الرقص الشعبي بلحج مرتبط بالجغرافيا والتاريخ

> محمود المداوي

> من الحقائق التي لا يمكن المزايدة فيها، أو بخسها، هي أن لحج كانت ولازالت، هي لحج الإبداع في أبهى وأروع صوره، ألق إبداعي لا يخفي نفسه بفطرة وبساطة الإنسان، الذي يعيش على هذه الأرض الطيبة، بكل ما للكلمة الطيبة من معنى ودلالة لغوية، وتؤكد عليها شهادة الماضي والحاضر والمستقبل، بإذنه تعالى.
بحق، وهذا ليس تعصبا، بل هو كما هو المشهد الإبداعي، أصيل وصميم في الأدب والفن في بلادنا، وفي صدارته أساسا متينا لكل إبداع شعبي، ومنه الرقصات الشعبية المعروفة بجماهيريتها وانتشارها، وهذا أبدا لم يأتِ صدفة، بل لما لهذا الفن اللحجي من أصالة ومواكبة قديمة جديدة للوجدان الشعبي الفطري، ليس للحج وحدها، بل ولما جاورها وماثلها في العادات والتقاليد والموروث الثقافي، ولذلك.. فإن الرقصات الشعبية اللحجية مرآة صادقة للوجدان الجمعي في هذه المنطقة.
بكل تأكيد أن رقصات لحج الشعبية لم تأتِ من العدم، بل هي، كما أنها مرتبطة ارتباطا حميميا بالجغرافيا، هي أيضا مرتبطة بالتاريخ والهوية الوطنية لهذا الجنوب، الذي نحن مكون أساسي فيه، باعتبارها نتاجا تراكميا حضاريا متواليا، متى أنعمنا البحث فيه بالدراسة العلمية، سنجد أنه ضارب الجذور في تاريخ هذه المنطقة، ومجموعة العلاقات على تنوعها واختلافها، والتي سادت وتصدرت لحقب بعيدة، وبإمكانها الكشف عن كثير من خبايا هذه المنطقة، وطبائع أهلها وعاداتهم وسلوكياتهم، في الفرح والحزن عبر ذلك التاريخ، وعلى حد سواء، وفي هذا تكمن قيمة رقصات لحج الشعبية واستمرارها حتى يومنا هذا.
تختزن لحج مجموعة رقصات شعبية، تتنوع وتتوزع بتنوع وتعدد المناسبات، ولا يمكن لنا حصرها في رقم بذاته، إلا متى اجتهدنا في الدراسة الجادة لها على طريق أرشفتها وتوثيقها توثيقا علميا، لتتمكن الأجيال القادمة من تطويرها ومواصلة الحفاظ عليها..
ومن هذه الرقصات أستطيع ذكر هنا أهمها مثل رقصة (الشرح) و(البتل) و(الهندية) و(وامسيف) و(الدمندم) و(الجذب) و(ألف جمل) و(الميحة) و(الرزحة) و(الهداني) و(الدحنة) و(الزفنة) (مركح) و(العسكرية) و(الركلة) و(البرع) وهذه الأخيرة ينبغي الإشارة إلى أنها تختلف عن برع أهل الشمال روحا ونصا.
رقصة الشرح
رقصة الشرح

وللعلم ان ما سبق الإشارة إليه هو رقصات جماعية، منها للرجال ومنها للنساء، وتتوافق ومناسباتهم، وهناك أيضا الرقصات الجماعية المشتركة في مواسم الزراعة والحصاد، ولكل رقصة حركاتها، أو كما تسمى في لحج ألعابها ومفردها (لعبة)، وهي مفردة لا يستهان بها، إذ إنها جاءت من ضرورة إعلان الفرح والابتهاج، كما أنها امتداد لألعاب الطفولة وطقوس الحياة
على اختلافها، والتفصيل في هذه الرقصات له حديث آخر.
ومن رقصات لحج الأشهر، رقصة (الشرح)، ولا شرح غير الشرح اللحجي، المنتشرة على مستوى الجنوب وبعض البلدان المجاورة، وبطبيعتها هي رقصة فردية وجماعية، ويشترك فيها الرجال والنساء على حد سواء، وتعتمد في إيقاعها على نوع من أنواع الطبول المسمى بالهاجر، وعدد من المراويس، وهي طبلة صغيرة جدا، ولها وقع خاص في التئام حركات مؤدي الرقصة،
وغالبا ما تكون ألحانها تراثية خالصة، تعود إلى زمن القمندان وأيضا إلى الزمن السابق له.
وهناك رقصة تعرف باسم رقصة (الدمندم)، وهذه رقصة مشتركة يؤديها شخصان (رجل
وامرأة)، وهي لوحة فنية تعبيرية، وتستخدم فيها آلات الإيقاعات ذاتها كالهاجر والمراويس، بألحان فرائحية جدا، تعكس المناسبة المحتفى بها.
وتمارس في الأفراح الخاصة والعامة، وملخصها أن المرأة منذ اللحظة الأولى، تكون شديدة الحرص ألا يمسك بها الرجل المشارك لها في اللعب، أو يأخذ منها ما لا تريد، كمقرمة أو خاتم أو عقد المرية، وذلك من باب الدلال، ولغلاوة ومعزة المرأة، ولا شيء غير ذلك.
محمود المداوي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى