شل الشلن..!

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* (مسرور مبروك) شاعر جنوبي (لحجي) قرأ المستقبل قبل قرن كامل من الزمان، لا تجعلوا هذه الحقيقة تدهشكم، وتتسبب في تشنج حواجبكم.
* إنها الحقيقة بشحمها ولحمها ونخاعها التي توصلت إليها بعد قراءة غيض من فيض أشعاره الزجلية، فقد تتبعت أثره وسبرت أغواره، والشعراء يتبعهم الغاوون.
* لم يكن (طائر وادي تبن) متنبئا لعصره، ولم تسلبه حياة زمان بريقها الزائف فتساءل في ليلة عيد: بأي حال عدت يا عيد..؟
* لكنه كان شاعرا فياضا بخيال جامح، وقريحة شعرية ساخرة متهكمة تنقد الواقع بأدوات المستقبل، فيتراءى لك وأنت تطالع نوادره أنك أمام عبقرية شعبية فذة تقرأ الحاضر بلسان المستقبل.
* وعندما تهكم قبل قرن ساخرا من (الشلن)، ومتباكيا على زمان (الروبية)، لم يكن (مسرور مبروك) إلا ندابا ضاحكا، يهمز ويغمز ويلمز إلى الانتقال من عصر الرفاهية إلى عصر الانحطاط الاقتصادي (صرف الثلاثة شلن بميات.. وإذا صرفت الألف عبي جونيات).
* رسم (مسرور مبروك) ببساطته وفطرته الأثر الذي دل على مسير (إنجلترا)، فهو يلومها لأنها أثارت (الربشة) بعملتها الجديدة (الشلنات)، كما أنها ألغت هوية عملة تاريخية بينها وبين شعب (الجنوب) عيش وملح وتاريخ من الرخاء الاقتصادي.
* من يقرأ رائعة (شل الشلن) لهذا الشاعر الشعبي الساخر الضاحك المتهكم، سيندهش أن ذلك الجيل البسيط اتخذ من السخرية سلاحا رهيبا، تداوله الناس في المقايل وفي السمرات، فكانت المرة الأولى التي يجتمع فيها السخط الشعبي مع السخرية التهكمية، جعلت من (الشلن) أضحوكة شعبية بين الأمم.
* وعندما يقول (مسرور مبروك): شل (الشلن) واصرفه سنتات.. أما زمان (الروبية) قد فات، فهو يبشر بفجر جديد تسوده المادة، ويودع الماضي الجميل، بأسلوب كوميدي ساخر محبب للقلب، فتلك العملة كانت مثل (مركب الهند) الكل يطمع أن يكون ربانها إلا (إنجلترا) بالطبع.
* قدم (مسرور مبروك) صورة نابضة للسخط الشعبي العارم في وداعية (الروبية)، وجعل من (الشلن) مادة نقدية لاذعة وخصبة تجترها (هدرات) في المقايل وفي السمرات.
* أصبحنا في زمن (الريال) اليمني بحاجة إلى فجائية و(جريرية) الشاعر (مسرور مبروك)، وحده فقط يستطيع تطويع المفردة (التهكمية) ونقل نبضها إلى حكومة بلا دم، تقود الشعب إلى سفح التخبط الاقتصادي، السخرية سلاح رهيب جدا لم نحسن استثماره، فهي من وجهة نظري رقص مع الألم، لها القدرة على النفاذ والتأثير الشعبي، لكن من أين لنا لسان طويل وحاد يقطر تهكما، مثل لسان (مسرور مبروك)؟
* تندر (مسرور مبروك) بلسانه الطويل على (الشلن) له مبررات ترتبط بسيكولوجية النفس البشرية، تماما مثلما أن سخريتنا من (الريال) عديم القيمة يذكرنا بزمان وصل (الشلن)، حين كان سيدا بين العملات المعدنية والورقية.
* ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، فإن (الشلن) الذي كان مصدرا (للكعكعة) اللحجية، وعرضة لهجاء (مسرور مبروك) لحنا وفنا لم يغيِّب حقيقة أشار إليها شاعر السخرية الاجتماعية مفادها: أن لكل زمان عملة، تماما مثل حال الأيام التي نداولها بين الناس.
* أتمعن في (ريال) زماننا وهو يتلقى الضربات الساحقة والماحقة في سوق العملات، فازداد اقتناعا أن (مسرور مبروك) كان على حق، عندما جعل فضيحة (الشلن) على كل لسان، وهو يردد بسخرية لحجية محببة: شل (الشلن) واصرفه سنتات.. أما زمان (الروبية) قد فات، مثلما فات (الشلن) بعد ذلك وفي ذيله سبع لفات ريالية.. (هذه الأخيرة من عندي أنا)..!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى