إعـدام

> راجح محمد أبو زيد

>
راجح محمد
راجح محمد
استلقيت على فراشي الوثير، وذهبت في نوم هادئ عميق.
لم تمض سـوى لحظات وإذا بصديقي (جابر) يرمي نافذة غرفتي بحصى صغيرة ويرفع صوته:
"كفاك نوماً يا (مسعود) هيا إنهض.. اليوم حفل زواج (مبروك)..
وكل الأصدقاء هناك"..
نهضت مسرعاً، وأخرجت رأسي من النافذة واستمهلته ريثما أجهز نفسي وألحق به.
ارتديت ملابسي وصففت شعري على عجل.
وقفت أمام المرآة ودرت حول نفسي لأتأكد من سلامة هندامي.
حملت بندقيتي وبارحت البيت خارجا.
هناك نهض الجميع لاستقبالنا.
عمَّرت الكلاشنكوف وصوَّبته نحو السماء وأنا أبتسم في ثقة.
لا شك سيقولون
“هذا الشاب من طينة عنترة”
أطلقت وابلاً من الرصاص.
لكن الآلي انتفض بين يدي بجنون.
فترنحت يميناً وشمالاً.
اختل توازني فهويت وارتطم وجهي على الأرض الصلبة بعنف .
رحت في شبه غيبوبة فهُيّأ لي إنني أسمع أزيزاً قوياً يكاد يفجّر أذنيَّ.
رفعت رأسي إلى الأعلى قليلاً.
فتحت عينيّ.. رأيت غباراً كثيفاً ودخاناً ضارباً للزرقة يحجب عني ما وراءه..!
لم أدرِ أين أنا!..
ولكني سمعت صوتاً مبحوحاً ينادي باسمي ويشتمني !
استندت على ساعديّ ونهضت بنصفي الأعلى.
تلفّتُ حولي في دهشة وذعر..!
يا إلهي !...
عــددا من الجثث ملقاة أمامي والدم ينزف منها بغزارة.
التفتّ وراء ظهري..
رأيت صديقي (جابر) غارقاً في بركة من الدم ..!
صدمني المشهد فأُغميَ عليَّ على الفور.
السجن ؟!!..
ياااااه...!!
كم هو موحش ومخيف..!!
إنه يصلح للمجرمين غلاظ القلوب الأكباد فقط.
يا ترى هل سيحسبني الناس من هؤلاء؟!..
هم يعرفونني جيدا. لا شك سيقولون
“أنني رجل مسالم ولا أفكر في قتل ذبابة”
ليتهم يشهدون بذلك..
المحكمة تقرر الإعدام رميا بالرصاص. وجموع من الناس تتدفق وتحتشد في الميدان الرملي خارج السجن.
بعضهم يتطلع فاغراً فاه.. وحاجباه مشدودان في ذهول.
وآخرون يمسكون بلحاهم.. ويقفون في صمت وخشوع
“ إعدام !.....”
إنني لم أتعمد قتلهم. ولم أضمر لهم سوءا طوال حياتي..!
بل أنا أحبهم جميعاً. وأقسم على ذلك..
وهل يعقل أن أقتل (جابر) صديق عمري الذي جازفت بحياتي لإنقاذه، عندما جرفه تيار الموج؟!..
أو أتعمد قتل الحاج الطيب غزابا أو العريس؟! إبنه الوحيد؟!!
“ولكنك قتلتهم كلهم”
رد علي أحد الرجال بوجه صارم.
تقدم شرطي ملثم وبسط أمامي قطيفة مستطيلة، ثم أمسك بي اثنان من الخلف ومددوني فوقها على وجهي.
شعرت بيد تتحسس ظهري. خمنت أنها تضع علامة على موضع القلب. جحظتْ عيناي وارتعشتْ أطرافي. شعرتُ أن قلبي ومعدتي وأمعائي كلها تصعد وتزدحم في حلقي.
حاولت أن أتقيأ.. أن أصرخ.. لم أستطع ...!
استسلمت للحقيقة الرهيبة.. الموت..!
نطقتها بهمس مبحوح...
لم تمر سوى لحظات حتى شعرت بأشياء كأنها أسياخ ملتهبة تدخل من ظهري وتمرغ بين أحشائي.. في ألم قاتل.. وأصوات قوية مرعبة تتردد...!
قفزت بقوة هائلة لا أدري كيف تجمعت في رجليّ أثناء تلك اللحظة العصيبة..!
فإذا أنا منتصب والسرير يرتجف من تحتي ويصدر قرقعة مزعجة.
تحسست نفسي بعصبية، صدري يعلو ويهبط.
حبات كبيرة من العرق البارد تتدحرج على جبيني وصدغيّ.. فركت عينيّ بأصابعي.. تلفتُ حولي.. نظرتُ إلى النافذة..
رأيت رؤوس مباني القرية البعيدة تسفر عن فجر كانون القاني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى