المعاق وحق الزواج

> جهاد عوض

>
جهاد عوض
جهاد عوض
في أحد الأيام جلست مع صديق معاق، ودار حوار ونقاش بيننا حول زواج المعاقين، وما هي الأسباب والعراقيل المعيقة له؟ وتجعل المعاق عاجزا ومكتوف الأيدي عن تنفيذه.
يقول صاحبي: ما كنت أفكر وأحلم في الزواج في الفترة الماضية أو أعطيه أي اهتمام في حياتي، نظرا للعادات والتقاليد في المجتمع والنظرة الخاطئة والقاصرة نحو المعاق وبالذات في الريف. ويقول أيضا: كنتُ كثيرا ما أسمع بصمت عن عدم الثقة في المعاق والتشكيك في ذاته، وأنه عاجز ولا يشكل إلا نصف إنسان، وغير قادر على الوفاء بمتطلباته الحياتية، وبالتالي - بمفهومهم وفحوى كلامهم - لا يستحق أن يفكر ويقرر الزواج ويبني أسرة والعيش مثل غيره من البشر له مشاعر وأحاسيس وقلب ينبض بالحب والأمل، وبمستقبل أفضل.
وعلى هذا الأساس والواقع المفروض قسراً بمنطقهم فإنّ ليس للمعاق إلا الكساء والغذاء فقط، وما عدا ذلك لا يحتاج لأي شيء آخر.. مرت ورحلت الأعوام من عمري تباعا، كما تتساقط الأوراق في فصل الخريف، وأنا في حيرة وشك من نفسي مغلق على قلبي بالقفل والمفتاح، وممنوع عنه الكلام المباح، بل حتى التفكير في هذا الأمر، وأن حاول أحيانا قلبي يعلن العصيان ويتمرد عن سجنه، وينبض بأرّق المشاعر، بإرادة مني ومن غير إرادة.
ظل الأمر محسوما ومكتوما بين أضلعي، ومن شدة حذري وخوفي، تمر اللحظات وعيني ترى كل جميل ولا تتكلم، والأذن تسترق ما يشدها ويجذبها بصمت ولا تهتم، لم أبح في يوم بأي إحساس جميل ينتابني، في لحظة ما تسترعي انتباهي وتثيرني، بل تموت وتختفي بسرعة في قبر عميق، قبل أن تنمو وتكبر ويضيق ولا يتسع لها صدري.
ومع تطور الحياة والعصر الحديث بوسائل تواصله المتنوعة وتغيير بعض المفاهيم نحو المعاق بأن له الحق الكامل في أخذ حقوقه ومنها الزواج، خاصة مع وجود بعض الأسر المتفهمة والواعية التي تنظر وتؤمن بعلاقات وارتباط إنساني متبادل بين المعاق والآخر بعيدا عن مبدأ المصلحة ومفهوم الربح والخسارة لديهم، حينها سيطرت الفكرة على تفكيري، وأعلن العقل تضامنه ووقوفه مع قلبي في إعلان حريته وإطلاق مشاعره وعواطفه الإنسانية التي تختلجه وتعتريه، وأن يعبر عما يحس ويشعر به، في التعامل الإنساني مع الآخرين.
وهكذا قررت وعقدت العزم أن أعيش حياتي بحرية وأن لا أنظر للماضي بالعقلية المعيقة، وأن أكسر كل الحواجز والموانع التي تعيق سعادتي، فلا أحد يفكر بي ويحس لي فيما أعانيه في سائر أيامي ولياليّ.
ويضيف صاحبي: كان الوضع المادي والمعيشي عائقا رئيسيا آخر، فلا يوجد عمل أو مصدر دخل لي يعينني على تسيير وتدبير أموري وتكوين أسرتي الصغيرة، إلى أن يسّر الله جمعية خيرية قبل عامين، أقامت حفل زواج جماعي لعدد من المعاقين وكنت منهم، وفي ليلة لا تنسى ذُرفت فيها دموع الفرح لأول مرة، بعد ما كانت دموع الحزن والأسى لا تفارقني إلا قليلا، ليلة تشعر بأنك إنسان والكل يحتفي بوجودك، وتشاهد علامات الفرح والسعادة لك لأول مرة في وجوه الناس.
وفي هذا المقام أدعو الجمعيات الخيرية ورجال المال والأعمال في بلادنا وهم كثير ولله الحمد، إلى تبني ودعم شريحة المعاقين وتنفيذ هكذا مشروع حتى يشملهم الاستقرار الاجتماعي، وتدخل إلى قلوبهم الفرحة والسعادة، ويعطي شعورا وإيمانا قويا لديهم. إن المجتمع يشاطرهم ويأزرهم، ولن يتخلى عنهم حتى يثبتوا أقدامهم ويخطوا بثقة إلى الأمام في بناء مستقبلهم الجديد.
هكذا كان الحوار والنقاش مع صديقي المعاق.. فما رأيك أنت عزيزي القارئ؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى