هيكلة الشرعية

> د.حسين لقور بن عيدان

>
د.حسين لقور
د.حسين لقور
تجربة الثلاث السنوات الماضية من الحرب ومن الصراع السياسي الذي بدأ بانقلاب الحوثي وصالح على الرئاسة الانتقالية، التي جاءت نتيجة توافقات المبادرة الخليجية، هذه التجربة أصبحت بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من جوانبها، وهذا أمر ليس فيه انتقاص من أحد أن يقف أي نظام سياسي - بين حين وآخر - ليراجع مهامه التي التزم بها أمام شعبه وعمل مراجعة شاملة لتحديد نقاط نجاحه وفشله، وكذلك ما هي المخاطر الماثلة أمامه، وما هي الفرص المتاحة لتحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها أو إنجاز أهداف جديدة.
من وجهة نظري المتواضعة أن الإنجاز الوحيد للشرعية هو أنها استطاعت الخروج من صنعاء والوصول إلى عدن ومنها إلى الرياض، وإشراك دول التحالف في مواجهة الانقلابيين، أما ما عدا ذلك فلا شيء يمكن أن يسجل لها لا دبلوماسيا ولا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا.. وهذا القول ليس لأننا نريد أن ندين أو نتهم أحدا، بل هذا ما هو ماثل أمامنا وأمام كل من يراقب الوضع عن كثب.
أفرزت هذه الحرب تراجعا بل انتكاسة كاملة في عمل الدولة، وعندما نقول ذلك فإنما هو فقط من باب تقرير أمر يدركه الجميع، فلا مؤسسات دولة تعمل ولا سلطات تمارس مهامها على ما يرام، وضرب الفساد كل مفاصل ما تبقى من مؤسسات حكومية حد الوصول إلى أكل أموال اليتامى والثكالى والأرامل، ناهيك عن الانهيار الكامل للعملة والذي تسبب في خروج نسبة عالية من الموظفين من الطبقة المتوسطة إلى ما دون الفقر.
أما سياسيا فقد أصبحت الشرعية عاجزة عن إدارة أي ملف سياسي سواء داخلي أو متعلق بالحرب... الأمور تدار من خارج إطار الشرعية، ولم تعد حتى شاهدا على ما يدور بشأن مصيرها ومصير هذا الصراع.
خسرت الشرعية الزخم الذي أعطي لها سياسيا وإعلاميا واقتصاديا في بداية الحرب، وبددت كل ذلك بسبب تسخير قواها بعيدا عن المعركة الحقيقية، وحولت جل اهتمامها في إعادة ترتيب أوضاع أطراف الشرعية، ليأخذ كل منهم نصيبه وتوزيع المكاسب واستلابها ونهبها بعيدا عن الهدف الذي قدمت له.
عسكريا، لم يعد الحديث حول الفشل العسكري ذا معنى بعد أن تكشفت الكثير من الحقائق حول معسكرات ما يسمى الجيش الوطني وفشلها في تحقيق أي انتصار ولو محدود، مما أثار السخرية لدى كثير من المراقبين بل واتهام أطراف في الشرعية بالمتاجرة بهذه الحرب، كما فند ذلك إسماعيل ولد الشيخ يوم أمس الأول.
دبلوماسيا، حصلت انتكاسة كبيرة في عمل الدبلوماسية، ولا أقل من الاستشهاد بأن علاقة الرئيس هادي وطرف في الشرعية انتقلت من حالة تحالف مع جميع دول التحالف إلى حالة شك ثم خصومة، وهذا طبعا لا يسهم أبدا وبأي شكل من الأشكال في نجاح الشرعية المحتاجة للدعم من كل الأطراف.
دون أدنى شك أن جزءا كبيرا من هذا الفشل والإخفاقات على مستويات لا يمكن أن تحصل لو كان لدى الرئيس هادي إدارة متمكنة وتتماهى مع يسعى إليه.. لكن، واضح جدا أننا أصبحنا أمام لوبيات فساد، لوبيات سياسية حزبية وحتى مناطقية تنخر الشرعية، وهو ما أصبح يتطلب وقفة جادة ليس من الرئيس هادي وحده بل ومن التحالف، لأن بقاء الوضع كما هو عليه يقود إلى كارثة كبيرة، وستتحمل المنطقة كلها تبعات هذه الكارثة بما فيها دول التحالف إن لم تستدرك الأمر وتقوم بعملية إصلاح وهيكلة حقيقية للشرعية تواكب الحاجة الماسة إلى حكومة حرب مصغرة تقصي كل الفاسدين واختيار كفاءات لم تتلوث بالفساد وتتحرك بسرعة، وتعمل على تأهيل مؤسسات الدولة ووضع برامج سريعة لتنشيط الاقتصاد بعيدا عن المشاريع الوهمية.
العالم لن ينتظر طويلا حتى يصل إلى وضع يده على الملف اليمني، وهذا ليس تنجيما بل ما نشهده من تحركات واتصالات ومساومات في ملفات أخرى في المنطقة، وما جرى قبل يومين في مجلس الأمن وإفشال قرار إدانة إيران يجعلنا ندرك أن الأمر جدي، ولن يطول حتى نرى من يطالب بإشراك إيران في ملف اليمن وهي التي كانت السبب في هذا الانقلاب، وهي ما تنتظره لتحقيق هدفها من الانقلاب الحوثي.
فهل يدرك القائمون على هذه المعركة الأمر قبل فوات الأوان؟
* أكاديمي وباحث سياسي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى