النقد بين الداء والدواء

> صلاح السقلدي

>
صلاح السقلدي
صلاح السقلدي
ربما البعض منّـا لا يعلم أن كثيراً من حالات الألم "الوجع الجسدي" هي نعمة من الله وليس نقمة منه أو مضرة خالصة... فالوجع بالنسبة للجسد هو بمثابة جرس إنذار عن خطر وشيك، فلولا هذا الوجع لما تنبهنا مبكرا لكثير من خطورة الأمراض التي تتسلل إلى أجسادنا خِلسة، فبدونه لم تتضح أعراضها إلا في حالات متأخرة يكون حينها قد فتك بالجسد وتمكّن منه, كمرض السرطان مثلاً.!
وكذلك هو النقد الإيجابي، فهو بالنسبة لحياتنا كالوجع، الذي يشعرنا بأن ثمة سلوك خاطئ قد دخل فينا يجب التصدي له، أو خطأ أو خطر ما قد أحدق بنا لا بد من مجابته سواءً كان قد حدث ذلك عمدا أو غير عمد، في داخل الوطن أو داخل أي كيان نعيش فيه أو نعمل به أو ننتصر له، كالكيانات السياسية والثورية ومجمل الحياة الاجتماعية. فالنقد الذي نقصده هنا والذي يجب أن يظل حاضرا هو النقد الموضوعي لا التجريحي، النقد الإيجابي المعمّر لا المدمّر، الذي يستهدف إصلاح خلل ما أو تنبيه لخطأ وسلوك غريب.. هو النقد الخالي من الضغينة، الذي لا يرمي صاحبه التُهم جزافاً والكلام على عواهنه، ولا يقال إلا لمحصلة عامة أو حتى خاصة شريفة دون مضرة بالآخر، بعيدا عن المكايدة السياسية والشخصية وبعيدا عن التشهير بالغير والتشنيع بهم أو التدخل بخصوصياتهم أو السخرية منهم أو الازداء بهم نظير مصلحة ما ومكاسب شخصية أو حزبية أو ما شابه ذلك من المصالح الممقوتة.
فالنقد الهادف يُصدرُ عادة عن حب لا حقد، وفوق هذا فإن له شروطاً موضوعية لكي يعم نفعه وتقل محاذيره... فهذا النوع من النقد بمرارته - إن كان ثمة مرارة فيه - هو أسلوب تقييمي حضاري راق مجرد، ويتناول كافة الأوجه، أما التطاول فهو رد فعل عاطفي منحاز يختار جزئية أو وجهاً واحداً يؤكد مواقف وأفكاراً مسبقة. فمن يطلب الشفاء يتجرع مرارة الدواء، ومن لا يريد أن يشفى منه ويظل يكابر بنكران وجود الداء، ويصر على تغطية الجُـرح و "تجميشه" حتى التعفن فما عليه إلّا أن يعرض عن تناول الدواء بذريعة مرارته وقيّره.!
أو قل إن النقد الموضوعي هو نحلة قد تلسعك بُحرقةٍ ولكنها بالمقابل تمنحك ما فيه شفاء لك وللناس. فغيابه بأي مجتمع كما يتمنى ذلك بعض النفعيين واللصوص الموجودين في كثير من مواقع المسئولية يعني بالضرورة ترك الحبل على الغارب لهم ليفعلوا ما يشاؤون، والذي يقود ذلك بالتالي إلى المآسي والضياع، والتجارب خير شاهد على ذلك.. وهذا النهج للأسف أضحى سلوكاً بحياتنا ويوشك أن يتحول إلى ثقافة قائمة.. سلوكا بات يكرّس نفسه شيئا فشيئا في وطننا سواءً كأشخاص أو كجماعات سياسية واجتماعية وثورية. فهناك أشخاص ممن هم بمواقع المسئولية ممَن نعتقد أنهم ثوار خُلّص يفضلون أن يقتلهم المديح على أن ينقذهم النقد!
مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن البعض يتذمر من النقد الإيجابي وهو يدرك أن فيه منفعة للعامة من الناس، ولكنه يرى في هذا النفع مضرة له أو إساءة لتصرفه أو استهدافا لمصلحته، وهناك مَن يتذمر منه اعتقادا أن من قام به يستهدفه شخصيا دون مبرر.. وهذا النوع الأخير يجهل التمييز بين النقد الإيجابي والسلبي، مع أن بقليل من التبصر يكون بوسعه التفريق بينهما بسهولة، فمن ينتقد بنية صافية وسريرة نقية لن تخطئه العين، ومن ينتقد لغرض سلبي نفعي لن ينطلي نقده على أحد، فهو وإن حاول أن يغلف ذلك بشيء من التنميق والتضليل لكنه لا يلبث أن ينكشف في لحظة انفعال سريعة، أو في شكل سقطة لمفردة متشنجة أو زلّة مصطلح حاد.
* قفلة: (لستُ بحاجة إلى شخص يهزّ لي رأسه حين أهزّ رأسي، ويتغير حين أتغير، فظلي ممكن يفعل ذلك بشكل أفضل).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى