فتمتلئ بها آنية المواجع وليس بوسعها حرف مجرى التاريخ أو حتى مجرى هذا النهر جارفا إياها قسرا نحو المصب ! رأس مالها في هذا الوطن ذكريات بسيطة وأحلام علقتها على مقصلة الفقد ورضعات من نور ذلك القمر ليمسح عن وجنتيها اليأس بمنديل الأمل وليزداد ثغرها بابتسامة صادقة بعمق الوجع.
هنادي عبد الغني حزام - تعز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى