الشكـل والموسيقى في شعر القمندان (3 - 1)

> محمد فاضل حسين

> هناك ثلاثة أشكال في شعر الأمير القمندان هي الموشح والقصيدة العمودية والثنائي. وهذه الأشكال معروفة بجذورها القديمة في الشعر العربي واليمني، وسنحاول هنا التعرف على أهم سمات كتابتها في شعر القمندان بالمقارنة مع مثيلاتها العربية لنرى جوانب الاتحاد والاختلاف، والتقليد والتجديد في إطار البنية الداخلية لهذه الأشكال الثلاثة.
أولاً: الموشح
تميزت الموشحات الأندلسية والعربية بالتنوع والاختلاف في سمات بنائها الداخلي، ولكنها تتحد في صورة هيكلها العام، وهناك قواعد اتفق عليها الوشاحون وحدودها بالآتي:
- يتكون الموشح من مطلع ودور وقفل، وأجازوا شطب المطلع.
- تتوحد قافية المطلع مع الأقفال وتتوحد الأدوار بقافية محايدة.
- يتوحد عدد أسطر المطلع مع الأقفال ما عدا قفل الخرجة.
وحدد الدكتور محمد أحمد غانم أهم صور اختلاف الموشح اليمني مع الموشح العربي بتكرار المطلع في إطار الموشح، وزيادة عدد أسطر القفل على المطلع، وعدم إعادة قافية المطلع في الأقفال إلا في السطر الأخير من القفل.
وهناك خلاف في عدد تكرار الدور، وهو في العربي (5 / 6) وفي اليمن يزيد أو ينقص.
والموشح في شعر القمندان جاء وفق السمات الآتية:
أولاً: الهيكل العام للموشح
- مطلع ودور وتوشيح وتقفيل.
- دور وتوشيح ولازمة وتقفيل.
- دور وتقفيل أو توشيح.
- اختلف الموشح القمنداني من حيث عدد الأدوار فجاء (4، 6، 7، 8).
- لا تتساوى في موشح القمندان شطرات المطلع مع القفل وتساوت الأدوار في إطار الموشح الواحد.
كتب القمندان المطلع أو الدور في موشحه على صور مختلفة:
- على شكل بيت مكون من شطر واحد.
- على شكل ثنائي مبيتات.
- على شكل صور وعجز.
- على شكل أسماط وكل سمط فيه خمسة أغصان.
- كتب التقفيل أو التوشيح على شكل بيت صدر وعجز، وهو الغالب، إلا إذا كان المطلع على شكل بيت فيخالفه في التوشيح.
ثانياً: القافية في الموشح القمنداني
استخدم القمندان القافية بطرق مغايرة تماماً للموشح العربي والأندلسي وأظهر طرقا متعددة في التعامل معها:
- ففي موشح (عيون المها) يتوحد المطلع مع الأقفال ويلتقي كل دور مع المطلع في قافية شطره الأخير مع اختلاف بقية الأشطر مع المطلع واختلافها أيضاً من دور إلى آخر.
- في موشح (وابو زيد) وحد الأشطر الأولى من الدور مع الأشطر الأولى من التوشيح بقافية تختلف من دور إلى آخر.. ووحد الأشطر الأخيرة من الدور الأول مع الأشطر الأخيرة من التوشيح بقافية تتحد مع مثيلاتها في بقية الأدوار والموشحات. ووضع ملازمة قافية مغايرة تتوحد في كافة شطرات اللازمة وتختلف من لازمة إلى أخرى. أما التقفيل فتم تكراره (وابو زيد)، وهو عنوان المرشح مع تكرار الشطر الأخير من كل دور.
يقول القمندان:
دور
مارحمني غزال الخلا ياحبيبي دلا بي دلا
هكذا الرفق ولا فلا يا أبو السلس والبنجري
أنت طبعك تحب السلا يشهد الله وكل الملا
ليه قلبي حرق واغتلا ونا يعلم الله أني بري
توشيح
ياليته رحمني غزال الخلا قله يا جيبي دلا بي دلا
ليه القلب منه حرق واغتلا ونا يشهد الله أني بري
لازمة
لا ياظبي اللما، لا ياظبي الحما، ويا ماء السماء
ارفق بي دلا دلا، ذاب القلب واغتلا، مابا القوت لا ولا
تقفيل
وابو زيد يشهد الله اني بري
دور
حرك العود با نسمعه وان بكى العود بابكي معه
ها دموعي وها أدمعه يا حمام ازجلي واسمري
ما رضي بي ونا بانفعه بافتكن به وبادلعه
آه يابوي مالي سعه ابلعي الوجد والا امطري
توشيح
ياذا دق عودك نشتي نسمعه وان بكيت عودك بانبكي معه
شف هذه دموعي وذي أدمعه وانتي ياحمامة توحي واسحري
لازمه
دق يازين الخضاب دق عودة والرياب سليت القلب ذاب
دق العود باسمعه بانبكي شوي معه ها دمعي وها أدمعه
تفعيل
وابو زيد ابلعي الموجد ولا امطري
وفي موشحات أخرى وحد القمندان الدور مع التوشيح مع الاختلاف من دور وموشح إلى آخر وهناك موشحات جاء الدور فيها بقافية والتوشيح بعده بقافية أخرى مع الاختلاف من دور إلى آخر وموشح إلى آخر، وفي حالات أخرى ووحد أحيانا قافية الأدوار مع وجود وحدة جزئية للتوشيح.
يقول القمندان (ياحمام الحيط غني):
سلام مني عليكم يا حبايب يوم الهنا باتجونا للحسيني
حيا بكم بانسوي كل واجب أهلاً على الرأس يا حياتي وعيني
توشيح
مرحباً يأهل المودة حي أيام التلاقي
بر محبوبي بوعده صح أن العهد باقي
مرحباً أهلاً وسهلاً فوج ياورد السواقي
در
فواكه الهند وأصوات الجوالب وثم يميي جاردن في فن ثاني
الورد والفل أشكاله عجايب أبيض ووردي وأحمر وارجواني
توشيح
الورش منسوع جعده لم بيح مر الفراق
بث احساسه وسعده في يمنا والعراق
اصبح العشاق جنده كانهم حلو المذاق
ثالثاً: الوزن في الموشح القمنداني
عرف الموشح بتمرده على نظام البحر الواحد وأوزان الخليل، ولكنه بدون شك له أوزانه، والقمندان يستخدم أوزانا متعددة في إطار الموشح الواحد، ففي موشح (وابو زيد) استخدم المتدارك في الدور بثلاث تفعيلات فقط، وفي التوشيح استخدم المرتجز خارج نظام الخليل واستخدم في اللازمة وزناً آخر.
مثل هذا الاستخدام إنما يبعث إلينا بملاحظة هامة حول هدم نظام البحر الواحد الذي اعتبره النقاد من إنجازات قصيدة التفعيلة، والحقيقة أن الشعر العامي العربي بأشكاله المختلفة كان سبق إلى هذا بما أظهر من تصرف توزيع التفعيلات بخلاف نظام الخليل، وبما أجرى من زيادات وشطب ومزج لبحور الشعر، وبما أظهر من أشكال التمرد على القصيدة العمودية، ويبدو لي أن المثقف العربي بتعاليه وغروره ونظرته الدونية إلى الشعر العامي جعله غير قادر على التقاط هذا التغيير وتطويره، ولذلك لم تظهر قصيدة التفعيلة إلا في أربعينات القرن العشرين وتحت تأثير الغرب.
أخيراً نقول إن موشح القمندان جاء متميزاً بتمرده على قواعد وقوالب الموشح العربي الجامدة، مجدداً في مجال بناء الموشح وفي مجال القوافي، فلم يلتزم بنظام محدد في عدد الأشطر بالمطلع أو الأقفال أو بعد تكرار الأدوار، واستخدام تكرار الشطر الأخير من الدور أو القفل أو تكرار عنوان الموشح في التفعيل أو استخدام تكرار الشطر الأخير من الدور في التقفيل.
وكانت أهم وأعظم إنجازات القمندان في هذا المجال ذلك المزج الذي أجراه القمندان لشكل القصيدة والمبيتات في إطار هيكل الموشح، فجاء موشحه جامعاً لكل أشكال الشعر الثلاثة، وما أجرى من تصرف في الموسيقى وتوزيع التفعيلات وتنويع استخدام البحور من نظام الخليل وخارج نظام الخليل. وكانت موشحات القمندان ناجحة تغنّى بها الناس ولا زالوا يحبونها حتى اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى