"حسن الصياد"

> أحمد الجعشاني

> حسن الصياد كان ذلك اسمه وينادونه به منذ سنوات قضاها في حارتنا، سكن في ذلك البيت القديم المهجور، يكاد يكون خرابة، بيت مهدم، دوره العلوي سقط منذ زمن طويل، ولم يتبق منه سوى دور واحد أرضي، بصالة صغيرة وغرفة يوجد بها سرير وشباك صيد مرمية على الأرض.
وفي زاوية أخرى من الغرفة توجد أيضا عدة الصيد من صنانير وأوتار وأشياء أخرى، ذلك ما كنت أذكره، حين دخلت ذلك البيت المهجور مرة واحدة في حياتي، كان ذلك قبل سنوات، وأنا في الثانوية دخلنا لأجل مذاكرة امتحان الثانوية، وكنا نبحث عن مكان نجلس فيه، واقترح أحدهم أن ندخل البيت القديم، كان مليئاً بالأتربة والغبار، ونوافذه محطمة، ولم يتبق منها سوى ذلك الجزء المثبت في الحائط المبني من الطين، كما هي عادة بيوتنا القديمة وسقف مهترئ تحس أنه سيسقط عليك في أي لحظة.
لم يكن حسن الصياد موجودا حينها، يظل في البحر أياما عدة ثم يعود، ليس له أي صداقات أو علاقات اجتماعية مع أهل الحارة، غير السلام المعتاد، آخر مرة رأيته كان قد كبر في السن، أسمر وشاحب الوجه، ولحية بيضاء تكسو وجه، ومنحني الظهر، يمشي بخطوات ثابتة، وبطيئة، نظر إليّ، رفع يده تحية منه، دون أن ينطق بحرف واحد، كان واضحا لي أنه كبر وهرم، ولم يعد يستطيع تحمل مشاق البحر، ولم يعد مثلما كان شابا يافعا، كان يشبه ذلك الرجل الثمانيني سانتياغو في الرواية (الشيخ والبحر)، حين كنا نذهب البحر، ونحن صغار، نبحث عنه وعن قاربه الصغير، وحين لا نجده في الشاطئ، ننتظر عودته من رحلة الصيد.
وكعادته وفي كل مرة بداية كان يرفض، ثم ينصاع لأمرنا، بعد إلحاح منا، يأخذنا على قاربه نجول في البحر، يظل صامتا، وهو يرى الفرح في عيوننا، ونحن نصيح ونغني، يبتسم ابتسامة فاترة وكأنه لا يريد أن يفرح، يعيدنا إلى الشاطئ حيث كنا، وفي ليلة ممطرة ولم يتوقف إلا في الصباح عند إشراقة الشمس، كان أهل الحارة يقفون أمام البيت وأصواتهم تتعالى، وقال أحدهم لقد سقط البيت القديم، كان خرابة لم يعد يحتمل المطر، سقط البيت وأصبح كومة تراب، ذلك كان متوقعا منذ زمن، ولكنني نظرت إليهم، لم أرَ حسن الصياد، ولم أرَه مرة أخرى بعد ذلك اليوم.
أحمد الجعشاني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى