يحدث في بلدي

> همام عبدالرحمن باعباد

>
همام باعباد
همام باعباد
هالني ما رأيت، وراعني ما شاهدت، لكنه أيقظ فيَّ مشاعر العزيمة وأوقد بداخلي الطموح بدلا من الخضوع والنزول عند سطوة اليأس الجارفة؛ فالقنوط لم يكن سوى أسهل حل نلجأ إليه، لكنه لا يعني أكثر من الفشل بكل ما تحمل كلمة الفشل من ألم، ولذلك كان لابد أن تتحول النظرة للواقع البئيس إلى إطلالة للانطلاق إلى آفاق أفضل؛ فالمعاناة يجب أن تكون طريقا للراحة.
وباليوم شاهدت - وليت ذلك لم يحدث - فئام من الميسورين يشترون قطعا من السمك بعدما كانوا معتادين شراء الحيتان من صنف الذين هم أقل دخلا من هؤلاء؛ فإذا بالميسورين يشترون السمك بينما ترتسم على وجوههم معالم الأسى ونظرات عدم الرضى وانعدام القناعة ببذل المال في غير موضعه؛ فالغلاء قد فاق مستوى الممكن وتجاوزه بمسافات شاسعة.
والآن لنلقي نظرة على من دونهم فهو إن اشترَ يكتفِ بقدر ضئيل من نوع أقل جودة وجاذبية من سمك الميسورين في أفضل الأحوال؛ فيشتري بعدما تقطعت به السبل في الحصول على نوع أفضل أو حتى كمية أكبر من النوع نفسه، لكن ذلك يتطلب إضافة عبء أكبر على ميزانيته المرهقة أصلا وغير القابلة للاحتمال أكثر، فتجده يقبل على الشراء بكراهية شديدة، حينها تساءلت: كيف سيكون حال المعسرين الذين لن يستطيعوا الشراء بهذه الأثمان الباهظة عندها سيكتفون - وأقولها بكل مرارة وقهر يعتصران قلبي - بشم رائحة السمك القادمة من بيوت الآخرين؟
كل هذا يحدث في بلد يعد من أغنى بلدان العالم بالثروة السمكية، بل ويحدث في مناطق ساحلية تمتلئ بل وتزكم أنوف ساكنيها برائحة البحر صباحا ومساء، لكنهم لا يستطيعوا شراء السمك.. هل هذا يصدق؟! هل هذا يعقل أن يحدث؟!
ربما سيذهب الظن ببعض من يعيشون في المناطق الداخلية للبلد أو القاطنون في بلدان أخرى أني أهذي أو أبالغ بل أكذب فأكتب أساطير بجمل تشاؤمية وعبارات تغص بالافتراءات.. لكنها الحقيقة بأم عينها والواقع الأليم هما ما يدفعان للحديث بهذه الطريقة وينطقان بلسان حال هذا الوطن الذي يعاني من ويلات الأزمات المتراكمة، وآخرها وليس بآخر أزمة العملة بعدما غدت الريالات أشبه بقراطيس تبدو في أيدي المشتري والباعة.. يأتي هذا والبلد يعيش حرب استنزاف شاملة نافت أيامها على الألف يوم، يحدث هذا والوديعة السعودية لم تصل بعد، رغم مرور شهور على التصريح باعتبارها منحة عاجلة لإنعاش (الريال اليمني) ومساعدته على استعادة شيء من عافيته التي سلبت منذ عقود لسبب أو لآخر.
هذه التساؤلات وغيرها تطرح نفسها إذ كيف سيكون الحال إذا استمرت الأمور بهذا السوء؟ هل ستنحدر البلاد في دهاليز الفوضى الخلاقة؟ هل نحن مقبلون على ثورة جياع تقودها البطون الفارغة تقتلع كل خاطئ يقف في طريقها؟ لكن هل توفرت القناعة لدى الملايين بضرورة القيام بخطوات من شأنها استعادة شيء من حقوقها (الضرورية المسلوبة)؟
ثم أين هي جهود حكومة الشرعية ودول التحالف في مواجهة أزمة الريال هذه؟ أم سيقف الجميع موقف المتفرج حتى يهدم بيت الوطن المليء بالصدوع؟ وعندها سيقال: يا ليت، ولكن ذلك لم ولن يقف حائلا دون انهيار البيت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى