ما أحوجنا لقانون (العصا) البريطاني

> علي راوح

> أستيقظت من نومي، فزعاً مرعوباً لم يوقظني حلم او كابوس مفزع بل استيقظت على دوي الانفجارات لقنابل تبين لي انها قنابل صوتية مفزعة، تتخللها زخات من الرصاص الحي الذي يفزع منه الكبير قبل الصغير، نهضت مسرعاً، ونظرت إلى ساعة الجدار، فكان الوقت الواحدة وثلاثين دقيقية بعد منتصف الليل، بداية خلت، بل تيقنت ان الغزاة قد وصلوا وأن المعركة قد نشبت بينهم وبين شبابنا ابطال المقاومة الجنوبية، جريت فزعاً مرعوباً إلى بلكون الشقة لأتبين الموقع الذي نشبت فيه المعركة، وكان قريبًا جداً في الحي الذي أسكن فيه، كنت اتمتم بكلمات متسارعة كتسارع دقات او نبضات قلبي المفزوع، ادعو فيها الله ان ينصر شبابنا المقاومين وان يحفظ أرواحهم ويحققن دماءهم وان يرد كيد المعتدين.
صوبت سمعي نحو الموقع الذي تدور فيه الاشتباكات فاذا بي اسمع اصوات الميكروفونات التي تصدح بأغان شعبية مرتفعة، ولا يزال الرصاص يلعلع وقنابل الصوت تتوالى انفجاراتها، وتبين لي انها ليست معركة، بل هو حفل فرح وابتهاج في احدى (المخادر) الرجالية، حفل وابتهاج بعرس لاحد شباب الحي، كان ضغط دمي قد ارتفع إلى قمة راسي ولكن بدأت اهدأ بعد ان تبين لي ان هذا فرح وليست معركة، أسرعت إلى ثلاجة المنزل وتناولت قرصا اضافيا من دواء ضغط الدم، ثم ولجت إلى الحمام وصببت على راسي كميات من الماء البارد كي تهدأ أعصابي، وعدت لاستلقي على السرير، لكن النوم كان قد شرد مني، وتوترت أعصابي، ولم اعد قادراً على النوم بعد هذا الحادث المزعج، ودارت افكاري تذكرني بتلك الايام الخوالي التي كنت انام فيها بكل راحة وهدوء حتى الصباح، تحسرت بندامة على هذه الثقافة التي وصل اليها البعض من ابنائنا في هذه المدينة (عدن) مدينة الأمن والامان، التي كانت امنة مطمئنة عدن مدينة الحب والسلام والسكينة، لماذا وصل بها الحال إلى ما وصل اليه اليوم؟ لماذا انجر ابناء عدن إلى هذا الحال، وهذه الثقافة المتخلفة؟ رصاص حي وقنابل صوتية مفزعة توقظ النائمين وترعب الآمنين، تفزع الكبير قبل الصغير، وترعب المعافى قبل المريض، أصوات قنابل ورصاص توقظ الجيران الآمنين من نومهم وتزرع في قلوبهم الخوف والهلع لمجرد ان هناك شاباً تزوج، وعمل (مخدرة) رجالية، يفرح ليفزع الاخرين!.
تذكرت ايام زمان، عندما كان الناس في عدن يحتفلون ويبتهجون في اعراسهم بهدوء، دون فزع، ودون قلق، ودون هلع، كانت هذه المخادر تبدأ بعد الظهر وتنتهي في اول المساء، ومن ثم تغلق ميكروفونات الفرح، احتراماً وتقديراً للسكان، اما اليوم فقد انجر بعض ابنائنا إلى ثقافة غريبة، ثقافة اقتناء السلاح والقنابل اليدوية والقنابل الصوتية، ثقافة لم يتعودها مجتمعنا الحضاري المسالم في هذه المدينة الحضارية، ثقافة سيئة دخيلة فرضها البعض وانتشرت سريعاً بين اوساط الشباب، انها ثقافة (البندقية) ولا اقصد هنا مدينة البندقية في ايطاليا، بل اقصد بندقية السلاح الالي الكلاشنكوف وغيره من الاسلحة التي لم تكن عدن تعرفها من قبل، إذ نجد اليوم الكثير من شبابنا يتمنطقون بانواع من الاسلحة، ويتجولون بها في الاحياء دون خجل، وبرزت ظاهرة الاتجار والبيع والشراء في هذه الادوات المدمرة، القاتلة، تجد اليوم بعض الشباب ممن هم في سن الدراسة الثانوية او الجامعية وقد استبدلوا كتب العلم والمعرفة بهذه الاسلحة، ولا يمر يوم الا ونسمع فيه اطلاق الرصاص دون مبرر واقلاق المواطنين الامنين الذين يصابون بالخوف والهلع جراء الاعيرة النارية الراجعة من السماء على رؤوس الابرياء، واسألوا المستشفيات كم استقبلت من مصابين بالرصاص الراجع، وكم سمعنا ان شاباً قتل زميله جراء العبث بالسلاح، وكم سمعنا ان شجاراً حدث بين البعض، فكانت البندقية ولعلعة الرصاص سيد الموقف، فمن المستفيد من ازهاق الارواح لأتفه الاسباب، وأين العقلاء واين الآباء واين الوجهاء الذين يجب عليهم ارشاد الشباب الطائشين وثنيهم عن هذه الثقافة السيئة.
وتعود بي الذاكرة إلى مطلع الستينات إبان الحكم البريطاني لعدن، عندما اصدرت السلطات البريطانية قانوناً يحدد وزن العصا التي يستخدمها بعض المواطنين، إما للاستعانة بها على سيرهم في الطريق، او كنوع من انواع الزينة وخاصة كبار السن، حيث كان الكثيرون يستخدمون العصا (الباكورة)، فكان ان اصدرت السلطات البريطانية قانوناً يحدد وزن العصا المسموح بحملها خشية ان تكون اداة للقتل.
وفي الماضي القريب إلى ما قبل عام 1990م لم يكن احد يجرؤ على حمل اي نوع من السلاح بالزي المدني، حتى وان كان ضابطاً او جندياً عسكرياً، ولم يجرؤ احد على اطلاق صوت طماشة واحدة في عرس او غيره من الافراح، اقول هذا وانا اتأمل وثيقة امنية بسيطة يعود تاريخها إلى شهر اغسطس 1977م، وهي (قبل 41 عاماً) وثيقة للسماح لي انا شخصياً بإقامة حفل زفافي على خشبة مسرح نادي الوحدة الرياضي في مدينة الشيخ عثمان، حيث طلب مني الذهاب إلى شرطة الشيخ عثمان، وتقديم طلب للسماح لي بإقامة حفل الزفاف، وهناك قدموا لي استمارة خاصة بهذا الشأن، ووقعت على وثيقة بأن التزم بالعديد من الأمور، ومنها عدم استخدام الطماش في العرس، فأين كنا، وكيف اصبحنا اليوم، إذ تتحول الاعراس إلى اشبه بمعركة حامية الوطيس.
ختاماً اقول ان عدن (بإذن الله) ستظل مدينة الامن والامان، مدينة السلم والسلام، مهما اراد البعض اخراجها من ثقافتها الحضارية المتأصلة، والمطلوب تكاتف جهود الجميع من الخيرين لوقف ثقافة البندقية هذه الثقافة السيئة. اللهم اهدي شبابنا إلى ما فيه خير المجتمع!.
علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى