مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن.. ماض عريق وحاضر يحتضر (1)

> تحقيق/ علي راوح

> يُعد مستشفى الملكة (اليزابث الثانية) مستشفى الجمهورية التعليمي حالياً، بمديرية خور مكسر بالعاصمة عدن، من أعرق المستشفيات والأول على مستوى المنطقة العربية، ولعب دوراً بارزاً في تقديم مختلف الخدمات العلاجية والوقائية النموذجية لمختلف مناطق الجنوب المحتل حينها، وكذا لبعض المحافظات الشمالية في (المملكة المتوكلية اليمنية) والسياح والأجانب، وبكادر كفؤ ومتخصص.
ويعود تاريخ تأسيسه إلى 27 أبريل 1954م، حيث قامت ملكة بريطانيا اليزابث الثانية وزوجها (دوق أونبرا) بوضع حجر الأساس له في مديرية خور مكسر بمستعمرة عدن حينها، وبلغت تكلفة بنائه (مليون ونصف المليون جنيه إسترليني).
في أغسطس من العام 1958م تم افتتاحه، لتقديم خدماته الطبية لمواطني عدن والمناطق المجاورة، بطاقم طبي وتمريضي وفني معظمه من الإنجليز ومن بلدان الكومنولث (اتحاد طوعي مكون من 52 دولة جميعها من ولايات الإمبراطورية البريطانية سابقاً) حتى عام 1968م، حيث انتقلت إلى المستشفى مدرسة التمريض التي تأسست في المستشفى الأهلي في كريتر عام 1956م.
ووفقاً لما أورده السفير الفقيد عبدالوكيل السروري في كتابه (قراءة في تاريخ مستشفى الجمهورية التعليمي) فإن مستشفى الملكة اليزابث عند افتتاحه بلغت سعته السريرية (500) سرير، وكان أول طبيب يمني يعمل فيه هو د. سالم عبدالخالق، وهو استشاري الأمراض العقلية والعصبية، وعمل في فترة لاحقة في العاصمة البريطانية لندن، في حين كان أول مدير للمسشتفى د.أسكلتين برون، وكانت أول مديرة للتمريض الآنسة (كوين)، أما أول سكرتير للمستشفى فهو السيد (عبدالمجيد حسب الله)، وقبل الاستقلال بأشهر كان مدير المستشفى د. محمد البار، تلاه بعد الاستقلال د. سالم أحمد يافعي، وتولى بعدهما إداراته عدد من من الأطباء والاختصاصيين، وكان أول رئيس لهيئة التمريض أ. محسن شيباني، وأول سكرتير بعد الاستقلال إبراهيم صعيدي.
الملكة اليزابث الثانية أمام مستشفى الجمهورية
الملكة اليزابث الثانية أمام مستشفى الجمهورية

ومثّل المستشفى عند افتتاحه أهمية بالغة الدلالة انطلاقًا من كونه يُشّكل الصرح الصحي النموذجي والأول في عموم المنطقة العربية هندسة وموقعًا وخدمات، ولعب دورًا بارزًا في تقديم مختلف أشكال الخدمات العلاجية والوقائية النموذجية لمختلف مناطق الجنوب المحتل حينها، وكذا بعض المحافظات الشمالية في (المملكة المتوكلية اليمينة) والسياح والأجانب.
وأوضح السروري في كتابه أن “المستشفى تكوّن عند افتتاحه من الأقسام الآتية:
قسم الجراحة العامة والعظام، قسم التمريض والباطنية، قسم أمراض العيون والأنف والحنجرة، قسم الأطفال والولادة، قسم أمراض الدرن الرئوي، قسم الأطفال، وقسم الأسنان، بالإضافة إلى الأقسام التخصصية التشخيصية: كقسم الخدامات الفندقية، والطوارئ، الأقسام الخاصة: العيادات الخارجية، الخدمات الدوائية، والتجهيزات الطبية، قسم العلاج الطبيعي، إلى جانب الأقسام التخصصية والخدمات المساعدة التي يحتاجها المستشفى، كالإدارة وخدمات الصيانة للمنشآت الصحية وللأجهزة والمعدات الطبية والتكييف وغيرها من خدمات الغسيل والتعقيم والصيانة العامة. وعمل في المستشفى حين افتتاحه كوادر إنجليزية وهندية وعدد قليل من الوطن ممن تم تأهيلهم وتدريبهم ولا يتعدون أصابع اليد”.
*إقبال متزايد
ولما كان المستشفى هو الوحيد في عموم المنطقة يقدم خدمات صحية علاجية رفيعة المستوى فقد عانى من ضغوطات مختلفة نتيجة للإقبال المتعاظم عليه، وفي محاولة للتخفيف من الضغط المتزايد تم نقل قسم النساء والولادة إلى مستشفى عبود في عام 78م، كما نُقل قسم الحالات النفسية إلى مصحة السلام، وقسم الأطفال إلى مستشفى الطفولة التخصصي في المنصورة، وتم نقل أقسام الدرن الرئوي إلى مستشفى خاص في دار سعد عام 71م، والذي أُعيد في عام 78م إلى مستشفى الجمهورية.
وظلت حركة التنقلات فيه مستمرة، وللتخفيف من الأعباء المختلفة التي تحملها المستشفى تم بناء العديد من المستشفيات التخصصية بطاقة استيعابية كبيرة كمستشفى الصداقة والذي خُصص للأمومة والطفولة في عام 1986م، وتحولت مدرسة التمريض إلى معهد صحي (معهد أمين ناشر).
الملكة اليزابث الثانية تضع حجر الاساس
الملكة اليزابث الثانية تضع حجر الاساس

وشكّل المستشفى نقطة الانطلاق لمجمل التطورات التي شهدتها الخدمات الصحية في عدن والمحافظات الأخرى الجنوبية والشرقية باعتباره حجر الزاوية برفد مشاريعها الصحية بالكوادر الطبية والفنية، فضلاً عن دوره في تأهيل عامليها، كما قدم كافة أشكال الدعم والمساعدة للمستشفيات العسكرية إضافة لمسشتفى مصافي عدن.
*خدمات على نطاق واسع
وتحمّلت كوادر المستشفى منذ افتتاحه المهمة باقتدار في تسيير الخدمات الطبية ليس فقط للنزلاء والمترددين عليه بل تعدت إلى ضواحي مدينة عدن من خلال بعض العيادات الصحية الموزعة في عدد من المديريات والأحياء وملجأ العجزة...إلخ.
وكان من أبزر الرواد الأوائل فيه من الأطباء الإنجليز:
Dr: skeiton Brown، Dr:Hamilon، Dr: fowdri
ومن العرب: د. سالم عبدالخالق، د. جعفر علي عزيز، د.عبدالقادر محيرز، د. محمد مهيوب سلطان، د. أجمد عبدالله باصهيب، د. سعيد باجنيد، د. محمد البار، د. أحمد البار، د.قيس حاتم، د. أحمد عرفان، د. خالد علي قاسم، د. علي مغيني، د. قيس محمد عبده غانم، د. عبدالقادر البار، د. حافظ لقمان، د. سعيد صدقة (أول وزير للصحة بعد الاستقلال)، د. صالح عوض حرسي (أول وكيل لوزارة الصحة بعد الاستقلال)، د. طه شهاب، د. عبدالله عفارة، د. عبدالعزيز الدالي (ثاني وزير للصحة).
جعفر علي جامع، د. حسن توفيق (مصري)، أفضل شيخ، علي عبدالله الجاوي، حامد عبدالقادر.. إلخ مارس  1971
جعفر علي جامع، د. حسن توفيق (مصري)، أفضل شيخ، علي عبدالله الجاوي، حامد عبدالقادر.. إلخ مارس 1971

*مستشفى تعليمي
في عام 1977م (أي قبل 41 عاما) والذي صادف تأسيس كلية الطب في عدن، تحول المستشفى إلى مستشفى تعليمي ليرتبط ارتباطاً مباشراً بالجانب التأهيلي لكلية الطب.. وقد شهد في هذا المجال تخرج العديد من الأطباء في مختلف التخصصات فضلاً عن تخرج العديد من الأطباء الاستشاريين المشهود لهم داخل الوطن وخارجه، غير أن ما يبدو في الوقت الحاضر أن الجامعة قد تخلت عن المستشفى ولم تقم بإلزام كوادرها بالعمل فيه.
وخلال مسيرته الطويلة شهد المستشفى مراحل متعاقبة من التحديث والتطوير، ففي الثلاثين من نوفمبر 1996م احتفل بافتتاح وتوسيع عدد من الأقسام التخصصية، مثل وحدة الغسيل الكلوي، وجراحة المخ والأعصاب، وجراحة العين والتجميل، فضلاً عن تطوير وحدة التشخيص الباطني، والقلب والمختبر.
المؤلف ووزير الصحة العامة يوضحان للرئيس سالم ربيع علي الأوضاع الصحية في البلاد مايو 1978
المؤلف ووزير الصحة العامة يوضحان للرئيس سالم ربيع علي الأوضاع الصحية في البلاد مايو 1978

*احتفالات كبيرة
في عام 2001م نظمت إدارة المستشفى حفلاً تدشينياً كبيراً تزامناً مع غمرة الاحتفالات بالذكرى الــ(47) لتأسيسه، وكنتُ حينها مُكلفاً بالتغطية الصحفية الخاصة به ضمن عدد من الزملاء، وتم في هذا الاحتفال افتتاح ثلاثة مشاريع كبيرة في إطار الخطط التطويرية الهادفة إلى رفع كفاءة ومستوى الخدمات الصحية، وتمثلت في الآتي: مركز أمراض الصدر (قسم السل)، كمرحلة أولى بتكلفة (75) ألف دولار، وتصل سعته إلى (70) سريراً، بدعم من الحكومة اليابانية، ومشروع ترميم العناية المركزية (قسم الإنعاش) وهو ضمن المشاريع الداخلية التي تقوم بها إدارة المستشفى، ومشروع الحاسب الآلي المركزي، لقسم التسجيل والإحصاء والمعلومات، والمنجز من قبل إدارة المستشفى بالتعاون مع جامعة عدن بتكلفة (12) ألف دولار كمرحلة أولى.
صورة للملكة أثناء زيارتها لعدن
صورة للملكة أثناء زيارتها لعدن

وشارك في هذا الافتتاح عدد من المسؤولين الحكوميين، وسفيرة المملكة المتحدة لدى بلادنا السيدة (فرنسيس جاي)، والسكرتير الأول في السفارة اليابانية السيد (ياماتاكي).
*هيئة مستقلة
في عام 2010م تحوّل مستشفى الجمهورية إلى هيئة مستقلة، وأوضح في حينها رئيس مجلس هيئة المستشفى د. جمل محمد إسماعيل خدابخش لـ«الأيام» نشاط المسشتفى وخدماته الطبية للمرضى ومدى جاهزيته وكذا المعوقات التي تواجهه.
وأشار خدابخش إلى أن المستشفى “يقدم خدمات طبية مجانية لبعض الفئات المرضية، وبتخفيض 50 بالمائة لمرضى الدرن الرئوي والفشل الكلوي، ومرضى السرطان، والمعاقين".

وشكا في حينه أثناء تصريحه لـ«الأيام» من ضعف البنية التحتية للمستشفى، وقِدم الأجهزة والمعدات، وكذا قِدم المباني الخارجية المحيطة بالمبنى الرئيس خصوصاً الأقسام الخارجية كـ(العظام، والصدر، والغسيل الكلوي، والعيادات الخارجية)، بالإضافة إلى نقص في عدد الكادر الطبي المؤهل لاسيما في الجانب التمريضي، وعدم تمكين المستشفى من التوظيف الكافي، وغيرها الكثير.
وهي المشكلات التي زادت تفاقماً في الوقت الحالي بشكل كبير جداً، الأمر الذي تضاعفت بموجبه معاناة نزلاء المستشفى ومرتاديه.
تحقيق/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى