(بذلة الغوص والفراشة) الكتابة برمش العين

> كمال الرياحي

> لم يكن الصحافي الفرنسي ذائع الصيت ورئيس تحرير مجلة Elle جان دومينيك بوبي، يعلم ما حدث له عندما استفاق من غيبوبته بعد أسابيع من تعرضه للجلطة، لذلك أخذ يكتشف ما حدث له تدريجيًا عبر متابعة ما يجري معه داخل غرفته رقم 119 في المستشفى البحري ببارك. لكن الثابت أن بوبي استفاق من رقدته مقبلاً على الحياة عازمًا على الكتابة.
“روحي الجامحة هيأت ألف مشروع: رواية، رحلات، ومسرحية إلى تسويق خلطة غلال من اختراعي،...”. لذلك لم يكن أمر الإقدام على الكتابة أمرًا جديدًا عند بوبي، لكن الجديد أنه لن يكتب كالعادة. فيده مشلولة مثل قدميه، ولسانه ثقيل لا يقوى على النطق، لذلك سيتعذر عليه أن يملي. لكنه وفي وقت قياسي وجد الحل وهو الإملاء بطريقة جديدة خاصة به تشبه مرضه النادر تمامًا، وهو إعادة النظر في التعامل مع اللغة نفسه بأن تنطقها العين ويرسمها الرمش. وكان على بوبي أن يجد من يساعده في نقل حركات رموشه إلى حروف على الورق تقول ما ركبه في ذهنه من جمل وفقرات.
هذه الوضعية الجديدة للرجل المعوق إعاقة حساسة جدًا، تجعله مهددًا بالموت بمجرد خطأ صغير في بلع الريق أو التنفس لم تقف أمام رغبته في التمتع بالتفاصيل التي تتدفق من حوله، ولا حتى التمتع بالطقس وتفاصيل النهار من شروق وغروب ومطر وصحو.
يروي الكتاب تجربة بوبي مع هذا المرض النادر، ويرسم صورة واضحة لحالة مريض متلازمة المنحبس، الذي يجد نفسه في لحظات حالمًا بأبسط الأشياء الضرورية لمواصلة حياته. يقول بوبي: “سأكون أسعد الرجال عندما أتوصل، وعلى نحو لائق، إلى بلع فائض اللعاب الطافح به فمي طوال الوقت. لم يطلع النهار بعد وما زلت أتمرن على سحب لساني إلى مؤخرة الحنك مستثيرًا ردة الفعل اللاإرادية الخاصة بالبلع”.
يتعامل بوبي مع من حوله بكل ثقة ولا يشعر بأي مشاعر من الهوان، فقط هي لحظات وعي شقي بتراجيديا التجربة سرعان ما يتخلص منها، ليعيد النظر إلى نفسه لا بصفته مريضًا بل متحولاً. جسد تعاظم وحظي بعيش هذه التجربة النادرة التي جعلت الجميع من حوله في حرج. هذه الصورة الكافكاوية الشبيهة بحالة غريغور سامسا في رواية “المسخ”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى